الصراع على الوزارات السيادية والخدماتية في لبنان: تكريس للتصنيف والأعراف

يحتدم صراع القوى السياسية اللبنانية على الحقائب الوزارية مع تأليف أي حكومة في البلاد، وتظهر إلى الواجهة مصطلحات الوزارات السيادية والوازنة ، والخدماتية والعادية على الرغم من عدم نص الدستور على ذلك التصنيف، فما هي هذه الحقائب وكيف تكرست بعد اتفاق الطائف؟

الستور اللبناني نص على المناصفة في توزيع الحقائب الوزارية

أظهرت الاتصالات والمشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مع القوى السياسية حجم التباينات بشأن توزيع الوزارات ، ومرد هذا التباين ليس جديداً في البلاد، ويظهر عند تشكيل الحكومات اللبنانية، لا سيما في العقود الثلاثة الاخيرة وتحديداً منذ تصديق البرلمان لاتفاق الطائف عام 1999.

ومذاك ظهر التصنيف للوزارات متخذاً ثلاثة مستويات في حكومة تتألف من 30 وزيراً ، الأول وضع 4 وزارات وهي الخارجية والداخلية والمال والدفاع في خانة الوزارات السيادية وكرّس العرف بتوزيعها مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والثاني ضم 6 وزارات تصنّف بالوازنة، وأخيراً الوزارات الخدماتية والعادية، والأخيرة لا تستهوى القوى السياسية.ويضاف إلى هذا التصنيف وزراء الدولة، ووزراء الدولة عادة من دون حقائب مع استثناءات أحياناً.

الدستور وتصنيف الوزارات

لم ينص الدستور اللبناني على أي تصنيف للوزارات ، وإكتفى بالاشارة في مادته الـ95 إلى المناصفة في ظل ما سمّاها المرحلة الانتقالية أي في إنتظار إلغاء الطائفية السياسية ، وجاء في النص الدستوري : " تمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزراة، وتلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص اية وظيفة لاية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

هذا النص الدستوري حلّ مكان النص السابق إبان الاحتلال الفرنسي ( 1918-1943)، والذي كان فيه "بصورة مؤقتة وعملاً بالمادة الأولى من صك الانتداب والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الاضرار بمصلحة الدولة".

ويتضح من الدستور أن لا إشارة إلى تصنيف الوزارات ولا إلى توزيعها على الطوائف ، وفي السياق يؤكد أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام إسماعيل للميادين نت أن " التصنيف ليس دستورياً وإنما سياسي ويرتكز إلى نظرة تقليدية لحجم الوزارات لجهة موازناتها والخدمات التي تقدمها للمواطنين ، وعليه بات هذا التصنيف مكرساً في لبنان ويحتدم النقاش حوله لدى تشكيل الحكومات".

فالوزارات السيادية الأربع توزع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بعد توقيع إتفاق الطائف ، ويعود تكريس هذا المبدأ إلى نقل صلاحيات رئيس الجمهورية التنفذية إلى مجلس الوزراء، وبالتالي بات كل فريق سياسي يسعى للفوز بحقيبة أو أكثر من تلك الحقائب السيادية.

ويلاحظ أن تكريس المناصفة لم ينسحب على تكريس وزارة معينة لفريق سياسي حيث كانت المداورة شبه دائمة في تولي تلك الوزارات على الرغم من محاولات "إحتكار" لهذه الوزارة أو تلك من قبل بعض الافرقاء.

تلك المداورة ظلت قائمة لسنوات طويلة، ولكن الأمور بدأت بالتبدل بعد العام 2005 مع الجنوح لتكريس مبدأ إحتفاظ قوة سياسية بوزارات محددة ، وتجلى الأمر أكثر في الحكومات الثلاث الأخيرة حيث باتت وزارة الداخلية من حصة تيار المستقبل ، ووزارة المال من حصة حركة أمل ، والخارجية للتيار الوطني الحر، ووزارة الدفاع لوزير مقرب من رئيس الجمهورية ، ولا يزال هذا العرف قائماً وأكدته التشكيلة الحكومة المسربة للحكومة المنتظرة.    

أما الوزارات الوازنة بحسب التصنيف السياسي فهي وزارات الطاقة ، والاتصالات، والشؤون الاجتماعية، والتربية، والعدل، والاشغال العامة والنقل.

وقضى العُرف في لبنان بتوزيع هذه الوزارات مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ويوضح إسماعيل "النظرة إلى تلك الوزارات تنبع من  أهميتها السياسية أولاً، وحجم موازناتها الكبيرة ثانياً ، عدا عن أهميتها من جهة الايرادات فضلاً عن طابعها الخدماتي".

ولكن معايير أخرى قد تنطبق على وزارة خدماتية في مرحلة معينة ولا تصلح في مراحل أخرى ، ومنها على سبيل المثال وزارة الطاقة ، فهذه الوزارة لم تكن ذات أهمية في السنوات السابقة وكانت القوى السياسية تبتعد قدر الامكان عن توليها نظراً للاخفاقات المستمرة في حل أزمة تقنين التيار الكهربائي وكذلك عدم تنظيم قطاع المياه، ولكن بعد تلزيم شركات التنقيب عن النفط والغاز باتت تلك الوزارة من الوزارات الأساسية وهي مرشحة لتكون من اهم الوزارات اللبنانية على الإطلاق بعد اكتشاف ومن ثم البدء بتصدير النفط والغاز ، وبحسب إسماعيل " فإنها ستصبح أكثر اهمية من أي وزارة سيادية".

وفي المقابل، هناك وزارات تصنّف بالعادية وليس لها أي اهمية بنظر المستوزرين ويتجنبون توليها، ومنها على سبيل المثال وزارة البيئة، ولكن الأخيرة قد تصبح وفق أستاذ القانون الدستوري من أهم الوزارات الخدماتية إذا ما حصل لبنان على الأموال لمكافحة التلوث ولا سيما أن الأوروبيين يشكون من حجم التلوث الآتي من لبنان عبر البحر المتوسط.

اخترنا لك