أنتوني ألبانيز للميادين نت: حزب العمال الأسترالي متعاطف مع الموقف الفلسطيني

النائب السابق لرئيس الحكومة الأسترالية، والنائب في البرلمان الأسترالي عن حزب العمّال يقول في مقابلة خاصة مع "الميادين نت" إن ما كشفته قمة الدول السبع هو أن الولايات المتحدة هي رائدة الدول الغربية بالرغم من أنها لا تملك حق الفيتو إلا أنها تبقى إلى حدٍ كبيرٍ القوة المُهيمنة عالمياً، وأنها لاتزال الحليفة الأهم لأستراليا. ويشير إلى أن هناك داخل الحزب تعاطفاً متزايداً مع الموقف الفلسطيني نتيجة أفعال الحكومة الإسرائيلية من دون الوصول إلى تبني موقف نهائي باعتراف غير مشروط بدولة فلسطينية. كما يرى أن داعش يشكّل تهديداً مطلقاً للأنظمة الديمقراطية وللبشرية ويجب التعامل مع الحراك الديمقراطي في سوريا ومع الأسد.

ألبانيز للميادين نت: الولايات المتحدة تبقى إلى حدٍ كبيرٍ القوة المُهيمنة عالمياً

الميادين نت: بالنسبة إلى قمة الدول السبع وكل الخلافات التي ظهرت، كيف ترى أداء إدارة ترامب؟

أنتوني ألبانيز: الولايات المتحدة تاريخياً لعبت دوراً قيادياً، وما كشفته قمة الدول السبع هو أنه وبينما كان هناك افتراض سائد بأن الولايات المتحدة هي رائدة الدول الغربية، إلا أنها لا تملك حق الفيتو. بالتالي كل الدول الأخرى قالت إنه وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تسلك مساراً خاصاً بها فهذا أمر يعود لها، لكننا لن نسمح بأن يرسم ذلك نتيجة عملنا. تصريحات رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو كانت معتدلة برأيي وجاءت في إطار الرد. وما يتخوّف منه هو أن كلاً من العالم النامي والعالم المتقدّم قد استفادا من التجارة بين الدول، والعقوبات لا تعزّز ذلك. أعتقد أن أكثر ما يُثير الاهتمام في نتائج قمة الدول السبع هو الموقف الموحّد بين كافة الدول باستثناء الولايات المتحدة، والولايات المتحدة كانت قد وافقت على تأييد البيان الختامي (الصادر عن القمة) لكنها سحبت هذا التأييد، وهذا حقّها. غير أن الدول الأخرى لم تتبنَ مساراً مختلفاً نتيجة ذلك.

 

الميادين نت: وإلى أين سيؤدي هذا، كون هذه الدول كما قلت تتمسّك بموقفها، ما هي التداعيات وهل نشهد عصر الانحدار الأميركي كما يقول البعض؟

أنتوني ألبانيز: الولايات المتحدة تبقى إلى حدٍ كبيرٍ القوة المُهيمنة عالمياً، ولكن من الواضح أنه وفي حال انسحبت الولايات المتحدة وأصبحت تتبع نهجاً أكثر قومياً بدلاً من لعب دور في الجيوسياسات العالمية،فإن الدول الأخرى ستستمر باتباع نفس النهج بغضّ النظر عن ذلك. وهذه الرسالة التي وجّهتها هذه الدول بالحقيقة (خلال قمة الدول السبع)، أي الدول الأوروبية الكبرى وكندا كانت مُصمّمة على السير بنفس الاتجاه.

