الرد الإيراني على "إسرائيل".. حربٌ علنية بأساليب متعددة

وسائل إعلام إسرائيلية تصف الردود الإيرانية سواء العسكرية أو السايبرية أو الأمنية على "إسرائيل" لأنها تغير في مسار الرد الإيراني والتعاطي مع الاعتداءات الإسرائيلية، وبأن الحرب بينهما باتت علنية، فما هو الهدف الإيراني؟

  • محللون إسرائيليون: الهجوم الإيراني على مركز للموساد يُدلِّل على ثقةٍ عاليةٍ بالنفس لدى طهران
    ابشناس للميادين: مع توقّف المفاوضات في فيينا استثمرت إيران الفرصة وقصفت مركز الموساد في أربيل وهذا الأمر فاجأ "إسرائيل".

بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، والمتعلقة بالمواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، ترى وسائل إعلام إسرائيلية، بأنّ "الحرب بين إيران وإسرائيل انتقلت إلى مساراتٍ علنية"، وخصوصاً بعد تبني حرس الثورة الإيرانية هجوماً صاروخياً طال مقراً تابعاً للموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل في إقليم كردستان - العراق.

هذا الحدث البارز أتى عقب اعتداءات إسرائيلية كان أبرزها في سوريا وأدى لمقتل عنصرين إيرانيين، ثم تلاحقت التطورات، منها المعلومات حول إحباط تجنيد عناصر للموساد الإسرائيلي بهدف تخريب منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، إضافةً إلى هجوم "سايبر" واسع ضد مواقع إنترنت حكومية في "إسرائيل"، وتسريب معلومات شخصية عن رئيس الموساد الإسرائيلي.

حرب علنية

وتيرة الأحداث والاحتكاكات تصاعدت بين الطرفين في الآونة الأخيرة، هذا التصاعد دفع بعددٍ من الخبراء والمعلّقين الإسرائيليين للحديث عن ارتقاء درجة المواجهة في المنطقة، وعن وجود تقديرٍ في "إسرائيل" بأن ّالحرب مقابل إيران تحولت لتصبح علنية وعنيفة في الوقت ذاته.

الحديث عن التحوّل إلى المرحلة العلنية في المواجهة، يقول عنه محلل الشؤون العسكرية في القناة 13 الإسرائيلية إنّ "الإيرانيين أصبحوا اليوم أكثر جرأة بكثير، وهذا ما شاهدناه خلال الهجوم على العراق، فقد أرسلوا إشارات عدّة للكرد بأنهم يستضيفون إسرائيليين".

على هذا النحو، لفت محللون إسرائيليون إلى أنّ الهجوم الإيراني على مركز للموساد الإسرائيلي في أربيل يُدلِّل على ثقةٍ عاليةٍ بالنفس في طهران، نتيجةَ ضعف الغرب في المحادثات النووية ونتيجة شعورهم بحصانةٍ مُعيّنة.

وفي هذا الإطار، كشف رئيس تحرير صحيفة إيران دبلوماتيك، عماد ابشناس، في تصريحاتٍ للميادين نت أنّ إيران كانت تراقب مكان انطلاق العمليات ضدها في أربيل، ولكنها كانت تتريث كي لا يؤثر الاستهداف على مفاوضات فيينا، ومع توقّف المفاوضات استثمرت إيران الفرصة وقصفت المركز وهذا الأمر فاجأ "إسرائيل".

وقال ابشناس إنّ "هذا الاستهداف يوجّه رسائل لكلّ الدول التي تستضيف قواعد إسرائيلية بأنّ إيران لن تهتم للعلاقات الوطيدة أو غير الوطيدة مع الدول إذا ما كان هناك أي مكان يهدد أمنها القومي، فإيران سوف تتصرف وفق مصالها كما فعلت في مناورات على حدود أذربيجان".

لم تكتف إيران بالضربة الصاروخية التي طالت مقر الموساد، بل أعلن حرس الثورة الإيرانية عن اعتقال أفراد شبكة تديرها "إسرائيل" كانت تهدف إلى تخريب منشأة "فوردو" النووية في مدينة قم قرب العاصمة طهران وتعدّ من أهم مراكز تخصيب اليورانيوم.

وبحسب تأكيد حرس الثورة فإنّ "ضابطاً إسرائيلياً ارتبط بوسيط وبموظف في منشأة فوردو تحت غطاء شركة في هونغ كونغ، وطلب برمجيات واقترب من المسؤول على مراحل في مشاريع مختلفة"، مفيداً بأنّ "الموظف علم هوية الجاسوس وظل يتعاون معه حتى وصل إلى رأس الشبكة".

أتى الكشف عن توقيف الشبكة في وقت تسعى طهران وقوى كبرى إلى إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وفي الآونة الأخيرة، بلغت المباحثات مرحلة نهائية بحسب وصف عدّة أطراف، وأكّد المعنيون بها تبقي نقاط تباين محدودة قبل إنجاز تفاهم. إلا أنّ التفاوض واجه تعقيدات مستجدة، تمثلت خصوصاً بمماطلة اتخاذ الولايات المتحدة الأميركية قراراً سياسياً.

