حزب الله يعتبر "سفينة الحياة" أرضاً لبنانية.. هل نحن أمام معادلات ردع جديدة؟

سفينة للمشتقات النفطية مقبلة من إيران، لكن وصولها إلى لبنان ستتجاوز أبعاده تحسين ظروف اللبنانيين، فكسر الحصار سيكرس معادلة ردع جديدة في البحر هذه المرة.

  • "سفينة الحياة" عنوان لقيادة نصر الله مواجهة المنظومة الأميركية في لبنان والمنطقةِ.. أي أبعاد سياسية وعسكرية وإعلامية للقرار؟

سفينة مشتقات نفطية قادمة من إيران تشق طريقها إلى لبنان، والحدث يتجاوز بكثير استلام الشحنة وأهميتها البالغة. وأما قطع الطريق، فمن قطع الأعناق. 

يدرك أعداء لبنان حاجته الملحة للطاقة، فهم يقفون وراء جزء كبير من أزمته، سواء بالحصار والعقوبات أم بالتعطيل ووضع العقبات أمام الحلول، بالوكالة والنيابة. ولم يعد وضع اللبنانيين يحتمل أو يطاق. 

عندما تتوقف مستشفيات في لبنان عن العمل لفقدان الكهرباء، وتتعرض حياة اللبنانيين للخطر، وعندما يموت عدد منهم على طوابير الانتظار أمام محطات الوقود، وعندما تعمل الأفران بالحد الأدنى من طاقتها، يصبح التدخل للمساعدة واجباً وطنياً، لا بل أخلاقياً لازماً.

فكيف إذا كانت الأزمات اللبنانية بجزء منها نتيجة حرب اقتصادية تقودها أميركا وهدفها إخضاع لبنان لإنهاء المقاومة، وربطه بدول التطبيع؟ وعد الأمين العام لحزب الله، وقد حان الوقت لاستقدام سفن، للبدء بسد النقص الحاد في المشتقات النفطية، وما يخلفه من آثار على مناحي الحياة في لبنان. 

أعلن الخطوة الجريئة السيد حسن نصر الله، برغم المتربصين والمترصدين والمتحاملين، فهي من شأنها إنقاذ لبنان من جهة، وتأكيد سيادته من جهة أخرى، بتثبيت حقه اقتصادياً. 

يتعلق الأمر إذاً بفرض معادلة لكسر الحصار، ما يعني مواجهة المنظومة الأميركية داخل لبنان وخارجه، بكل ثقلها السياسي والعسكري والدعائي. 

أهمية "سفينة الحياة" تكمن في اعتبارها كما قال السيد نصرالله "أرضاً لبنانية"، وفي ذلك رسالة  للأميركيين والإسرائيليين بأنها تدخل ضمن معادلات الردع المعلنة.

وعليه، فهي حرب أميركية تستهدف لقمة عيش اللبنانيين وصحتهم وغذاءهم ودواءهم وحياتهم، ولا مبالغة  في ذلك، فالذين قضوا خلال سعيهم لتأمين حاجاتهم المفقودة، معروفون بالصور والأسماء والعنوان.

ولأنها كذلك، تتحول "سفينة الحياة" من عنوان لنقل المحروقات، إلى عناوين لها أبعاد سياسية وعسكرية وإعلامية وتعبوية.

إنها المواجهة الحتمية لكسر الحصار الأميركي عن لبنان، وهي مواجهة يقودها السيد نصرالله ضد المنظومة الأميركية في لبنان والمنطقة.

أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن سفينة المحروقات الأولى التي ستنطلق من إيران إلى بيروت أنجزت كل أعمالها وستبحر خلال ساعات، وقال إن من فرض علينا اتخاذ هذا القرار هو من فرض علينا الحرب الاقتصادية.

السيد نصر الله توجه إلى الأميركيين والإسرائيليين محذراً من أن السفينة "تصبح أرضاً لبنانية منذ اللحظة التي تبحر فيها"، وكشف حقيقة  الأسباب التي فرضت اللجوء الى هذه الخطوة. 

كما شدد السيد نصر الله على أن إيران "لم تتخل يوماً عن حلفائها رغم الحصار والعقوبات عليها"، مشيراً إلى أن "يد الشهيد قاسم سليماني المقطوعة شاهدة على ذلك".

ولعل الرسالة وصلت بشكلها الأوضح، بألا مساومة على عزة اللبنانيين، مما دفع واشنطن، كما يبدو، إلى السعي لتجنب حرج كسر الحصار من جهة، والخشية من خطورة احتمالات التصعيد، من جهة أخرى، في حال اعتراض سبيل السفينة المبحرة على مرأى الأميركيين والإسرائيليين. 

