مدينة الخليل الفلسطينية لا يبيت فيها جائع

على بعد أمتار من المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، تعلو أصوات المئات من الأطفال والمواطنين الفلسطينيين مع انبعاث روائح الأطعمة، أمام تكية سيّدنا إبراهيم (عليه السلام)، وهم يتزاحمون في الطابور لملء أوعيتهم بالشوربة المباركة كما يقول سكان المدينة التي ناهز عدد سكانها المليون نسمة.

  • مدينة الخليل الفلسطينية لا يبيت فيها جائع
    الأطفال والمواطنون الفلسطينيون يتزاحمون في الطابور لملء أوعيتهم بالحساء في مدينة الخليل

يستيقظ أحد عشر عاملاً وعشرة من معاونيهم قبل بزوغ الشمس، ويتوجّهون إلى مكان عملهم في التكية، لطهي 24 قدراً من الطعام وتوزيعه مع منتصف النهار، ويتم توزيع حوالى 3000 وجبة يومياً، وحوالى 12 ألف رغيف خبز، على 700 عائلة فقيرة ومحتاجة في المدينة ومَن يقصدها بشكل مجاني.

 

وتقوم التكية يومي الإثنين والجمعة بطهي حوالى طن ونصف الطن من اللحمة أو الدجاج، ويتضاعف عدد الوجبات الموزّعة خلال شهر رمضان، لسدّ حاجة الفقراء وإطعام الزوّار والضيوف، بسبب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في صفوف المواطنين الفلسطينيين بسبب قيام الاحتلال بإغلاق العديد من الجمعيات الخيرية ما يثقل من كاهل التكية.

 

وبحسب المؤرّخ الفلسطيني الدكتور عدنان أبو تبّانة فإن العمل بالتكية بدأ منذ عام 1279 للميلاد، حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في عهد القائد صلاح الدين الأيوبي مُطلقاً عليها اسم الرباط، وبعد ذلك أطلق عليها السكّان اسم "الطبلانية" لأن العاملين فيها كانوا يدقّون الطبول للإشارة إلى جهوزية الطعام.

 

ولفت أبو تبّانة إلى أنه منذ وجدت التكية قدّمت الطعام لوافدي المدينة ثلاث مرات يوميّاً، وكانت تستهلك من الخبز يوميّاً 14 ألف رغيف، وأحياناً يصل العدد إلى 15 ألف رغيف، واحتضنت في حربي عامي 1948 و1967، الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين قبل أن يقيموا مخيمي الفوار والعروب في الخليل.

 

ويؤكّد مدير التكية الإبراهيمية لؤي الخطيب لمراسلنا أن التكية واصلت خدمتها منذ تأسيسها، رغم محاولات الاحتلال إزالتها بحجّة تأمين طريق المستوطنين للصلاة في الحرم الإبراهيمي، وأضاف "يمنع ويعرقل الاحتلال وصول العديد من المواطنين في أيام ما يُسمّى "الأعياد اليهودية" من الوصول إلى التكية بحجج وذرائع أمنية".
 

 

وأشار الخطيب إلى أن عدد المستفيدين من التكية تضاعف في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، بسبب إغلاق الاحتلال لمئات المحلات التجارية في الخليل، ما أثرّ سلباً على الأوضاع الاقتصادية وارتفعت أعداد الفقراء في المدينة، وتشرف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية على التكية وتغطي أيّ عجز يحصل في الكميات.

 

واعتبر الخبير الاستراتيجي والاقتصادي الدكتور هيثم دراغمة في حديثه ل "الميادين نت" إن محافظة الخليل العاصمة الصناعية والتجارية لفلسطين، وأعداد التجار والمستثمرين المنتشرين في المحافظات الفلسطينية من أصل خليلي كبيرة جداً، ما يعني حجم تبرّع كبير للمشاريع الخيرية سواء في المحافظة أو لدعم المحافظات الأخرى.

 

ويرى مسؤول منتدى العلاقات العامة في محافظة الخليل عبد المنعم زاهدة في حديث خاص ل "الميادين نت" إن التكية تعبير عن الموروث الثقافي لأهالي الخليل، وتعمل على مد يد العون والمساعدة للأسر المستورة، والحفاظ عليها أمر مهم في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة والفقر في صفوف المواطنين الفلسطينيين.

 

وأضاف "للتكية أبعاد وطنية وإنسانية واجتماعية، وباتت اليوم بمثابة خط دفاع أول لحفظ وحماية البلدة القديمة من سيطرة المستوطنين عليها وتغيير معالمها، وتكمن أهيمتها لمجاورتها للمسجد الإبراهيمي الشريف، كونه له قداسته الخاصة عند المسلمين، وختم حديثه بالقول: الخليل مشهورة بأنها لا يبيت فيها جائع.

 

وعبّر الطفل يوسف (11 عاماً)، عن سعادته بحصوله على طعام مجاني لأسرته المكوّنة من سبعة أفراد، كون والده الخمسيني يعاني من أزمة صحية، تحول دون قدرته على العمل، وقال لمراسلنا بصوت يشوبه الألم: أبي غير قادر على توفير المال لشراء الطعام، ولولا وجود التكية لمتنا من الجوع".

 

 

 

اخترنا لك