بين الضغط والمماطلة.. كيف تعمل "دبلوماسية إطلاق الأسرى" الأميركية ـ الإسرائيلية؟

مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، وصل إلى الدوحة، حيث التقى مسؤولين رسميين بهدف إجراء مباحثات بشأن العدوان على غزة، تشمل مفاوضات إطلاق سراح أسرى لدى المقاومة الفلسطينية بصورة خاصة. فما المسارات التي مرّت فيها هذه القضية حتى الآن؟

  • بين الضغط والمماطلة.. كيف تعمل
    بين الضغط والمماطلة.. كيف تعمل "دبلوماسية إطلاق الأسرى" الأميركية ـ الإسرائيلية؟

التقى الوسطاء القطريون مسؤولين في المكتب السياسي لحركة حماس، مساء الأربعاء، وناقشوا المعالم المحتملة لصفقة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي. كما تضمّنت المحادثات مناقشةً بشأن السماح بدخول واردات الوقود الإنسانية لغزة، وهو الأمر الذي رفضته "إسرائيل" حتى الآن.

والخميس، اجتمع رئيس "الموساد" الإسرائيلي، ديفيد بارنيا، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ويليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في العاصمة القطرية، بهدف "مناقشة معالم اتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى، ووقف القتال"، وفق ما أفاد به مصدر مطلع وكالة "رويترز".

وعقب الاجتماع، أعلن البيت الأبيض أنّ الاحتلال الإسرائيلي وافق على تطبيق "هدن إنسانية موقّتة"، في شمالي غزة، بدءاً من الخميس. وبينما حاول الرئيس الأميركي، جو بايدن، الضغط على "إسرائيل" لوقف إطلاق النار لعدة أيام، على نحو يتيح إعادة أسرى لدى المقاومة، رأى أنّ "لا احتمال لوقف إطلاق نار رسمي في الوقت الحالي"، مضيفاً أنّ "إسرائيل استغرقت وقتاً أكثر مما كان يأمل من أجل قبول هذه الهدن".

لاحقاً، نفى طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، التوصل إلى اتفاق هدنة مع الاحتلال، مؤكداً استمرار المحادثات بهذا الشأن.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الهدنة الإنسانية الموقّتة لا تعني وقفاً لإطلاق النار، وهي لا تهدف إلى إنهاء الحرب. ووفقاً لمحلل الميادين للشؤون الفلسطينية، عبد الرحمن نصّار، فإنّ الهدنة هذه المرة تتباين عن هدن الحروب الماضية، إذ إنّ "تلك التي يجري الحديث عنها اليوم هي جزء من تكتيك الحرب"، والأهداف الأميركية المعلنة بشأن الحرب لا تزال هي نفسها، حتى إنّ الأميركي أكثر تعنّتاً من الاحتلال، بحيث تتماهى واشنطن مع الهدف الإسرائيلي المتمثّل بـ"القضاء على حماس"، وتصرّ على رفض وقف إطلاق النار بصورة دائمة.

يُشار أيضاً إلى أنّ حماس والمقاومة لن تتفرّجا طبعاً في أثناء تنفيذ الهدنة، في حال تحققها، بل ستعملان على استغلال الوقت الذي لا يتخلله قتال، بهدف تنظيم أمورهما العسكرية واللوجيستية، لتستكملا لاحقاً تصدّيهما لعدوان الاحتلال. 

الضغط الأميركي ومسارات الأسرى

وأكّد منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، أنّ بلاده "ستستمر في إجراء مناقشات مع الإسرائيليين أطول فترة ممكنة، لنرى إمكان تحقيق الوقف الموقت لإطلاق النار"، بينما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ "التحدي الإسرائيلي بشأن الهدنة الإنسانية كان مصدر خلاف مع واشنطن، بما في ذلك مع الرئيس جو بايدن، الذي أصبح محبَطاً بصورة متزايدة بسبب الرفض الإسرائيلي".

ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أنّ مسؤولِين أميركيين متعددين "يشعرون بأنّ نتنياهو يضغط على واشنطن كي تطالبه علناً وتضغط عليه لقبول هدنة إنسانية، الأمر الذي يجنّبه رد فعل سياسياً عنيفاً من حكومته، إذا بدا ضعيفاً في مواجهة الضغوط لوقف القتال". 

من جهتها، تؤكد المقاومة الفلسطينية أنّ "ملف الأسرى لا يزال حاضراً، وأنّ المسار الوحيد هو صفقة تبادل، كاملة أو مجزَّأة"، كما جاء على لسان أبي عبيدة، الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، والتي تمتلك وحدها نحو 200 أسير. 

واليوم، أعلن الناطق باسم سرايا القدس٬ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي٬ أبو حمزة، الاستعداد لإطلاق سراح أسيرين، نتيجة أسباب إنسانية.

اقرأ أيضاً: الأسيران لدى سرايا القدس: نتنياهو قاتل الأطفال والأسرى تخلى عنا.. و"الجهاد" حرصت على حياتنا

الجهود الأميركية انصبّت في البداية على تأمين إطلاق سراح نحو 50 أسيراً غير عسكري، من أصل 200 أسير (وفق تقديرات واشنطن)، بحسب شبكة "سي بي أس نيوز" الأميركية. ومنذ أسابيع، يوجد ستيف جيلين، وهو نائب المبعوث الخاص لشؤون الأسرى، في الأراضي المحتلة، مع مسؤولين أميركيين آخرين، من أجل التباحث بشأن هذه القضية.

