السباق الانتخابي العراقي يتجاوز التأجيل.. ومهدد بالمال السياسي

بعض الأحزاب والتحالفات السياسية العراقية تلوّح إما بتأجيل الانتخابات أو بعدم المشاركة فيها، لأسبابٍ تتعلق "بنزاهتها" وهذا الأمر ربما يدفع إلى طلب رقابةٍ دولية بإشراف الأمم المتحدة.

  • السباق الانتخابي العراقي يتجاوز التأجيل ومهدد بالمال السياسي
    هل ستؤتي الانتخابات العراقية المُبكرة أكلها بالنسبة للوضع الأمني والخدماتي في العراق؟

يزداد المشهد السياسي والأمني تعقيداً في العراق، مع بدء العدّ التنازلي لسباق الانتخابات البرلمانية المُبكرة، والمقرر إجراؤها في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، فالعديد من الكتل والتحالفات السياسية بدأت بإعلان حملتها الانتخابية، ودعت مناصريها إلى المشاركة الفاعلة.

ظروفٌ استثنائية تعصف بالعراق ومنها: الأزمة الاقتصادية الخانقة، والخلافات السياسية الكبيرة جداً، منها مقاطعة العديد من القوى والأحزاب لتلك الانتخابات وعلى رأسها التيار الصدري، الذي عدل عن فكرة المقاطعة، وأعلن عودته إلى الانتخابات العراقية.

المتحدّثة باسم مفوضية الانتخابات في العراق، جمانة الغلاي، أفادت في الأول من آب/ أغسطس الحالي، بأنّ "21 تحالفاً إضافةً إلى أحزاب ومستقلين سيخوضون الانتخابات البرلمانية المبكرة، حيث بلغ عدد الأحزاب المشاركة 167 منها 58 ضمن التحالفات".

الصدر حسم تأجيل الانتخابات 

حسم الصدر الجدل القائم حول مشاركته في الانتخابات كما حسم موعدها أيضاً، قائلاً إنّ "المصلحة" اقتضت أن نخوض الانتخابات بـ"صورة مليونية"، مُبرّراً تراجعه عن قرار مقاطعة الانتخابات النيابية بتسلّمه "ورقة إصلاحية" من بعض القيادات السياسية التي يثق بها.

هذه العودة رحّب بها، الرئيس العراقيّ، برهم صالح، قائلاً إنّ "التيار الصدريّ جزء أساسيّ من المجتمع"، داعياً القوى المقاطعة الأخرى إلى المشاركة في هذه الانتخابات المصيرية من أجل الانطلاق نحو الإصلاح". 

"ائتلاف النصر" أيضاً، رحّب بعودة التيار الصدري القادمة، ورأى أنّ هذه العودة ستشكّل زخماً وطنياً باتجاه مشاركة شعبية واسعة بالإنتخابات.

هذا وقال عضو في تحالف كردستان، محمد علوي، للميادين إنّ عودة الصدر إلى الساحة الانتخابية حسمت مسألة إجراء الانتخابات في موعدها، متوقعاً منافسة سياسية كبيرة بين التحالفات والأحزاب المشاركة.

وجاء ذلك بعد أن نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن مصدر سياسي عراقي مقرّب من الحكومة، أنّ الكاظمي قد يتخلّى عن تمسّكه بإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد في موعدها المقرّر، إذا أصرّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على عدم المشاركة فيها".

من جهته، وصف الرئيس العراقي، برهم صالح، المرحلة بالحساسة والخطيرة، وقال: "أمامنا استحقاقات وطنية، أبرزها إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها"، كما رأى أنّ "إجراء الانتخابات في موعدها المحدد يعتبر استحقاقاً وطنياً ومطلباً شعبياً ضرورياً للانتقال إلى مرحلة صياغة عقد سياسي جديد في البلاد".

أما رئيس تحالف "قوى الدولة" في العراق عمار الحكيم، حذّر من "نتائج وخيمة" في حال تم التهاون في إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدَّد.

بدوره، اعتبر عضو تيار الحكمة العراقي أيسر الجادري تأجيل الانتخابات أنّه "ذهابٌ إلى المجهول".

الانتخابات بين التأجيل أو المقاطعة

تُعدّ إجراء الانتخابات مهمّةً أساسية من مهام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، حيث يأمل العراقيون من خلالها الحصول على مطالبهم كتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والحد من البطالة ومكافحة الفساد، كما أن إجراء هذه الانتخابات ينسجم مع توجيهات المرجعية الدينية المتمثلة في السيد علي السيستاني، بحسب الكاظمي.

في غضونِ ذلك، اتّهم زعيم حركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، أميركا وبريطانيا بعرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، ورأى أنها "لا تريد هذه الانتخابات المبكرة، وتعمل على تأجيلها لأن هدفهم الأساسي كان مضافاً إلى إفشال مشروع الاتفاقية الصينية وربط العراق بطريق الحرير، كان هو حلّ الحشد الشعبي أو دمجه، وكان ذلك إيجاد ثقافة جديدة ورأي عام ضد فصائل المقاومة التي أفشلت مشروع داعش".

بدوره، اعتبر رئيس كتلة "السند الوطني" النيابية، أحمد الأسدي، أن "حزب البعث يريد إفشال العملية الانتخابية في العراق"، دالاً على أنّ "هناك أعضاء في السلطة لديهم تصرفات تشير إلى ميولهم لحزب البعث المحظور"، ومشيراً إلى أنّه "من عناويننا الانتخابية إحياء الاتفاقية مع الصين التي أبرمتها حكومة عادل عبد المهدي".