 

الميادين نت: ماذا عن استراليا، بأي اتجاه ستذهب مع الأوروبيين أم ماذا؟

أنتوني ألبانيز: علينا أن ننتظر لنرى.الولايات المتحدة لا تزال حليفتنا الأهم واللافت أن الولايات المتحدة لم تفرض عقوبات تجارية على أستراليا وعلى الصلب والمنتوجات التي نستوردها وهذا أمر نرحّب به. إلا أن أستراليا هي جزء من الاقتصاد العالمي، لسنا طرفاً في الدول السبع ولكننا طرف في دول العشرين.لقد شاركت بأول قمة للدول العشرين في لندن مع رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود ووزير الخزانة السابق واين سوان، ومما لاحظته بأمّ عيني قدرة أستراليا على لعب دور بنّاء جداً كحليفٍ للولايات المتحدة وكدولةٍ غربية ليبرالية ديمقراطية لكن موجودة في منطقة آسيا والمحيط الهادىء والمحيط الهندي، حيث الدول التي تحقّق نمواً اقتصادياً سريعاً والصين التي هي أهم شريك تجاري لنا. ولكن أيضاً لدينا علاقات اقتصادية مهمة مع الدول المجاورة شمالاً، وخاصة الهند وأندونيسيا والتي هي قوى اقتصادية صاعدة، بالإضافة إلى علاقات وطيدة تاريخية مع اليابان خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأعتقد أنه من المهم أن تستمر أستراليا بلعب هذا الدور على صعيد السياسة الخارجية. تاريخياً هناك ما يشبه الإجماع داخل أستراليا منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حول ضرورة التركيز على الأعمدة الثلاثة (بالسياسة الخارجية): التحالف مع الولايات المتحدةولكن بنفس الوقت الانخراط مع المنطقة (منطقة آسيا والمحيط الهادىء والمحيط الهندي) وأيضاً دعم  التعددية عبر الأمم المتحدة والمنتديات الدولية الأخرى.

 

الميادين نت: ما هي الأولويات في السياسة الخارجية لدى حزب العمال، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنك من أهم الشخصيات بهذا الحزب؟

أنتوني ألبانيز: الاقتصادات الكبرى الناشئة تشكل بالطبع أولوية أساسية. الصين والهند في طريقهما لتصبحان من بين الدول الثلاث الأقوى اقتصادياً في العالم وهذا يشكّل تحدياً ولكن بنفس الوقت فرصة لأستراليا. حزب العمال يرى أن المنطقة (آسيا والمحيط الهادىء) تشكل أهمية كبيرة.

 

الميادين نت: ماذا عن موضوع الاعتراف بدولة فلسطينية،أعرف أن هذا موضوع طُرِح من قِبَل حزب العمال،هل يمكن أن نتوقع أن يحصل هذا الاعتراف إذا ما تسلّم حزب العمال الحكومة الأسترالية المقبلة؟

أنتوني ألبانيز: هناك مُناظرة داخل حزب العمال (حول هذا الموضوع) وهذه ليست قضية إجماع. ليس واضحاً ما هي القرارات التي ستصدر عن المؤتمر الوطني لحزب العمال حول هذا الموضوع. هناك عدد من القرارات التي تم تبنيها في عدد من المؤتمرات على مستوى الولايات حول الاعتراف بدولة فلسطينية. وخلال المؤتمر الأخير فإن موقف حزب العمال وضع بهذا الاتجاه من دون الوصول إلى تبني موقف نهائي باعتراف غير مشروط بدولة فلسطينية. أعتقد أن ما حصل داخل حزب العمال خلال الأعوام الأخيرة هو أن هناك تعاطفاً متزايداً مع الموقف الفلسطيني نتيجة أفعال الحكومة الإسرائيلية، وهناك قلق أيضاً من أن الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة نتنياهو تحديداً مارست الاستفزاز من خلال الاستمرار ببناء المستوطنات والحصار المستمر على غزّة برأ و بحراً.

 

الميادين نت: هل تشاراك هذا التقييم أيضاً؟

أنتوني ألبانيز:  بالتأكيد أشارك القلق من أن أفعال إسرئيل تجعل من الأصعب تحقيق حل الدولتين ولا أرى أي تسوية لا تشمل حل الدولتين. حل "الدولة الواحدة" يتطلّب قمعاً مستمراً داخل هذه الدولة، وبسبب ارتفاع عديد الفلسطينيين مقارنة مع الإسرائيليين،فإن ذلك يتطلّب اتبّاع سياسات داخلية لا أعتقد أنها تصبّ بمصلحة أي طرف داخل هذه "الدولة". و بالنسبة للفلسطينيين،عندما تكون هناك أجيال من الناس الذين يعيشون في ظروف صعبة في أماكن مثل المخيم البحري في غزّة حيث لا فرص اقتصادية لهؤلاء الناس، فإن ذلك يشكل وصفة للاستياء والإجراءات السياسية. وبنفس الوقت بالنسبة لإسرائيل أيضاً..إذا كنت شاباً إسرئيلياً وهناك ناس يحرسون أغلب زوايا الشوارع في القدس فإن هذه أيضاً ليست طريقة جيّدة للعيش.

 

الميادين نت: هل يمكن أن نتوقّع أستراليا تحت أي حكومة سواء كانت حكومة حزب الأحرار أم حزب العمال، أن تسير على النهج الأميركي بنقل السفارة إلى القدس؟

أنتوني ألبانيز: أعتقد أن ما شاهدناه بيّن أن هذا العمل كان عملاً استفزازياً لم يساعد عملية السلام. ما أريد أن أراه هو أن تلعب أستراليا دوراً بدعم عملية السلام وجمع الناس، بدلاً من القيام باستفزازات. لا شك أنه و في كل النزاعات، لايمكن أن نلقي بكل اللّوم على طرف واحد، وبالتالي لا أعتقد أن تبني نهجاً منحازاً إلى طرف واحد يساعد العملية. منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً من حياتي بالنشاط السياسي وأنا ناشط بهذه القضايا، وللأساف في الماضي أحياناً كانت الأمور أقرب إلى الحل مما هي اليوم.

 

الميادين نت: لقد قرأت تصريحات منسوبة إليك تفيد بأنك قلت أنه ربما من المناسب الآن التعامل مع حقيقة الوضع في سوريا والتعامل مع الرئيس الأسد، هل هذا هو تقييمك؟

أنتوني ألبانيز: أعتقد أنه يجب التعامل مع المسألة السورية. ومما يثير القلق هناك هو أن هناك دولاً خارجية تتدخل من أجل تعزيز مصالحها بدلاً من مصالح الشعب السوري نفسه.

 

الميادين نت: أي دول خارجية تحديداً تتحدّث عنها؟

أنتوني ألبانيز: هناك الأميركيون، الروس، السعوديون، الإيرانيون، جميع هؤلاء متورّطون. الشعب السوري عانى بشكل كبير، ومن المسائل التي تثير القلق هوعندما يحصل تدخل خارجي ويتم التركيز فقط على إزاحة الأسد، فإنهم لم يطرحوا السؤال التالي وهو بمن سيستبدل (الأسد). ومن سمات النظام السوري تحت قيادة الأسد على الرغم من أنه لم يكن ديمقراطياً بما فيه الكفاية وعلى الرغم من وجود الكثير من المخاوف المشروعة لدى الناس حيال النظام, إلا أنه عندما نعود إلى الوراء و إلى الدور الذي تمكنت الأقليات من لعبه مثلاً، خاصة السوريين من الطائفة الأرثوذوكسية وغيرهم، وكذلك في سوريا فإن دور النساء كان أكثر تقدماً وليبرالية مقارنة مع بعض الدول الأخرى في المنطقة.إذا ما قارنّا القوانين ودور النساء في سوريا بالسعودية، فإن النظام السوري كان متقدماً أكثر بكثير.لا أعتقد أنه يمكن التوصّل إلى حل في سوريا من دون إشراك كافة الأطراف، بما في ذلك حكومة سوريا تحت قيادة الأسد. ووزيرة الخارجية (الأسترالية) “Julia Bishop” اعترفت بذلك أيضاً.أعتقد أن هناك حاجة للاعتراف بهذا الواقع.

 

الميادين نت: إذاً أنت كنائب بارز عن حزب العمال تدعم التعامل مع الرئيس الأسد كواقع؟

أنتوني ألبانيز: أنا شخصياً أدعم التعامل مع كافة الأطراف باستثناء داعش. أعتبر أن داعش يشكّل تهديداً مطلقاً للأنظمة الديمقراطية وللبشرية وأنه يجب أن نتعامل مع الحراك الديمقراطي في سوريا وكذلك مع الأسد. من الواضح أن الحل الذي يتجنّب حرباً أهلية مستمرة يقتضي جمع هذه الاطراف. إذا ما نظرنا إلى النظام في لبنان - حيث هناك بلد فيه كل هذه التعدّدية مع وجود شيعة وسنّة ومسيحيين ودروز ولكن رغم ذلك استطاع أن يبقى متماسكاً بانسجام نسبي على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.هناك انقسامات ولكن تمكنوا (اللبنانيين) منذ ما بعد الحرب الأهلية من إيجاد سبُل للتقدّم كدولة. وسوريا تحتاج كذلك إلى القيام بالمثل بشكل يراعي مصالح السنّة والشيعة والعلويين والأرثوذوكس والجميع. مأساة سوريا تشبه بشكل كبير ما حصل في لبنان، فسوريا هي مهد للحضارات وهذا الدمار الهائل أمر مأساوي. دمار البشر هو الأهم  ولكن كذلك هناك دمار المدن التاريخية العظيمة مثل حلب وتدمر، وتدمير مركز الحضارة هذا يشكل مأساة للعالم بأكمله. 

 

الميادين نت: لقد ذكرت السعودية،والأخيرة قد اتهمت بنشر "التطرّف الإسلامي" هل ترى أيضاً بأن السعودية ومن خلال الجامعات ومن خلال بعض المراكز "الإسلامية" قامت بنشر مثل هذا التطرف داخل أستراليا؟

أنتوني ألبانيز: لا شك برأيي بأن التطرّف الإسلامي وكما كافة أشكال التطرّف يشكل مشكلة ونماذج الوهّابية  والتي تم نشر البعض منها هنا في أستراليا لا تنسجم والقِيَم الأسترالية الديمقراطية التي هي في غاية الأهمية. ومن أسباب نجاحنا كدولة متعدّدة الثقافات هو أن على الناس أن يتبنّوا قِيَم الديمقراطية  والتسامح واحترام التعدّدية. وبعض التعاليم لا تنسجم مع كل ذلك برأيي وهي تعزّز الانعزالية وهذا ليس بالأمر الإيجابي.

 

الميادين نت: هل تحمّل الحكومات السعودية المُتعاقبة مسؤولية ذلك؟

أنتوني ألبانيز: لا أحمّل المسؤولية لنظام معيّن، أحمّل العقيدة المسؤولية.ماهي الأصولية؟الأصولية هي شعور بالتفوّق، ولا يمكن أن يكون هناك تفوّق من دون أن يكون هناك موقف تجاه الطرف الدوني. وفي بلد مثل أسترليا حيث نميّز أنفسنا بالمساواة لا أدعم تعليم هذه القِيَم بل أدعم تعليم القِيَم الأسترالية التي تحترم الناس بغضّ النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم بشكلٍ متساوٍ. أحياناً يسألني البعض ما الذي نحصل عليه (في أستراليا) مقابل تمويل المساعدات لأندونيسيا، وأجيب بالقول إن تمويل المدارس في أندونيسيا الذي يضمن بأن الطلاب سيخرجون من العملية التعليمية بنظرة عالمية واسعة الأفق بدلاً من نظرة انعزالية هو أمر بغاية الإيجابية ولدينا مصلحة بالقيام بذلك. ولهذا السبب فإن المساعدات الخارجية والانخراط هي مسائل في غاية الأهمية، ولكن بالتأكيد علينا أن نراقب ما يتم تعلميه في المدارس الأسترالية وأن نتأكّد من أن أي تمويل لهذه المدارس لا يجلب معه تغيّراً في المنهاج الدراسي بشكل يقوّض القِيَم الأسترالية.

اخترنا لك