وليس من قبيل الصدف طرح السفيرة الأميركية، بعد ساعات من الخطاب، إمكانية فتح خطوط إمداد أخرى بالطاقة، والقصد ربما هو قطع الطريق أمام سفينة إيران، دبلوماسياً بدل اعتماد واشنطن القرصنة والإرهاب. 

في ذلك خشية من تبعات خطوة الأمين العام لحزب الله، بما يعنيه من سقوط مشاريع الهيمنة وصول السفينة، محملة بمشتقاتها النفطية، وذاك قرار يبدو لا رجعة فيه.

الخبير في الشؤون السياسية سعيد عريقات، قال للميادين إنه "لا أعتقد أن تل أبيب وواشنطن تريدان أي مشكلة مع حزب الله"، مشيراً إلى أنه "إذا كانت واشنطن حريصة على لبنان لماذا لا تطلب من حلفائها تزويد لبنان بالطاقة؟".

من جهته، قال الكاتب في الشؤون السياسية روني ألفا للميادين، إن "اللبناني يقتل كل يوم على الطوابير وجاءت خطوة السيد اليوم لتعطيه أملاً".

وأضاف ألفا، أن "اعتبار السيد نصرالله السفينة أرضاً لبنانية ينطلق من حق قانوني للدفاع عنها"، منوهاً إلى أن "تصريح السفيرة الأميركية فيه خرق لقانون قيصر الذي وضعته بلادها، فهل ما زال قائماً؟".

اهتمام كبير كالعادة من قبل الجانب الإسرائيلي، وتحديداً في وسائل إعلامه، بالمعادلات الجديدة التي فرضها حزب الله، وأمينه العام السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة العاشر من محرم.

الباحث الإسرائيلي في مركز "أبا إيبان" والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط والأمن القومي داني سيترينوفيتز، قال إن "نصر لله وسع معادلة الردع المعروفة بين إسرائيل وحزب الله لتشمل أيضاً السفن التي ستصل إلى لبنان"، مضيفاً أن "أي نشاط إسرائيلي ضد السفن سيواجه برد قوي جداً من قبل حزب الله".

أما مراسل الشؤون العربية في قناة "كان" الإسرائيلية، روعي كايس، فقال إنه "إذا مست إسرائيل بناقلة الوقود من إيران والناقلات المقبلة، سيعتبر ذلك مساً بالسيادة اللبنانية وسيكون لدى حزب الله الحق بالرد على ذلك".

كايس اعتبر أنها ليست المرة الأولى التي يوسع فيها نصر الله المعادلة مقابل "إسرائيل" إلى خارج حدود لبنان، حيث أنه رد في السنوات الأخيرة على "مقتل عناصره خلال هجمات إسرائيلية في سوريا"، لافتاً إلى أن "القصة هي الدخول إلى المعركة البحرية".

بدورها "القناة 12" اعتبرت أن حديث السيد نصر الله عن مجيء سفينة النفط الإيرانية إلى لبنان، هو تغيير استراتيجي مهم جداً من قبله، مع تهديد مرمز لـ"إسرائيل".

وتعليقاً على ذلك قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أليف صباغ، للميادين إن "المستوى السياسي في إسرائيل مرتبك ويلتزم الصمت".

وأوضح صباغ أن "السيد نصر الله شرح الأسباب الإنسانية التي دفعت إلى استقدام السفينة إلى لبنان"، مشيراً إلى أنه "عندما تغيب الدولة لا بد أن تقوم جهة ما بالدفاع عن المواطن المسكين".

صباغ لفت إلى أن "السفينة تمثل لبنان، فإما أن تصل إلى بر الأمان، وإما أن تغرق في البحر ويغرق البلد"، منوهاً إلى أن "المقارنة بين تخلي أميركا عن عملائها وعدم تخلي إيران عن حلفائها هي في زمانها ومكانها".

وأضاف أن "تخلي أميركا عن عملائها درس يجب أن يتعلمه كل من يراهن على أميركا"، مؤكداً أنه "عندما قال السيد نصرالله السفينة أرضاً لبنانية يعني أن ضربها يستوجب الرد".

وقال صباغ إن "كل الرسائل التي أرادها السيد نصر الله أن تصل للمسؤول الإسرائيلي، وصلت"، مشدداً على أن "كلام السيد نصر الله وضع النقاط على الحروف بأن السفينة أرض لبنانية لمن يريد تجاهل ذلك".

وأشار إلى أن "السيد نصر الله أكد اليوم حق الشعب اللبناني بالحياة وبالكهرباء والمازوت كما مواجهة العدوان"، لافتاً إلى أنه "إذا سمح الإسرائيلي لنفسه تجييش العالم لسفينة يملكها إسرائيلي فمن حق لبنان الدفاع عن سفنه".

اخترنا لك