من العتمة إلى الضوء: العونيون يتذوقون مسرّاتهم

"من صورة لعون كنا نخبئها في الدرج. من شريط أغان لعون بلا اسم. من بوق سيارة كان ينطلق خفيفاً (بأغنية الجنرال) داخل نفق شكا المعتم، خوفاً من أن يسمعنا أحد عندما نخرج إلى الضوء. وصلنا إلى صورة معلقة على رأس الجمهورية وصوت يصدح بلا خوف في كل مكان. ما هذا العز!".

اليوم صار الفرح طوع يد من انتظروه طويلاً
اليوم صار الفرح طوع يد من انتظروه طويلاً. فرحهم أصبح ظاهراً وعارماً. في هذا الكمّ من الفرح تعويض عن كل الذي مضى وظلوا يحلمون به. ولذلك كان من السهل على من يكون بينهم، أن يتلمس الفرح وقد غدا على هيئة وجه واسع. فهؤلاء، لم يعد سرورهم مؤقتاً مثلما كان. أي عندما كانوا ينتظرون زعيمهم ميشال عون في إطلالة ما، والتي ما إن تنتهي حتى يعود مناصروه ومحبوه إلى حالتهم الأولى. فيظلون بعدها لساعات أسرى تلك المسافة المتعبة بين الأمل والقنوط. 
 اليوم، عاش أنصار التيار الوطني الحر أقصى ما يمكن من الفرح. زعيمهم بات رئيساً للجمهورية اللبنانية. الجمهورية التي "أضحت في عهدة من يؤتمن على العهد والوعد"، هكذا يصرحون باعتداد كبير. 
 في ساحة ساسين في منطقة الأشرفية بالعاصمة اللبنانية بيروت، التي أقفلت الشوارع المؤدية إليها، والتي تمتلك رمزيتها التاريخية والسياسية عند جزء من مسيحيي بيروت، بدأ العونيون بالتوافد منذ ساعات الصباح. قبلها نصبت الخيام منذ نحو أسبوع، ثم رصفت الكراسي. وفي صدر الساحة ثُبتت شاشة عملاقة شخصت إليها الأبصار. إلى جانب الشاشة، ارتفعت صورة ضخمة للجنرال عون. لكنها رغم ذلك، ظلت أسفل العلم اللبناني. الرسالة من هذا صريحة. إلى يمين صورة عون، صورة كبيرة للرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل تحجب نوافذاً بكاملها. "إئتمنتكم على جمهورية ... ماذا فعلتم؟"، يتساءل الجميل والحسرة بادية على وجهه. 

العونيون يحملون الماضي على أكتافهم
لكن هذه الحسرة يبدو أنها في طريقها إلى الزوال. هذا ما يستشف من كل الكلام الذي يمكن أن تسمعه وأنت وسط العونيين. "قتلوا لنا بشير، لكن عون هنا. سيعوض كل الذي فات". يقول أحد أعضاء التيار الوطني الحر للميادين نت
العونيون يحملون الماضي على أكتافهم. من المؤكد أن ذكرى بشير ليست على القدر نفسه من الوقع على اللبنانيين. فهذه تقيم في أحشاء الحرب الأهلية السيئة الذكر والذكرى. وبالتالي ستبقى خاضعة لخطابات التاريخ والهويات ومحاكماتها. لكنها عند العونيين جزء من تاريخ سابق يرونه "مجيداً" رغم كل شيء. يتطهر العونيون من سيوف أسلافهم، لكن حاضرهم ومستقبلهم يظلان يتكئان إلى مراحل من هذا المنصرم. وإذا كان "المجد" يسكن الغابر فإن عون اليوم يخوض ما "عجز" عنه غيره. استنهاض "المجد" الذي "ضاع" رغماً عن المسيحيين. هكذا صرحوا. أما السنوات الطويلة التي تنتصب بين زمنين، فهي الفراغ تماماً. 

