كيف أفشل حزب الله خديعة الغزو البري لجنوب لبنان؟

نجح حزب الله أمس، بفطنة وذكاء، في إفشال خديعة عسكرية سياسية إعلامية مركّبة، لاستدراجه فوق السطح وكشف مواقعه، عبر بروباغندا إعلامية بأنّ "جيش" الاحتلال بدأ غزواً برياً في الجنوب.

  • لم تنجرّ المقاومة للكمين، وهي بدلاً من ذلك، تركت الكلام للميدان
    لم تنجرّ المقاومة للكمين، وهي بدلاً من ذلك، تركت الكلام للميدان

في خطةٍ مدروسة في الكواليس العسكرية والسياسية والإعلامية، عمل الإعلام الإسرائيلي والغربي، وبعض الإعلام العربي، طوال نهار أمس، وحتى الليل، على نقل تسريبات ومعلومات عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، بأنّ "الغزو البري" لجنوب لبنان بات وشيكاً، وقد يحدث في غضون ساعات. 

وتزامن ذلك مع الحديث عن استعدادات قام بها "جيش" الاحتلال بالفعل من أجل البدء بالغزو، بحيث نقلت قناة "إن بي سي" الأميركية عن مسؤول أميركي، أنّ "إسرائيل بدأت بالفعل عمليات استطلاع ونشر مهندسين لتنفيذ مهام مثل اختراق الحواجز".  

كما تناقلت الوسائل الإعلامية أنباءً عن "انسحاب الجيش اللبناني من بعض النقاط على الحدود، وسط التوغل البري الإسرائيلي فجراً"، تمهيداً لهذا التوغّل. 

وهكذا، تحوّلت هذه الأنباء الواردة إلى واقع، وباتت الأنظار، داخلياً وعالمياً، كلّها ترتقب "الغزو" الإسرائيلي لجنوب لبنان، في حين لم يطُل الأمر حتى انكشف أنّ ما جرى هو جزءٌ من كمين إسرائيلي، شاركت فيه الوسائل الإعلامية، سواء عن علم وإدراك، أو عن خفّة ولا مسؤولية، من أجل استدراج المقاومة وإيقاعها في كمين الظهور فوق السطح والأرض، وبالتالي انكشاف أمر المقاومين لأعين "جيش" الاحتلال، ومن ثم كشف مواقعهم، تمهيداً للإجهاز عليهم، أو إعداد خطة لاحقة في هذا الإطار.

"مترو أنفاق غزة الفاشلة"

هذه الخطة، كان الاحتلال الإسرائيلي قد استخدمها سابقاً في معركة "سيف القدس" في قطاع غزة عام 2021، وفشل فيها أيضاً، بعدما كان يحاول تدمير "مترو أنفاق" المقاومة الفلسطينية في القطاع وإيقاع مئات الشهداء خلال هذه العملية، عبر الإيهام والخداع ببدء عملية برية لقوات الاحتلال داخل القطاع تؤدي إلى تموضع مقاتلي المقاومة في الأنفاق، ومن ثم استهدافهم داخلها، إلا أنَّ نباهة المقاومة استخبارياً وتحليلياً وميدانياً أفشلت هذه الخطة بالتعاون الأمني والاستخباري مع محور المقاومة، وخصوصاً حزب الله. 

وعليه، فإنّ حزب الله يعرف عدوّه جيداً، ويقرأ ما بين السطور، وهو مدرك وخبير بأمور الميدان، ولديه معطياته الاستخباراتية والعملياتية، بحيث تعامل مع الخديعة العسكرية السياسية الإعلامية المركّبة في جنوب لبنان، بفطنة وذكاء وضبط نفس، محبطاً هذا الاستدراج الخفي، على الرغم من إعلان "الجيش" أنّه بدأ بالغزو، وعلى الرغم من كل الضغوط والحرب النفسية التي مورست على المقاومة وقيادتها وبيئتها. 

كيف تعاملت المقاومة مع هذا الكمين؟ 

لم تنجرّ المقاومة للكمين، وهي بدلاً من ذلك، تركت الكلام للميدان، بحيث لم تصدر أي تصريحات في هذا الخصوص سوى البيانات العسكرية. فوسط كل الأنباء عن توغل برّي واشتباكات عنيفة تدور بين المقاومين وقوات الاحتلال، التي نفاها مراسل الميادين في الجنوب، كان حزب الله يستهدف التجمعات والتحشيدات والتحركات العسكرية الإسرائيلية في الحافة الأمامية من الحدود، محققاً إصابات مباشرة. 