وسابقاً، وعلى فتراتٍ متلاحقة، أعلنت تيارات وأحزاب سياسية عدّة، وهي "المنبر العراقي" بزعامة إياد علاوي، و"الحزب الشيوعي" بزعامة رائد فهمي، وجبهة "الحوار الوطني" بزعامة صالح المطلك، وحزب "التجمع الجمهوري" بزعامة عاصم الجنابي، مقاطعة الانتخابات لأسباب تتعلق بالمخاوف من "التزوير وعدم النزاهة".

وعن هذا الأمر أوضّح عضو في تحالف كردستان، محمد علوي، أنّ "أي فئة تقاطع الانتخابات التشريعية ستكون خاسرة، لأنّ مكونات كاملة على مدار أعوام قاطعت العملية الانتخابية ولم تنجح، فالمقاطعة تحرم شريحة معينة من التمثيل النيابي والحكومي، فكل مقاطعة بعد عودة التيار الصدري موقفها ضعيف جداً".

السباق الانتخابي بين المال السياسي والمراقبة الدولية

بداية الشهر الحالي، أكّد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أنّ "هناك شكاوى عن وجود استغلال لموارد الدولة في الحملات الانتخابية من قبل وزراء مرشحين أو من قبل مسؤولين لديهم نفوذ في الدولة".

هذا الأمر دفع بالرئيس العراقي، برهم صالح، للإعلان عن محاربة المال السياسي ومكافحة الفساد. وقال إنه "يتطلع إلى التعاون مع مجلس النواب"، مشيراً إلى أن العراق "بحاجة إلى إصلاحات بنيوية حقيقية ومراجعة سياسية وتعديلات دستورية وقانونية جريئة وحازمة".

عضو ائتلاف النصر، سعد اللامي، بيّن أنّ "المال السياسي الذي يستخدم الآن يثير الاشمئزاز ويطرح أسئلة عن مصادره".

مخاوف بعض الأحزاب والتحالفات العراقية التي تتعلق بتزوير وعدم نزاهة الانتخابات، دعت أحزاب وتحالفات أخرى إلى طلب المراقبة الدولية.

فبعض الكتل والأحزاب السياسية أيّدت دور الأمم المتحدة، منها "التيار الصدري"، الذي وضع شرطاً وهو عدم تدخل باقي الدول في الانتخابات، وبعضها الآخر رفض ذلك الدور بحجّة أن إشراف المنظمات الدولية يعدّ "انتهاكاً للسيادة الوطنية".

إلى ذلك، أعلنت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عن أنّ  5.2 مليون دولار هي المنحة المالية المقررة لدعم فريق مراقبة الانتخابات في العراق، وذلك خلال جلسة لمجلس الأمن، قبل أيام.

أما رئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، جينين بلاسخارت، قالت في إحاطة قدمتها لمجلس الأمن إنّ "مصداقية الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في تشرين الأول المقبل، أساسية لمستقبل البلد"، فيما أشارت إلى "عدد موظفي الأمم المتحدة المنخرطين حالياً في هذه الانتخابات يعادل 5 أضعاف عدد الذين عملوا في الانتخابات التي أجريت عام 2018".

وفي وقتٍ سابق من الشهر الحالي، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مشاركة نحو 130 مراقباً دولياً في الانتخابات النيابية المقررة. وبحسب بيانٍ صادر عن المفوضية، فإنّ ذلك يأتي في إطار عمل مكتب المساعدة الانتخابية التابع لبعثة الأمم المتحدة بالعراق على توسيع آفاق المراقبة الدولية للعملية الانتخابية في البلاد.

وأكدت جمانة الغلاي المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن "دور الأمم المتحدة يتمثل في إبداء المساعدة في إجرائها، وقد رفدت المفوضية بعدد من الخبراء الذين سيمدون العمل الانتخابي بالمشورة الفنية والإدارية".

وقد نسقت مفوضية الانتخابات مع وزارة الخارجية لتوجيه 71 دعوة منها 52 دعوة لسفارات عربية وأجنبية لمراقبة العملية الانتخابية، وكذلك 19 منظمة دولية، وهناك تلبية لهذه الدعوات، بحسب الغلاي.

ومع هذه المعطيات المُركبة، قال عضو "تيار الحكمة" أيسر الجادري، للميادين، إنّ "الدولة قادرة على إتمام الاستحقاق في الانتخابات، لا سيما مع وجود مراقبين دوليين".

نجاح السباق الانتخابي في العراق يهدف إلى أمورٍ 3 أكّدها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال جلسات مؤتمر الحوار الوطني العراقي: الأول هو الوصول إلى انتخاباتٍ نزيهةٍ وعادلةٍ ومبكّرةٍ. والثاني يتعلق بضمان أمن المواطن ومحاربة السلاح المنفلت. والثالث هو معالجة نتائج الأحداث المؤلمة التي مرت بالعراق في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019.

من هنا نسأل، هل ستؤتي الانتخابات العراقية المُبكرة أكلها بالنسبة للوضع الأمني والخدماتي في العراق؟ وهل ستساهم التحالفات والأحزاب العراقية في إحداث نقلةٍ تصحيحية في الحياة السياسية وإنتاج واقعٍ جديد يعزز دور العراق ويدفع البلاد نحو استقرارٍ سياسي؟

يشهد يوم العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل انتخابات برلمانية في العراق، تكتسب أهمية كبيرة وينتظر منها أن تؤسس لمرحلة جديدة في التحالفات السياسية. تفرد الميادين مساحة واسعة لهذه الانتخابات تحت عنوان "يا عراق الخير".

اخترنا لك