ومنذ أوائل الشهر الماضي، كانت هناك بدايات خاطئة متعددة لمسار إعادة الأسرى. وأفادت "سي بي أس نيوز" بأنّه كان هناك إطلاق سراح وشيك مُتوقَّع في الأسبوع الذي يبدأ في الـ23 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

كما وُضعت الخطط لإعادة هؤلاء الأسرى الـ50، تزامناً مع توقّف قصير في إطلاق النار بهدف إتمام العملية، وإدخال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود، للقطاع، إلا أنّه "من غير المفهوم لماذا أُحبطت العملية"، وفقاً لها.

وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر، قامت "إسرائيل" بـ"توسيع هجومها البري على غزة"، الأمر الذي أثّر في قضية الأسرى. ووفقاً لشبكة "سي بي أس نيوز" الأميركية، فإنّ الاتصال استمر بين الاستخبارات الإسرائيلية والحكومة القطرية، التي تتولى قيادة المحادثات. وفي اليوم التالي للهجوم البري، زار رئيس "الموساد" ديفيد بارنيا، العاصمة القطرية.

اقرأ أيضاً: "واشنطن بوست": الولايات المتحدة وقطر اتفقتا على إعادة النظر في علاقة الدوحة بـ "حماس"

وفيما يتعلّق بقطر، قال عدد من المسؤولين الأميركيين لـ"سي بي أس نيوز" إنّ إطلاق سراح الأسيرتين الأميركيتين (أم وابنتها)، اللتين أطلقت حماس سراحهما، بسبب دواعٍ إنسانية، كان "دليلًا على المبدأ الذي أظهر أنّ قطر يمكنها التفاوض مع حماس، وأن الكيان المحايد للجنة الدولية للصليب الأحمر يمكنه تسهيل العملية، بمجرد التوصل إلى اتفاق".

ويوم الأربعاء، قال مصدر مطلع على المحادثات، التي تركّز على الأسرى لـ"سي بي أس نيوز" إنّ هناك "أملاً في تحقيق تقدم ديبلوماسي". وفي الوقت نفسه، نفى مسؤول أميركي للشبكة التكهنات بشأن الزخم الذي تتمتع به القضية، قائلاً إنّ الطريقة الوحيدة التي يُقاس عبرها التقدم هي تحقيق إطلاق سراح الأسرى.

أما في مصر، التي زارها مدير الـ"سي آي أيه" أيضاً، فكشفت مصادر محلية، في اليوم نفسه، اقتراب القاهرة إلى التوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة، لتبادل الأسرى، وفق ما نقلت قناة "القاهرة" الإخبارية. 

إلّا أنّ عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" غازي حمد، أكد للميادين أنّه "لا يستطيع القول إنّ هناك اقتراباً بشأن الاتفاق على هدنة"، فنتنياهو يدّعي العمل على إعادة الأسرى لدى حماس، لكنه في الوقت نفسه لا يوافق على أي أفكار في هذا الخصوص.

هدنة محتملة مدّتها 3 أيام.. والاحتلال مستمر في المماطلة

وفي غضون ذلك، أكّد مصدر خاص بالميادين أنّه يجري التفاوض حالياً على صيغة "هدنة إنسانية" في غزة مدتها 3 أيام، في مقابل استمرار الاحتلال في المماطلة. وتشمل الهدنة المقترحة إطلاق المقاومة سراح المحتجزين من النساء والأطفال ومزدوجي الجنسية، من غير العسكريين، على أن يطلق الاحتلال الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال.

وأوضح المصدر أنّ عدد الإسرائيليين، الذين سيتم إطلاق سراحهم، لم يُحدَّد بصورة نهائية بعدُ، إلا أنّه يُرجَّح، بحسب المقترح، إطلاق سراح أكثر من 12 أسيراً ممن أشار إليهم الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، سابقاً، والذين عرقل الاحتلال إعادتهم، وفق تأكيد المقاومة.

يأتي ذلك بعد أن قال مسؤولون أميركيون إنّهم يسعون لفترات قصيرة يتوقف خلالها إطلاق النار، في مناطق محددة، بهدف السماح بإيصال المساعدات أو الأنشطة الإنسانية الأخرى، ليُستأنف الهجوم الإسرائيلي بعد ذلك، بحسب وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية. ولم يتناول رئيس الحكومة الإسرائيلي هذه الفكرة علناً، بل استبعد مراراً وتكراراً وقف إطلاق النار.

لكنّ مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأميركية قال، الأسبوع الماضي، إنّ صنّاع القرار يعتقدون أنّ هناك حاجةً إلى "توقف طويل إلى حد ما في القتال"، كي يُتاح إطلاق سراح الأسرى، وفقاً للوكالة. ونظراً إلى العدد الكبير من الأسرى لدى حماس والجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة، فإنّ تنسيق إطلاق سراحهم سيتطلب أن يستمر أي توقف في القتال فترةً أطول من بضع ساعات فقط.

وفي غضون ذلك، نقلت قناة "كان" الإسرائيلية عن مصدر قوله إنّ الولايات المتحدة تضغط على الاحتلال "للموافقة على صفقة أسرى، حتى لو لم تكن إيجابية من ناحية الشروط لإسرائيل".

اقرأ أيضاً: "أكسيوس": بايدن أبلغ نتنياهو أن وقف القتال لـ3 أيام قد يساعد على إطلاق بعض الأسرى

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك