عام على الحرب في أوكرانيا.. كيف واجه الاقتصاد الروسي عقوبات الغرب؟

في الذكرى الأولى لانطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كيف تعاملت موسكو اقتصادياً مع الطوفان غير المسبوق من العقوبات الغربية؟

  • تقرير: روسيا
    عام على العملية الروسية في أوكرانيا.. هل انقلب سحر العقوبات على الساحر؟

حتى انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كانت إيران الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات في العالم، وفقاً لموقع Castellum.Ai، الذي يتابع العقوبات.

اليوم، مع دخول العملية عامها الأول تحتفظ روسيا الآن برقمٍ قياسيٍ من العقوبات إذ وصلت إلى 11.327 عقوبة، استهدفت غالبيتها بشكلٍ أساسي الاقتصاد الروسي لإلحاق الضرر فيه وبنشاطاته المالية.

وبخلاف المتوقّع لم يحدث الانهيار الاقتصادي لروسيا في "ثلاثة أسابيع" كما وعد وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لو مير، في نهاية شباط/فبراير 2022، فكيف واجه الاقتصاد الروسي سلاح العقوبات الغربية؟

أبرز العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا

أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤه مع بداية الحرب أنهم سيمنعون ما يزيد على نصف الواردات الروسية من السلع ذات التقنية العالية، التي تستخدم في الصناعات العسكرية. وقرر الحلف الأطلسي بقيادة واشنطن، فرض عقوبات متنوعة ما بين حظر الصادرات النفطية، وتكبيل القطاع المصرفي، ومنع شركات عالمية من التعامل مع السوق الروسية.

وفيما كانت كل حزمة عقوبات تأخذ نقاشات وجدالات بين الدول ولا سيما الأوروبية منها من أجل إقرارها، وذلك خوفاً على مصالحها،  فرض الغرب عقوباتٍ اقتصادية مباشرة على رجال الأعمال والسياسيين والنواب والدائرة المحيطة بالكرملين، مستهدفاً عدداً من الأشخاص البارزين في روسيا، على رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، الذي تم تجميد أصوله في الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، علاوة على حظر سفرهما إلى الولايات المتحدة.

وخفضت العقوبات واردات الدول الأوروبية من النفط الروسي بنسبة 90% بحلول نهاية العام 2022، وكذلك جمّدت أصول مملوكة للبنك المركزي الروسي، وجمّدت أصول بنوك روسية، واستبعدتها من النظام المالي. وطالت العقوبات منع المصارف من استخدام نظام التحويل البنكي "سويفت" بهدف حرمانها من التحويلات المالية الدولية.

واتخذت شركات "فيزا" و"ماستركارد" و"أميركان إكسبرس" الأميركية لإصدار بطاقات الائتمان إجراءات لمنع المصارف الروسية من استخدام شبكاتها، تطبيقاً للعقوبات، مع وضع حد أقصى للمبالغ التي يمكن للروس إيداعها في البنوك الدولية.

واستهدفت العقوبات 70% من الأسواق المالية الروسية والشركات الكبرى المملوكة للدولة، وسنّت الدول الغربية قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق الدولية، وتمّ تعليق تراخيص التصدير للسلع التي يمكن استخدامها في أغراض مدنية وعسكرية.

وأوقفت العقوبات تصدير السلع ذات التقنية العالية، ومنها معدات تكرير النفط، ومنعت الشركات والأفراد من إجراء أي تحويلات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية.

وأسس الغرب قوة تابعة للاتحاد الأوروبي تعمل عبر المحيط الأطلسي للبحث عن الأصول الروسية والعمل على تجميدها. ومنع بيع قطع غيار الطائرات للشركات الروسية، وكذلك منع بيع السلع ذات التقنية العالية لروسيا. إضافة إلى عقوبات على شركات الطيران الروسية، إذ أعلنت الدول الغربية، إغلاق مجالها الجوي، وحظر السفن الروسية، مع تعليق عمليات الشحن البحري من روسيا وإليها.

وفرض قيود على استخدام موسكو تكنولوجياتها في مجالات مختلفة بينها الشرائح الإلكترونية، التي تصنعها شركات نفيديا و"إنتل" و"كوالكوم"، وهي أكبر المزودين في هذا المضمار.

ومع بداية العملية، جمّدت ألمانيا منح تصاريح لخط "نورد ستريم 2" الروسي المخصص لتصدير الغاز إلى أوروبا، وأقر الاتحاد الأوروبي الحد من بيع الجنسية أو المواطنة باستخدام قانون "جواز السفر الذهبي"، الذي يسمح لرجال الأعمال الروس بالحصول على جنسية دول أوروبية.

ومنع قناتي "آر تي" و"سبوتنيك" الروسيتين الحكوميتين من البث على أراضي دول أوروبا، مهما كانت وسيلة البث، وقررت شبكة "فيسبوك" التابعة لـ"ميتا" وشبكة "يوتيوب" التابعة لـ"غوغل" حرمان القناتين من نشر محتويات روسية في أوروبا، وأعلنت شركة غوغل أنّ وسائل الإعلام الممولة من الدولة الروسية لن تكون قادرة بعد اليوم على استثمار أموال على منصاتها.

كما أنّ الفرق الرياضية لم تسلم من العقوبات إذ حرمت المنتخبات الوطنية الروسية من المشاركة في البطولات الأوروبية والدولية، إلى هنا نكون قد أوردنا 5 حزم من العقوبات الغربية ضد روسيا.

الحزمة السادسة فرضها الاتحاد الأوروبي في الـ 3 من حزيران/يونيو سنة 2022، ونصّت على التخلص التدريجي من استيراد النفط الروسي في خلال 6 أشهر والمنتجات النفطية خلال 8 أشهر، كذلك، نصّت على فصل نظام "سويفت" عن ثلاث مؤسسات ائتمانية روسية أخرى.

الحزمة السابعة استهدفت الذهب الروسي وفرضت في 21 تموز/يوليو من سنة 2022، وشكّلت حظر استيراد أو نقل الذهب، وأيضاً المجوهرات، من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

الحزمة الثامنة، من العقوبات فرضت في 6 تشرين الأول/أكتوبر من سنة 2022 جاءت رداً على انضمام مناطق جديدة إلى الأراضي الروسية وهي دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون في أوكرانيا، وتشمل إجراءات اقتصادية وقيوداً على أفراد في روسيا، كما تشمل قيوداً على المناطق المنضمّة حديثاً إلى الأراضي الروسية، وتضع أسس تحديد سقف سعر النفط الروسي، الذي يتم نقله عبر البحر لدول ثالثة، كما أنها شملت حظراً على تقلّد مواطني دول الاتحاد الأوروبي مناصب قيادية في بعض الشركات المملوكة للحكومة الروسية.

الحزمة التاسعة، فرضت في 19 كانون الأول/ديسمبر من سنة 2022 وطالت صناعة الطاقة الروسية من خلال حظر الاستثمار الجديد في قطاع التعدين الروسي، باستثناء الأنشطة المتعلقة بأنواع معينة من المواد الخام، ذات الأهمية الكبيرة.

أما الحزمة العاشرة والتي لم تقرّ حتى الآن، فتهدف إلى حظر تصدير الاتحاد الأوروبي للسلع الصناعية والتكنولوجيا الحيوية، إضافةً إلى فرض ضوابط على 47 مكوناً إلكترونياً جديداً تستخدم في أنظمة الأسلحة الروسية، بما في ذلك المسيّرات والصواريخ والمروحيات.

  • أبرز العقوبات الغربية المفروضة على روسيا
    أبرز العقوبات الغربية المفروضة على روسيا

إذاً، حزم العقوبات الأوروبية والأميركية التسع المفروضة على روسيا، شملت حظر أو تقييد وراردات النفط والغاز والفحم الحجري والمعادن ووضع سقفٍ لأسعار النفط الروسي، إضافةً إلى حظر استيراد التكنولوجيا، ووضع قيودٍ على الديون السيادية على روسيا، وفصل موسكو من نظام "سويف" للمعاملات المالية، إضافة إلى تجميد الأرصدة الروسية الحكومية ومصادرتها.

كيف واجهت روسيا العقوبات الاقتصادية الغربية؟

أظهرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حجم اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي؛ ووفقاً لوكالة Bne IntelliNews فإنّ 27 دولة في أوروبا تعتمد على الغاز من روسيا بنسبة 40% من احتياجاتها.

وظلّت روسيا في موقفٍ أكثر ثباتاً مما توقعه عديدون، بفضل صادراتها من النفط والغاز، حتى أوروبا التي وقفت ضد عملية موسكو استمرّت في شراء الطاقة الروسية، فزادت ثروة موسكو وسط الارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية خلال الربيع الماضي.

إنّ أولى الخطوات التي عملت عليها روسيا للردّ على العقوبات الغربية التي طالت قطاع الطاقة هي مواجهة هيمنة الدولار والانفكاك منه، وبالتالي البحث عن بدائل لا تتحكم فيها الولايات المتحدة الأميركية.

لذلك، قررت موسكو حصر التعامل بالروبل مقابل صادراتها النفطية، ومن الواضح أنّها بهذا القرار انتقلت إلى مرحلةِ الضغوط المضادة على البلدان الأوروبية تحديداً، لتخفيف تأثير العقوبات أولاً، ودعم العملة المحلية ثانياً.

اقرأ أيضاً: أوروبا والبديل من الغاز الروسي.. استمرار العوائق مع اقتراب الشتاء الأصعب

أما الخطوة الثانية التي لجأت إليها موسكو فكانت إدراج مزيدٍ من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي الروسي، ما أدى إلى استقطاب مزيدٍ من الاقتصادات عن طريق تقليل الاعتماد على الدولار، كما أنّ إدراج الروبل في البنوك المقابلة يمنح عملتها الصفة الدولية، وهذا الأمر يُسهّل المعاملات التجارية الثنائية باستخدام العملات المحلية بدلاً من الاعتماد على الدولار.

وتُشير تقديراتُ المحللين إلى أنّ واردات روسيا ربما تكون قد تعافت أو ستتعافى قريباً، بالمقارنة مع المستويات التي كانت عليها قبل العقوبات الأوروبية، بحسب "نيويورك تايمز" الأميركية.

ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ العديد من الدول وجدت صعوبةً في الخروج من روسيا، إذ أظهرت بحوث حديثة أنّ أقل من 9% من الشركات الموجودة في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في مجموعة السبع، سحبت استثماراتها من أحد فروعها في روسيا، وفقاً للصحيفة الأميركية.

وتتضمن العقوبات الغربية فرض سقفٍ لأسعار النفط الروسي، إذ حدّد الاتحاد الأوروبي سعر برميل النفط من الديزل بـ100 دولار، و45 دولاراً للمنتجات التي تُباع بخصمٍ مثل زيت الوقود، في خطوةٍ وصفتها روسيا بأنّها ستزيد من انعدام توازن أسواق الطاقة وسترفع الأسعار.

من جانبه، قال بول سانكي رئيس وكبير المحللين لدى "Sankey Research" في تصريحاتٍ لـ"CNBC" الأميركية: "سقف الأسعار اختُرع من قبل بيروقراطيين، ولا يوجد أحد منهم يفهم أسواق النفط لذلك باء بالفشل تماماً".

ويُرجع المحلل اضطراب أسواق النفط إلى العقوبات ضد روسيا، معقباً بأنّ إمدادات النفط الروسي لم تنقطع بل واصلت موسكو الصادرات بمستوياتٍ مرتفعة.

واجهت روسيا تسقيف أسعار النفط الروسي من خلال تهديدها بأنّها ستتوقّف، بكل بساطة، عن تسليم النفط أو المنتوجات النفطية إلى الشركات أو الدول التي تفرض مثل هذه القيود، وحذّرت من أنّ هذه الخطوة "العبثية" ستتسبب بزعزعة استقرار السوق، و"سيكون المستهلكون الأوروبيون والأميركيون أولَ من يدفع ثمنها".

كما أنها قررت خفض إنتاجها النفطي طواعية بمقدار 500 ألف برميل يومياً أو نحو 5% في آذار/مارس 2023، وذلك بعد أن طبّق الغرب سقفاً لأسعار النفط الروسي. 

وانفتحت روسيا على أسواق جديدة لبيع نفطها بعد تسقيف السعر، وأظهرت دراسات جديدة أنّ ثلثي النفط الخام المنقول عبر ناقلات في الموانئ الروسية يتجه الآن إلى آسيا. هذا يُقارن بأقل من 50% في الأسابيع السابقة لإطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وتُشكّل الصين والهند العمود الفقري للصادرات النفطية الروسية، بينما تتجه أحجام ضئيلة من الشحنات إلى أماكن مثل سريلانكا والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وغيرها.

اقرأ أيضاً: "تسقيف" أسعار الغاز الروسي.. كيف سينقلب على "القارة العجوز"؟

كما لاحظت شركات تتبع الشحن البحري زيادة في نشاط أساطيل الشحن التي يُحتمل أنّها تُساعد روسيا على نقل صادراتها من الطاقة، لتجنّب القيود الغربية على هذه المبيعات.

كيف أفشلت روسيا "السلاح النووي المالي"؟

العقوبات الغربية ضد روسيا استهدفت بعد قطاع الطاقة، القطاع المصرفي الروسي، إذ فرض الاتحاد الأوروبي، عقوباتٍ تستهدف 70% من القطاع المصرفي الروسي.

واستبعدت العقوبات روسيا من منظومة سويفت (SWIFT) للتعاملات المالية العالمية، أملاً بتركيع الدب الروسي عبر هذه الخطوة وارتفعت نبرة تضخيم هذه العقوبة مرّة في أبرز وسائل الإعلام الغربي وهو ما أسمته "السلاح النووي المالي"، وأشادت به الأطراف المنحازة للمعسكر الأميركي، ولكن في حقيقة الأمر كان التأثير ضئيلاً أو غير مُجدٍ، ولهذا أكثر من سبب.

والسبب الأول والأكثر أهمية، والذي قد يسبب خلطاً كبيراً في استيعاب هذه العقوبة المعنوية أكثر منها العملية هو أنّ نظام "سويف" بالأساس ليس نظام تحويل مالي مباشر،  بل هو في الأساس نظام مراسلة بين مصرف وآخر لتأكيد تحويل المبالغ، ولكن تكمن أهميته في موثوقية المصارف واعتماديتها عليه في تأكيد بيانات التحويل، فالأمر يُشبه استخدام تطبيق مراسلة فوري مُشفّر مثل تطبيق "سيغنال" على سبيل المثال، والذي تتوفر له العديد من البدائل، حتى إن لم تكن بالشهرة ودرجة الاعتمادية نفسها.

لذلك، لجأت موسكو إلى طرقٍ أخرى للتبادل التجاري وإلى بدائل متعددة وقنوات آمنة كما فعلت إيران سابقاً؛ إذ استعدت روسيا منذ استعادة القرم سنة 2014 لمثل هذه النوعية من العقوبات، واعتمدت على نظامٍ خاص بها، وهو نظام (SPFS) المُشابه، والذي لم يستطع حتى الآن أن ينافس "سويفت"، ولكن معدّل نموه سجّل ارتفاعاً ملحوظاً بين مصارف ومنظمات مالية سنة 2022، وهو ما يُعد مؤشراً لنمو هذا النظام البديل الذي يرغب في الابتعاد عن الاحتكار الغربي الأميركي لعمليات تحويل الأموال والتجارة الدولية.

ونجد أنّ سبب نجاة روسيا من هذه العقوبة ليس استخدام النظام البديل لسويفت فقط، بل السبب هو اعتمادها على القنوات غير الرسمية وغير المباشرة في نقل الأموال خلال العمليات التجارية الدولية، إمّا عبر النقل خلال بنوك وسيطة، أو من خلال مساعدات الأغنياء الروس الذين لهم نفوذ كبير داخل الحكومة الروسية.

ونظراً لكون هذه النخبة غير خاضعة للمراقبة أو الرصد الدولي بشكلٍ كبير بخلاف الحكومة، هو ما يجعل لها يد طولى خفية وحرّة تدعم موسكو بشكلٍ كبير ومؤثر يُصعِّب مهمة دول الغرب وأميركا في محاولات إخضاع روسيا، فالأمر هنا أشبه بالتعامل مع حكومة روسية موازية ذات نفوذ غير رسمي.

وخلال العام الماضي، أدّت مسألة المرونة في الاقتصاد الروسي دوراً حاسماً في بقاء واستمرار الشركات التي باتت اليوم تحتاج إلى تحمّل ما يُسميه البنك المركزي "التحول الهيكلي" إلى اقتصاد محاصر بالعقوبات، والتحول الهيكلي عملية يتمّ من خلالها نقل الموارد على نطاقٍ واسع من بعض القطاعات إلى قطاعاتٍ أخرى في النظام الواحد.

وقال بنك روسيا إن غالبية الشركات، إما عززت استثماراتها أو أبقت عليها من دون تغيير في سنة 2022، وهذا الأمر يساعد في تفسير سبب انكماش الإنتاج بنسبة 2% فقط، وهو أقل بكثير من الانهيار الاقتصادي الذي كان متوقعاً بعد العملية الروسية أواخر شباط/فبراير الماضي.

وفي الوقت الذي حاولت فيه روسيا التعامل مع نقص الإيرادات الناجم عن العقوبات المفروضة عليها، ظهرت في البلاد شركاتٌ خاصة جديدة، حظي العديد منها بدعمٍ عبر قروض أو إعانات حكومية.

العقوبات الغربية رصاصة في "الاتجاه المعاكس"

ما زالت أوروبا تعتمد على النفط والغاز الروسيين، وخصوصاً أنّ البدائل الأخرى لا تزال بعيدة المنال وأكثر تكلفة. وقد أدّى نُضوب الغاز في أوروبا، من جرّاء العقوبات الغربية إلى زيادةٍ أكبر في تعرفة الطاقة لملايين الأُسر، كما أدّى قطع موسكو عن أنظمة الدفع الدولية إلى تعقيد مدفوعات أوروبا في مقابل وارداتها من الغاز.

ويرى محللون أنّ معاقبة خصم في الجهة الأخرى من العالم أسهل دائماً من مُعاقبة جار، مشيرين إلى أنّ ما يمكن أن تخسره أوروبا عبر فرض عقوبات على روسيا أكبر من خسارة حليفها الأميركي ككل.

وأدّت حرب العقوبات على روسيا إلى ارتفاعٍ غير مسبوق في الأسعار الأوروبية. ففي عامٍ واحد، قفزت أسعار المواد الهيدروكربونية (النفط الخام) إلى أكثر من 75%، وأكثر من 200% للغاز في المتوسط.

وكذلك، كلّفت أزمة الطاقة القارة العجوز ما يقرب من 768 مليار يورو، وفقاً لآخر الحسابات التي أجراها معهد Bruegel. وجاء جزء كبير من هذه التكاليف الإضافية لتغذية الأرباح الفائقة لمجموعات النفط والطاقة.

