والد الشهيد محمد الدرّة للميادين نت: "تحوّل ابني إلى رمز للانتفاضة"

والد الشهيد محمد الدرة، جمال الدرّة، يستذكر، خلال لقاء خاص بالميادين نت، على هامش مشاركته في الملتقى الدولي لسفراء العودة إلى فلسطين، الحديث الأخير الذي دار بينه وبين ولده الشهيد، ويؤكد أن الانتفاضة مستمرة حتى التحرير.

  • جمال الدرة للميادين نت:
    جمال الدرة، والد الشهيد محمد الدرة

كان 30 أيلول/سبتمبر من عام 2000 فارقاً في مسيرة الفلسطينيين، وتحديداً عائلة الدرة. كانت انتفاضة الأقصى الثانية في بدايتها بعد اقتحام أرييل شارون، رئيس وزراء الاحتلال الأسبق، مع جنود الاحتلال، للمسجد الأقصى، وهو الأمر الذي كان الشرارة التي أدّت إلى اندلاع المواجهات.

يوم استشهاد محمد الدرّة، كان الأب جمال الدرة وابنه الشهيد في طريقهما لشراء سيارة جديدة. وخلال عودتهما، في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة، طوّقتهما قوات الاحتلال وأزيز الرصاص من كل اتجاه، ليحتميا ببرميل إسمنتي علّه يقيهما من وحشية الاحتلال.

مقطع فيديو وثّق عملية إطلاق النار المتعمّدة في اتجاه الطفل وأبيه، والتي انتهت بارتقاء محمد شهيداً، وإصابة والده بجروح خطيرة، بقي أثرها إلى الوقت الحالي في جسده. وهذا القتل المتعمَّد جعل الطفل محمد الدرة الشهيد، أحد أهم رموز الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي استمرت حتى بداية عام 2005، واستُشهد خلالها أكثر من 4000 فلسطيني، وأُصيب نحو 50 ألفاً من الفلسطينيين.

الدرة للميادين نت: تنتابني هواجس أن أفتح القبر وأودعه

"لا تخَف أنت قوي"؛ كانت هذه كلمات الطفل الصغير لوالده، يثبّته ويُطَمئنه، ويبثّ فيه القوة. هذا ما استذكره والد الشهيد، في لقاء خاص بالميادين نت، على هامش مشاركته في الملتقى الدولي لسفراء العودة إلى فلسطين، قائلاً: "أعرف قدرات ابني، كانت لديه قوة تحمُّل لا تُقاس بها الجبال، لكنها لم تساعده على تحمل الطلقات. لقد استُشهد، وجسمه امتلأ بالرصاص".

وأضاف الوالد أن محمد الدرة ليس ابن عائلة الدرة فحسب، بل إنه أيضاً ابن القضية الفلسطينية، وابن الشعب الفلسطيني، وابن الأمتين العربية والإسلامية، وابن أحرار العالم، مشدداً على أنه أيقونة الانتفاضة التي تم تصويرها عبر بثّ مباشر، وهناك المئات مثل محمد الدرة، استُشهدوا في أرض فلسطين.

ووصف الوالد مشهد الاستشهاد بالمؤلم والقاسي، قائلاً: "أنا حتى هذه اللحظة أعاني بسبب الإصابات وأتألم منها، ولم أُكمل علاجي لهذا اليوم، علماً بأنّي "أعيش على المسكّنات"".

وقال جمال الدرة إن "إطلاق الرصاص كان أقوى من زخات المطر، خلال 45 دقيقة من دون أي توقف. كان الاحتلال يريد أن يتخلص مني ومن محمد، بأي طريقة"، مضيفاً أن "الغبار الأبيض الذي خرج وقتها من الأرض بكثافة، كان عبارة عن قذيفة لم تصبنا، بل أصابت حافة الرصيف".

وتابع: "عندما أطلقوا الرصاص علي، سألني محمد لماذا يطلق علينا هؤلاء الكلاب؟ وكرّر السؤال ثلاث مرات، لكنني لم أتمكن من الرد على ابني، وكان همي أن أحميه من وابل الرصاص".

