لماذا تخاف أوروبا من الإعلام الروسي؟

قرار غير ملزم ضدّ الإعلام الروسي أوصى به البرلمان الأوروبي، توصية تبحث عن طريقة للتصدي لنجاحات الإعلام الروسي المتلفز والإلكتروني في السنوات الأخيرة في كسر الروايات الغربية للسياسة العالمية، أثار القرار موجة اعتراض وصفته بانتهاك لحرية الصحافة ولمبادئ أوروبا المعلنة. فما هي طبيعة الحرب الباردة الإعلامية التي تدور بين ضفتي القارة، ومم يخاف الأوروبيون؟

304 نائباً في البرلمان الأوروبي من أصل 691 صوتوا ضدّ الاعلام الروسي
304 نواب في البرلمان الأوروبي من أصل 691 صوتوا ضدّ الإعلام الروسي. فيما عارض القرار غير الملزم 179 نائباً وامتنع 208 عن التصويت.

واتهم البرلمان الأوروبي في قراره الصادر بأن إعلام موسكو يشوه الحقيقة، الأمر الذي من شأنه " تقسيم الاتحاد الأوروبي وشركائه في شمال أميركا" كما سيعزّز الخوف في نفوس المدنيين الأوروبيين".

وأعرب البرلمان الأوروبي عن قلقه من الانتشار الكبير لنشاطات الكرملين في أوروبا، من ضمنها "المعلومات المغلوطة الهادفة إلى زيادة الهيمنة الروسية على حساب الاتحاد الأوروبي".

وعلى خلفية القرار، بشأن مواجهة الوكالة الدولية للإعلام الروسي قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ " قرار البرلمان الأوروبي بشأن مكافحة وسائل الإعلام الأجنبية يُعدُّ شاهداً على تدهور الديمقراطية". وأضاف "يوجد تراجع ملحوظ في تصوّر الديمقراطية لدى المجتمع الغربي. وتابع "أعوّل على ترجيح العقل وآمل ألا تفرض قيود حقيقية على الإعلام الروسي".

من جهته، أكّد نواف إبراهيم إعلامي يعمل في وكالة "روسيا اليوم" أنّ "أكثر ما يزعج الاتحاد الأوروبي هي الحقيقة التي تنقلها وسائل الإعلام الروسية لما يجري في العالم، وتحديداً ما يجري في منطقة الشرق الأوسط".

وشدّد إبراهيم على أنّ "هذه السياسة الأوروبية تأتي ضمن نهج تتبعه دول الغرب في الآونة الأخيرة، يقوم على شيطنة روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

الإعلام الروسي: جمهور عالمي

وكالة سبوتنيك تعرض محتواها الاعلامي بثلاثين لغة
حقّقت وسائل الإعلام الروسية نجاحاً هاما، انعكس في قدرتها على الانتشار عالمياّ. وما يميّز الوكالة الدولية الروسية للإعلام( روسيا سيفودنيا) أنّها تضم وكالتي أخبار عالمية توفّر محتوىً إعلامياً بلغات عديدة. الوكالة الأولى، هي "روسيا اليوم"، التي اتخذت مقراً لها في موسكو، وتقدم أخبارا متنوعة بلغات ثلاثة وهي الإنكليزية والعربية والإسبانية إضافة إلى اللغة الأساسية "الروسية".

أما وكالة سبوتنيك، فهي وكالة أنباء وتقدم خدمةً إذاعية. كما أنّها تعرض محتواها الإعلامي بثلاثين لغة، أبرزها اللغات الروسية والعربية والانكليزية والصينية والفرنسية والإسبانية.

وجاء في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إستناداً إلى تحليل أعده باحثون، أنّ أكثر من 200 موقع إعلامي روسي لعبوا دوراً في البروباغندا السياسية خلال فترة الانتخابات الأميركية الأخيرة. وقد استطاعت هذه المواقع الحصول على خمسة عشر مليون مشاهد على الأقل.

وأشارت الدراسة التي أجراها الباحثون إلى أنّ الدعاية الروسية قدمت معلومات خاطئة، ولكن تم مشاهدتها على فيسبوك أكثر من 213 مليون مرة.

وقالت الدراسة، إنّ الإعلام الروسي لجأ إلى العالم الافتراضي (مواقع التواصل الاجتماعي) لنشر دعايته السياسية خلال مرحلة حساسة في أميركا. وذكرت أنّ وكالتي "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" استخدمتا هذه المواقع لتضخيم بعض الأحداث.

وقال الباحثون إنّ تقارير "روسيا اليوم" الإخبارية تم نشرها بلغات عديدة، وكانت الانترنت الوسيلة الأهم لإيصالها إلى الجمهور الأميركي.

جامعة "واشنطن" الأميركية، لفتت إلى أنّ "روسيا اليوم"، حصلت خلال عام 2007 على " أكثر من مليون مشاهد على "يوتيوب"، محققة نسبة متابعة أكبر من "سي أن أن".

ماذا بعد القرار الأوروبي؟

سيتم تقديم قرار البرلمان الأوروبي الأسبوع المقبل إلى لجنة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي
 وكالة "روسيا انسايدر" ذكرت أن القرار غير الملزم الذي اتخذه البرلمان الأوروبي سيتم تقديمه الأسبوع المقبل إلى لجنة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي قبل مناقشته من قبل البرلمان كله الشهر القادم. وقالت إنه في حال تم التصويت لصالح القرار المتخذ، قد يتم حظر وسائل الإعلام الروسية في بلدان عديدة. ومن الاحتمالات الأخرى إصدار عقوبات على أفراد يدعمون الإعلام، كتجميد أرصدة أو سحب تأشيرة، تماماً كما فعل الاتحاد الأوروبي بقضيتي أوكرانيا وسوريا مع الأشخاص المتورطين في النزاع.