وقفز التضخم، الذي كان قد اختفى تقريباً لمدّة 3 عقود، وعاد إلى الظهور في نهاية وباء كورونا بسبب الاختناقات. في المتوسط، ارتفع إلى أكثر من 10%، في منطقة اليورو ولكن مع ذروة 23% في ليتوانيا و15% في هولندا، بتأثّرٍ طال جميع القطاعات.

موقع "ميديابارت" الاستقصائي الفرنسي، يُوضّح أنّ الضرر الاقتصادي كبير في أوروبا فللمرة الأولى في تاريخها سجّلت منطقة اليورو عجزاً تجارياً قدره 11.7 مليار يورو للأشهر الأحد عشر الأولى من العام، وفقاً لبيانات يوروستات.

وتشهد ألمانيا، المحرّك الاقتصادي لأوروبا، اهتزاز نموذجها الاقتصادي المبني على الطاقة الرخيصة من روسيا والمصدرة من جميع أنحاء العالم.

وعن التضخم، قالت هيئة الإحصاء الأوروبية "يوروستات" فى تقريرٍ لها، قبل أسابيع، عن بيانات التضخم في الاتحاد الأوروبي، إنّ تضخم أسعار المواد الغذائية لا يزال عند 18%، وذلك بعد موجة من الارتفاع والانخفاض البطيء.

وتبيّن "يوروستات" أنّه في آب/أغسطس 2022، كان سعر الخبز في الاتحاد الأوروبي أعلى بنسبة 18% في المتوسط مما كان عليه في آب/أغسطس 2021. وهذه زيادة كبيرة مقارنة بشهر آب/أغسطس 2021، عندما كان سعر الخبز في المتوسط أعلى بنسبة 3% مما كان عليه في آب/أغسطس 2020.

وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤخراً مؤسسة "يوغوف" في كل من فرنسا وألمانيا وبولندا وبريطانيا أنّ استمرار ارتفاع معدّلات التضخم وزيادة أسعار الطاقة والغذاء ستؤدي إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية في الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يوضح بجلاء أنّ أوروبا على موعد مع أشهر مقبلة ساخنة ربما تهدّد استقرارها السياسي.

ورغم أنّ بعض الشركات العالمية أوقفت عملياتها في روسيا بعد العملية في أوكرانيا، لكن الاقتصاد الروسي أظهر مرونةً مُفاجئة، أثارت تساؤلاتٍ بشأن فعالية العقوبات الغربية عليها.

اقرأ أيضاً: وول ستريت جورنال: حرب أوكرانيا ستتسبب في خسائر اقتصادية حادة في أوروبا الشرقية

وفقاً لصحيفة "غلوبال تايمز"، فإنّ التكتيك الأميركي يقضي بوضع الدول الأوروبية في الخطوط الأمامية لاستفزاز روسيا، بينما تختبئ واشنطن وراءها وتحقق المكاسب، في وقتٍ تفرض بروكسل وموسكو إجراءات عقابية متبادلة.

هذا التكتيك يمكنه أن يصيب الاتحاد الأوروبي في مقتل ولا سيما أنّ الدول الأوروبية واجهت صعوبةً في تخفيض اعتمادها على روسيا للحصول على الطاقة وغيرها من السلع الأساسية، كما تمكّن البنك المركزي الروسي من دعم قيمة الروبل والحفاظ على استقرار الأسواق المالية. 

لقد وعت روسيا درس العقوبات جيداً، لكن الواضح أنّ الدول الأوروبية هي التي لم تفهمه، ويبدو أنّ الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة وأوروبا من العقوبات سيكون أكبر مما ستدفعه موسكو، ومن المعطيات الحالية يبدو أنّ الخاسر الأكبر لن يكون روسيا على المدى القريب.

اخترنا لك