اليوم ولد العونيون من جديد
اليوم ولد العونيون من جديد. لكن اليوم "ولد لبنان (أيضاً). لبنان الذي سيكون بالشراكة مع الجميع. الشراكة الحقيقية التي يحق فيها لكل طرف أن يقول كلمته ويثبت وجوده"، يقول فؤاد الذي عايش حرب 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، فيما الراية البرتقالية محمولة على كتفه. 
 الهتافات التي علت في ساحة ساسين، كسرت كل الوقت الذي مرّ طويلاً بانتظار انتخاب عون، والذي دمغ بالقلق والغضب طوال جلسة البرلمان. عناق. دموع. إبتسامات واسعة. أنخاب مرفوعة، وأعلام لبنان إلى جانب تلك البرتقالية لا تكف عن التمايل يمنة ويسرة. هكذا كانت حال العونيين. المشتهى أصبح له طعم، وهم اليوم يتذوقونه، حلو.

رغم نشوة الفرح لم ينقطع العونيون عن الحديث بالمستقبل
يعي العونيون تماماً أن "مجدهم" التليد، لن يكون له نفس الرائحة والطعم القديمين. وبالرغم من أنهم يقيمون في بعضه، لكنهم لا يسكنون التاريخ مقفلين نوافذه على أنفسهم. منذ العام 2005 إختبر العونيون الكثير، ولذلك فقد أنجزوا الكثير أيضاً. هم اليوم أكثر الناس انفتاحاً على الناس. القوات اللبنانية، خصمهم التاريخي ومنافسهم، والتي بنيت الخصومة معها على الدماء، صارت حاضرة في ساسين. أما حزب الله، حليفهم الذي يجاهرون بوفائه لزعيمهم، فقد كان له حضور أيضاً، وإن خجولاً وغير رسمي البتة.
"أتيت لأعيش مع العونيين هنا فرحهم"، قال محمد الآتي من الضاحية الجنوبية لبيروت بصحبة شابين آخرين. وكذلك هنا التي جاءت من جنوب البلاد لتشارك صديقتها العونية ما انتظرته طويلاً. 

عناق. دموع وإبتسامات واسعة.
على الرغم من نشوة الفرح التي يحياها العونيون، يظهر أنهم لم ينقطعوا عن الحديث بالمستقبل. قد يكونون يبالغون في رؤيته وردياً، على ما صرح أكثر من واحد منهم للميادين نت، لكنهم يعقدون الأمل، الذي يلامس اليقين، على ميشال عون ليعيد للبنانيين ما فقدوه ويدفعون أثمان فقده، "دولة المؤسسات". ولذلك يرون أن الآتي يجب أن يكون صفحة جديدة "هي للجميع. بناء وطن يحيا فيه كل اللبنانيين كراماً"، في حين أن كل الكلام الذي يستشرف مراوحة للأزمات خلال العهد الجديد "هو حكم على النوايا، وهذا غير منطقي. العبرة في الفعل"، على ما يقول جو، العوني "العتيق". 
 على أية حال، المشهد في ساحة ساسين كان جميلاً. فقد استطاع الرجل الثمانيني وهو يتلو خطاب القسم، أن يجمع أصحاب الأطقم وأصحاب الثياب الرثة. المدراء والموظفون والعمال. النساء والشيوخ والأطفال، الذين افترش بعضهم الأرض. هؤلاء جميعهم كانوا جنباً إلى جنب، يصيخون السمع لزعيمهم وقد حقق ما وعدهم به.

رغم نشوة الفرح لم ينقطع العونيون عن الحديث بالمستقبل
ميشال عون أصبح "بيّ الكلّ (أب الجميع)"، على ما بات يطلق عليه محبوه. ما حصل هو بمثابة انتصار لهم، وإن كان لهذا "الانتصار" أوجه مختلفة باختلاف وجهات نظر الأتباع ومقاربتهم للتاريخ. لكن ثمة شيء واحد مشترك لا يبارح ذاكرة العونيين مما نال بعضهم من البطش، عبر عنها نديم قائلاً "من صورة لعون كنا نخبئها في الدرج. من شريط أغان لعون بلا اسم. من بوق سيارة كان ينطلق خفيفاً (بأغنية الجنرال) داخل نفق شكا المعتم، خوفاً من أن يسمعنا أحد عندما نخرج إلى الضوء. وصلنا إلى صورة معلقة على رأس الجمهورية وصوت يصدح بلا خوف في كل مكان. ما هذا العز!". 

اخترنا لك