فقد أعلن حزب الله في ساعات الليل المتأخرة، استهدافه تحركات لجنود العدو الإسرائيلي في البساتين المقابلة لبلدتي ‏ العديسة و كفركلا بالأسلحة ‏المناسبة، كما استهدف تجمعاً لجنود الاحتلال في مستعمرة "يفتاح" بالأسلحة الصاروخية وأصابه إصابة مباشرة، وأيضاً تجمعاً آخراً للجنود في مربض "الزاعورة" بصلية صاروخية، وأيضاً استهدف قوة لجنود الاحتلال ‏عند بوابة مستوطنة "شتولا" بالقذائف المدفعية.

وفي خضمّ ذلك، عاد الإعلام الإسرائيلي لينفي تنفيذ توغل بري في الجنوب، حيث قالت "القناة الـ 12" الإسرائيلية إنّه "خلافاً للتقارير، لا يوجد حالياً أي دخول بري للجيش الإسرائيلي إلى لبنان"، فيما أكّدت اليونيفيل أنّه "لا يوجد توغل بري إسرائيلي الآن في الجنوب"، وأنّها لم "تتلقّ معلومات عن ذلك، لكنها قلقة من احتمال حدوثه". 

ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول إسرائيلي أنّ "عملية القوات الإسرائيلية البرية ليلاً في جنوب لبنان لا ترقى لمستوى الغزو أو التوغل"، مشيراً إلى أنّه "لم يحدث حتى الآن أي اشتباكات على الأرض بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله". 

كما أصدر الجبش اللبناني بياناً أكّد فيه أنّ ما نشرته بعض وسائل الإعلام بشأن انسحاب الجيش من مراكزه الحدودية الجنوبية عدة كيلومترات "غير دقيق". 

وأوضح الجيش اللبناني أنّ وحداته العسكرية المنتشرة في الجنوب "تنفذ إعادة تموضع لبعض نقاط المراقبة الأمامية ضمن قطاعات المسؤولية المحددة لها"، مشيراً إلى أنّ القيادة "تواصل التعاون والتنسيق مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان". 

المقاومة مستعدة لكل الخيارات

فشل الاحتلال في استدراج مقاومي حزب الله ليل أمس، لا يعني أنّه لن يقدم على مثل هذه الخطوة، خصوصاً مع نقل الثقل العسكري الإسرائيلي من الجنوب والشمال، ومع الإجماع العسكري والسياسي الداخلي على "ضرورة الاجتياح البري من أجل تدمير قدرات المقاومة التي لا يمكن تدميرها عبر سلاح الجو، ومن أجل القيام بمنطقة عازلة في الجنوب"، من خلال احتلال الأراضي اللبنانية. 

لكنّ المقاومة في لبنان جاهزة لكلّ الخيارات، وهي أعدّت العدّة لمعركة طويلة ومواجهة أي احتمال في حال دخل الاحتلال برياً، بحسب ما أكّد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي شدّد على "جهوزية المقاومين للالتحام مع العدو"، مع إشارته إلى أنّ "ما يقوم به الحزب هو الحد الأدنى كجزء من خطة متابعة المعركة، وبحسب التقديرات والخطط المرسومة وما يتطلبه الميدان".

وذلك يعني أنّ المقاومة لا تزال تخبئ في جعبتها الكثير من المفاجآت للاحتلال بحسب ما تقتضيه المعركة ميدانياً، لن يكون آخره ما حدث صباح اليوم من قصف لـ "تل أبيب" بصواروخ "فادي 4" الذي يُدخل أوّل مرّة إلى المعركة، على الرغم من كل الاعتداءات الجوية الإسرائيلي وتوسيعها، وزعم الاحتلال بأنّه "قضى على أكثر قدرات حزب الله الصاروخية البعيدة والقصيرة المدى".  

وكان الأمين العام لحزب الله، السيد الشهيد حسن نصر الله، قد هدّد "جيش" الاحتلال، بخصوص احتمال الغزو البري الإسرائيلي، قائلاً: "إذا جاءت دباباتكم إلى لبنان وجنوب لبنان، فلن تعانوا من نقص في الدبابات، لأنّه لن تبقى لديكم دبابات".

اقرأ أيضاً: تهديد لبنان بالاجتياح البري: ما له وما عليه

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك