لبنان: أبعد من تأليف حكومة.. أزمة نظام

في الحديث عن خلفيات أزمة تأليف الحكومة، يقول مراقبون إن لبنان الذي لم يعرف الاستقرار السياسي منذ تأسيسه، كان دائماً بحاجة إلى تطوير نظامه بما يتناسب مع موازين القوى الداخلية وامتدادتها الخارجية.

  • لبنان: أبعد من تأليف حكومة.. أزمة نظام
    لبنان: أبعد من تأليف حكومة.. أزمة نظام

تدخل حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب شهرها السابع من دون أن يتمكن الرئيس المكلف سعد الحريري تأليف حكومته المنتظرة الثالثة في عهد الرئيس ميشال عون، على الرغم من تدهور الأوضاع في لبنان.

يشي ذلك بعمق الأزمة في البلاد، مع تمترس كل طرف خلف شروطه، ما يجهض كل الوساطات لتقريب وجهات النظر بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.

فظاهر الأزمة يكمن في إصرار الرئيس ميشال عون على تسمية وزيري الداخلية والعدل، مع رفض الحريري ذلك، وإصراره على تسمية معظم الوزراء المسيحيين في الحكومة العتيدة.

مؤتمر تأسيسي: خيار لا مفر منه

عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن لبنان بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، لم تصدر مواقف داخلية رافضة لطرح باريس، علماً أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان دعا في صيف العام 2012 إلى مؤتمر تأسيسي لإيجاد حل لأزمات النظام السياسي اللبناني.

بيد أن طرح نصر الله لم يُؤخذ على محمل الجد، وعندها طوي الحديث عن المؤتمر. إلا انه وبعد تسع سنوات، خرج باسيل عن صمته، وطالب صراحة بعقد جديد بعد الاتفاق على الخطوط العريضة في حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية. لكن لماذا هذه الدعوة وفي توقيت دقيق في البلاد؟

المراقبون هنا في بيروت يعتقدون أن لبنان الذي لم يعرف الاستقرار السياسي منذ تأسيسه، كان دائماً بحاجة إلى تطوير نظامه بما يتناسب مع موازين القوى الداخلية وامتدادتها الخارجية، وربما كان اتفاق الطائف للعام 1990؛ التعديل الأبرز في تاريخ الجمهورية اللبنانية، ولكن تبين لاحقاً أن الرئيس الراحل رفيق الحريري كان من أكبر عرّابيه، وعمل مع مجموعة من السياسيين على التمهيد لأكبر تعديل دستوري في البلاد، حيث نقل صلاحيات رئيس الجمهورية التنقيذية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.

إلا أن شخصية الحريري كانت الأقوى في نظام "الطائف"، وحصر الصلاحيات بشخصه كانت لاعتبارات كثيرة.

بيد أن مرور الزمن، وبعد ثلاثة عقود على اتفاق الطائف، تبيّن أن النظام بحاجة لتطوير، وبدا ذلك من خلال قوانين الانتخابات، وتأليف الحكومات، والصراعات المتكررة لأسباب تتعلق ببنية النظام وليس بشكليات تطبيق الطائف.

الانقسام اللبناني الداخلي

الصراع السياسي انفجر مع بداية ما سمي بالربيع العربي، وانقسام اللبنانيين بين محورين، الأول محور المقاومة ومن ضمنه سوريا وإيران، والثاني بما عرف بمعسكر الاعتدال العربي، أو بالأصح المحور المعادي للمقاومة.

هذا الانقسام ليس تفصيلاً داخلياً، ولا يزال الأمر على ما هو عليه، على الرغم من التعامل السلس بين الأطراف الداخلية، والذي جنّب البلاد الفتنة خلال سنوات الأزمة السورية والحرب التي شنتها دول عربية وغربية على دمشق مدعومة من تركيا، الحاضن الأول للجماعات التكفيرية.

تجاوز لبنان ذلك من خلال حوار ثنائي ضم تيار المستقبل برئاسة الحريري وحزب الله برعاية رئيس البرلمان نبيه بري. إلا أن اندلاع الاحتجاجات في البلاد عقب ما عرف بـ"ثورة 17 تشرين الأول/ أوكتوبر"، أعاد الاصطفافات مع تدخل أميركي واضح في دعم ما يعرف في بيروت بمنظمات المجتمع المدني، والتي كشفت عن جوهر مطالبها بعد فترة من التلاعب بمشاعر شريحة من اللبنانيين تحت عنواين مطلبية محقة.

وراحت تطالب جهاراً نهاراً بنزع سلاح المقاومة، إلى حد أطلقت فيه توصيفات إسرائيلية على المقاومة، وحاولت جر البلاد إلى فتنة من خلال وسائل عدة، منها قطع الطرق التي تربط العاصمة بالجنوب وبالبقاع، في محاولة لإثارة غضب جمهور المقاومة، إلا أن حكمة قيادة المقاومة منعت ذلك المخطط.

كل ما تقدم يكشف حجم الصراع في البلاد ويظهر حجم التباعد بين المكونات السياسية الأساسية في لبنان.

هذا جوهر الخلاف في البلاد، وليس تخبط وزارة الخارجية، على سبيل المثال في التعاطي مع الأزمة سوى دليل واضح على ذلك الضياع، فتارة تقف على الحياد، وتارة تسنكر القصف على السعودية، وتسكت عن مجازر الرياض بحق أطفال اليمن.

أما الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، فلا تلق الشجب الطبيعي من بيروت عملاً بسياسة النأي، على الرغم من الغارات الإسرائيلية المعادية على سوريا انطلاقاً من الأجواء اللبنانية.

ووسط تلك التعقيدات خرجت الدعوات إلى حياد لبنان من دون الأخذ في الاعتبار أن "إسرائيل" هي العدو الوحيد للبنان، والتي مارست كل أنواع الإرهاب بحقه منذ العام 1936.

إذاً، الخلاف ليس فقط على تأليف حكومة أو السعي لثلث ضامن أو معطل، في استباق لما قد تشهده البلاد من فراغ سياسي في حال تعذر الاتفاق على رئيس يخلف عون، أو تعذر إجراء الانتخابات البرلمانية العام المقبل.

وكل ذلك يشي أن البلاد بحاجة لاتفاق جديد يحسم المسائل الخلافية، ويحدد خيارات لبنان العربية والإقليمية.

اخترنا لك