وشرح والد الشهيد كيف كان يتلقى الرصاص بيده وبكل أنحاء جسمه، وبعد ذلك صرخ ابنه محمد بعد أن أُصيب بالرصاصة الأولى في ركبته اليمنى، قائلاً: "أصابوني الكلاب"، ليرد الوالد: "لا تخَف با بني، فهناك سيارة إسعاف، ستأخذنا من هذا المكان"، فقال محمد: "أنا لا أخاف يا أبي، وأنت قوي، تحمَّلْ".

وتابع الوالد: "بعد ذلك نظرت إلى ابني، إلى جانبي الأيمن، فشاهدت جسده ملقى على الأرض، وفي ظهره فتحة كبيرة تنزف، فأدركت أنه استُشهد، فهززت رأسي يساراً ويميناً، ولم يبق معي شيء أدافع عنه".

ورداً على سؤال بشأن تحوّل محمد الدرة إلى رمز فلسطيني في العالم، قال جمال الدرة إن محمد هو "ابن الشعب الفلسطيني وابن القضية الفلسطينية، وليس ابنه فحسب".

وقال جمال إنّ الله أراد أن يُظهر للعالم مدى نازية هذا الاحتلال. وأضاف أن ابنه كان يمده بالقوة، في أصعب فترة في حياته، بكلمات لن ينساها.

أمّا التأثير الأكبر بعد استشهاد محمد، وفقاً للأب، فهو عدم تمكنه من توديع ابنه بسبب إصاباته البليغة حينها، قائلاً: "إلى هذا الوقت أنا أتألم، وبعض الأحيان، تنتابني هواجس بأن أقوم بفتح القبر، وأشاهده، وأودعه".

وتابع: "بعد استشهاد محمد، دعوت الله أن يرزقني بابن، لأسميه محمداً، ويظل ذِكر محمد حياً وشهيداً باقياً، رغماً عن أنف الاحتلال"، لافتاً إلى أن ابنه الذي أكرمه الله به، وسمّاه محمداً، يشبه بصورة كبيرة أخاه الشهيد، في صفاته الشخصية وملامحه، على نحو يُبقي وجود الاثنين فى أذهان كل من حولهما.

وفيما يخص مضايقات الاحتلال للعائلة، أكد والد الشهيد أن العائلة واجهت مضايقات كثيرة، عندما كان هذا الاحتلال موجوداً في غزة، وكان يتحكم في المعبر بين غزة ومصر، مضيفاً: "كنا نعاني خلال السفر والرجوع، ونخضع لدورات تحقيق تمتدّ ساعات".

وقال إنه خلال حرب 2008-2009، دُمر بيته بالكامل، وفي عام 2014 تم ضرب البيت أيضاً بالقذائف والدبابات.

انتفاضة الشعب الفلسطيني مستمرة

وقال والد الشهيد محمد الدرة إن إنتفاضة الشعب الفلسطيني لم تتوقف خلال فترة 75 عاماً ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي مستمرة حتى مرحلة التحرير.

وأضاف الدرة أن الاحتلال يعتقد أنه عندما "يموت الكبار ينسى الصغار"، معقباً: "صغار فلسطين اليوم، وأطفالها هم من يدافعون ويضحون من أجل فلسطين وقضيتها".

وفيما يخص تصاعد عمليات المقاومة في وجه الاحتلال، قال الدرة إن المقاومة "ليست في الضفة الغربية فقط، بل في كل الأراضي الفلسطينية"، مضيفاً أن هناك مقاومة عارمة في كل الأراضي الفلسطنية؛ في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة".

وأشار إلى أن "هناك مقاومة مشتعلة تحت أقدام الصهاينة، وكل العالم شاهد صواريخ الفصائل الفلسطينية وهي تدك العمق الإسرائيلي"، مؤكداً أن هناك حالة من الرعب يعيشها الاحتلال، بسبب المقاومة وصواريخها من جهة، وبسبب الانتفاضة في الأراضي المحتلة من جهة أخرى".

وختم جمال الدرة مقابلته مع الميادين نت بالقول إنه "عبر تاريخ احتلال فلسطين، لم يمر على هذا الاحتلال ما مر عليه في الأعوام الأخيرة الماضية"، مضيفاً "أن أبناء الشعب الفلسطيني أنزلوه إلى تحت الأرض، والكل شاهد ذلك".

اقرأ أيضاً: حفيظ درّاجي للميادين نت: تحرير فلسطين هو وعد الله وسيتحقق غداً أو بعد غد

اخترنا لك