وكان البرلمان الأوروبي عام 2012 ، قد فرض قراراً بحظر بث 19 قناة فضائية إيرانية، مرغمةً مقدمي خدمات الساتلايت على فسخ العقود مع إيران. وأتى هذا القرار آنذاك على خلفية التعارض في المقاربات السياسية بين الطرفين، خصوصاً أنّه في تلك الفترة كانت العلاقات الدبلوماسية لاتزال متوترة جدا، بسبب النشاط النووي لطهران.

وفي العام نفسه، أصدر البرلمان الأوروبي قرارا بإيقاف بث محطات سورية  للدولة. اتُهمت الأخيرة ببث مشاهد عنف خلال تغطيتها للحرب السورية، والقيام بحملة ضدّ دول عربية وغربية. واستناداً إلى ذلك، أصدر سلسلة عقوبات بحق الإعلام السوري. 

الاتحاد الأوروبي: "تدهور الديمقراطية؟"

نص نظام البرلمان الأوروبي على أهمية الحرية الاعلامية من أجل ضمان التعددية في وجهات النظر
يخشى الاتحاد الأوروبي من كسر الصورة التي اعتاد على تقديمها إلى مجتمعه. وقد يشكّل هذا الأمر، الرادع الأكبر له، كي لايخرق المبادئ الراعية لحقوق الإنسان والضامنة للحرية الإعلامية، والتي ترعاها القوانين المحلية والإقليمية للاتحاد الأوروبي

إلاّ أنّ الاتحاد الذي نص نظامه على أهمية الحرية الاعلامية من أجل  ضمان التعددية في وجهات النظر، قد يعارض اليوم أحد أهم قيمه من خلال تعاطيه مع الإعلام الروسي.

ورداً على المواجهة الأوروبية لموسكو، شدّدت ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية أنّه "في حال بدأ الاتحاد الأوروبي بالإقدام على خطوات عملية لتطبيق القرار، ستتخذ إجراءات معينة للرد على تلك الخطوات"

وأوضحت زاخاروفا ساخرة من القرار الذي تبناه البرلمان الأوروبي الأربعاء بعنوان "حول التعامل الاستراتيجي داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة الدعاية المعادية لأوروبا من قبل دول ثالثة"، تدل على "تجاوز البارانويا (مرض جنون الارتياب) كل الحدود".

وفي السياق نفسه، علّق بوتين على القرار بأنّه "يهنئ صحافيي سبوتنيك وRT الروسيتين على عملهم المنتج".

إعلام موسكو يقلق أوروبا

الحديث عن تأثير إعلام موسكو في الانتخابات الأميركية يقلق أوروبا
المخاوف الأوروبية من الإعلام الروسي ليست جديدة. في عام 2015، جرى نقاش ضمن الاتحاد الأوروبي حول أداء وحدة مراقبة الإعلام الروسي المعروفة باسم "East Stratcom"، التي تأسست في نيسان/أبريل. ولكن أداءها كان ضعيفاً بسبب التمويل المحدود والانقسامات السياسية بين دول الاتحاد الأوروبي. إضافةّ إلى أن تأثير الإعلام الروسي بات واضحاً خصوصاً في دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب طوال فترة حملته الانتخابية بشكل غير مسبوق في الولايات المتحدة.

وعالمياً، تفرض موسكو نفسها اليوم في السياسة، منخرطةً في الحرب السورية وفارضة جيوشها على أرض المعركة كغيرها. كما أنّ روسيا خاضت حرباً مع أوكرانيا لاسترجاع مدينة القرم التي اعتبرتها حق لها.

كما أنّ الحديث عن تأثير إعلام موسكو في الانتخابات الأميركية يقلق أوروبا التي ستشهد عدة انتخابات محلية خلال العام القادم قد تحدّد مصير الاتحاد.

ردود أفعال مستنكرة

أثار قرار الاتحاد الاوروبي ضدّ الاعلام الروسي ضجة عالمية كبيرة
قرار الاتحاد الاوروبي أثار ضجة عالمية كبيرة، وندّد رؤساء دول وصحافيون بانتهاك الحرية الاعلامية.

من جهتها، عارضت تاتيانا جدانوك نائبة في البرلمان الأوروبي القرار، وهي تمثل جمهورية لاتفيا، مؤكدة "نحن نقول إن روسيا تلجأ إلى استخدام عدد من الوسائل والقنوات متعددة اللغات، ولكن هذه موجودة في البلدان الأخرى. وسيكون من الصعب فهم ما يحدث في العالم بمشاهدة "سي إن إن" و "بي بي سي" و "فرانس-24" فقط.

أما رئيس وزراء تركيا بن علي يلديريم ووزير الإعلام السوري رامز ترجمان،  قالا إنّ الاتحاد الذي يحاول منع الإعلام الروسي يظهر فقر ديمقراطيته.

رئيس مجلس إدارة شبكة الميادين الإعلامية غسان بن جدو قال في رسالة تضامنية إنّ القرار "يعكس مدى التدهور في العقل السياسي والإعلامي، بل مدى تخلف الذين لم يجدوا حرجاً في التصويت لصالح قمع الحريات الإعلامية ومصادرة الكلمة والمعلومة". وكانت قناة الميادين  في حزيران/ يونيو 2016، وقعّت اتفاقية تعاون مع الوكالة الدولية الروسية للإعلام في موسكو، خلال أعمال منتدى إعلامي دولي تحت شعار "عصر جديد للصحافة وداعاً للتيار السائد".

كذلك الأمر، أعرب صحافيون فيتناميون عن تضامنهم مع الإعلام الروسي ووصفوا قرار البرلمان الأوروبي بالظالم.

اخترنا لك