وسبق لإيران أن اتهمت "إسرائيل" بالوقوف خلف عمليات تخريب واعتداءات طالت منشآتها النووية، مثل منشأة في كرج غرب طهران لتصنيع أجهزة الطرد المركزي في حزيران/يونيو 2021، ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم وسط البلاد في نيسان/أبريل من العام ذاته، وكذلك بالوقوف خلف اغتيال أو محاولة اغتيال علماء نوويين، آخرهم محسن فخري زاده الذي ارتقى في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

"السايبر" ومعارك الظل

في ظلّ الضربة العسكرية الإيرانية للموساد وتفكيك خلاياه في الداخل الإيراني، تعود حرب "السايبر" للظهور بين الطرفين،وهي أحد أحدث أنواع الحروب في العقود الأخيرة، في ظلّ تجنّب الدول الكبرى الدخول في المواجهات العسكرية المباشرة. ويقدّر صانعو القرار أنَّ مثل هذه العمليات تحمل تأثيراً كبيراً في الأعداء من دون إطلاق ردود أفعال خشنة.

أقرّت "إسرائيل"، قبل أيام، أنّ مواقعها الحكومية في الإنترنت تعرّضت لهجوم إلكتروني، لكن الخدمة عادت بعد ذلك. ووصفت وزارة الاتصالات الإسرائيلية الهجوم الإلكتروني بأنّه "واسع النطاق وغير مسبوق"، لكنها لم تتهم أي جهة بتنفيذه.

ونقل موقع "غلوبس" الاقتصادي الإسرائيلي عن هاريل منشاري، أحد مؤسسي جهاز "السايبر" في "الشاباك" الإسرائيلي، قوله إنّ "حسابات على الشبكات الاجتماعية المرتبطة بإيران تبنّت الهجوم".

وحتى الآن لا يوجد ما يربط إيران بتلك الهجمات، لكن خبراء ومحللين أثاروا تساؤلات حول تزامن تلك العملية مع العمليات الإيرانية الأخيرة التي نُفذت على أصعدة مختلفة، وهنا برزت القراءات الأمنية الإسرائيلية التي تعتقد أنّ ما يجري هو تغيير فعليّ في المعادلة الإيرانية، حيث باتت تقوم على "رد إيراني سريع على كل نشاط إسرائيلي، وفي أماكن مختلفة"، وقد ظهر ذلك من خلال عملية استهداف مقرّ الموساد في أربيل.

من جهتها، نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" عن مسؤول إسرائيلي قوله: "فقط دولة يمكنها الوقوف وراء الهجوم على المواقع الحكومية الإسرائيلية والتقدير هو أنّ هذه الجهة القوية هي إحدى دول العالم التي لديها جهاز سايبر هجومي متطور، وبينها إيران".

على هذا النحو، قال رئيس جهاز السايبر في "الشاباك" سابقاً، إيرز كراينر: "لا يمكن أنت نستخفّ بالإيرانيين، هم شعب ذكي، ولديهم قدرات جديدة جداً في الحوسبة، ولذلك لا أستخف بقدرات السايبر لدى الإيرانيين ونحن نعلم أنّه عبر السايبر يمكن إلحاق ضربات قاسية جداً بإسرائيل".

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أنّ مجموعة مجهولة تسمي نفسها "الأيادي المفتوحة" نشرت عبر قناتها في "تليغرام" مقطع فيديو تضمّن صوراً ووثائق شخصية لرئيس الموساد الإسرائيلي، دافيد برنيع، وزوجته أيضاً. ولم تذكر "الأيادي المفتوحة" من أين جاءت بالمعلومات، لكن تقارير إعلامية في وسائل إعلام إسرائيلية قالت إنّ إيران تقف وراء ذلك.

وفي هذا السياق، يرى رئيس تحرير صحيفة "إيران دبلوماتيك"، عماد ابشناس، أنّ موضوع الاختراقات الإيرانية لـ"إسرائيل"، "تمّ تجهيزها خلال فترة طويلة واليوم كشف الإيرانيون عن هذه الاختراقات لكي يثبتوا مدى الاختراقات التي وصلوا إليها، ففي السابق وصلوا إلى بنيامين نتنياهو وعائلته وكشفوا معلومات سرية جداً عن إسرائيل، واليوم اخترقوا جهاز رئيس جهاز الموساد وزوجته".

يرى مراقبون أن الفرصة مواتية الآن للضغط على "إسرائيل"، وخصوصاً من قبل إيران، بتبني استراتيجية الهجوم المباغت بطرق مختلفة وأساليب متعددة من أجل إرباك "إسرائيل" واستنزاف طاقاتها وردعها عن عدوانها، ولا سيما أنّ إعادة تموضع واسعة تجرى لكل الأطراف على خلفية المفاوضات النووية في فيينا والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

اخترنا لك