انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين: الأزمة ثابتة والتخبط مستمر

لدى التدقيق في نتيجة انتخابات الكنيست 2022, هناك واقع اجتماعي وأيدلوجي متطرف يتجذر في "إسرائيل"

  • صعود معسكر اليمين الاسرائيلي في انتخابات الكنيست الـ25
    صعود معسكر اليمين الإسرائيلي في انتخابات الكنيست الـ ـ25 (صورة أرشيفية)

أغلقت صناديق الانتخابات الخامسة والعشرين للكنيست الصهيوني على نسبة تصويت هي الأعلى منذ انتخابات عام 2015 وبلغت 71،3% وفق لجنة الانتخابات الإسرائيلية.

النتائج المعلنة تطابقت فعلاً وتوقعات استطلاعات الرأي لغاية الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، أي قبل ساعات فقط من فتح صناديق الاقتراع أمام الجمهور.

  • نتائج انتخابات الكنيست 2022
    نتائج انتخابات الكنيست 2022

نتائج حسمت حصول حزب الليكود وحلفائه في معسكر اليمين على 65 من مقاعد البرلمان الــ 120، ما يعني أن بنيامين نتنياهو ضمن تأليف حكومته السادسة. أما الائتلاف الحكومي فحصل على 50 مقعداً فيما لم تعبر قائمة التجمع (بقيادة سامي أبو شحادة)، ولا حزب ميريتس المصنف يسارياً عتبة الحسم، وهي 3،25% من إجمالي أصوات الناخبيين. 

ماذا تعني هذه النتائج؟

· من دون أوهام، "إسرائيل" واضحة في تحولها نحو أقصى اليمين في السياسة. فوز الأحزاب المتدينة بعدد أكبر من المقاعد تجاوز 50% من مقاعد الكنيست، بنسبة مشاركة تعد مرتفعة نسبياً مقارنة بالجولات الانتخابية الثلاث الماضية، هذه "إسرائيل" بوجهها الحقيقي: صوّت ناخبوها بنسبة غير مسبوقة لتكون أكثر يمينية وشعبوية بما لا شك فيه. هي الأرقام تتحدث وخيارات الناخبين حسمت ماهية النظام السياسي المرتقب في الكيان الذي أقر برلمانه عام 2018 قانون القومية لتكون دولة يهودية، مضافاً إليها ادعاء الديموقراطية.

  • ارقام من انتخابات الكنيست 2022
    أرقام من انتخابات الكنيست 2022

· يقول محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، "إن نتنياهو سيشكل الحكومة، لكنها ستكون حكومة بن غفير. فالأخير بحسب فيرتر، هو من فرض سحره على الجنود، والشبان الذين يصوتون للمرة الأولى، وعلى غير المبالين والكسالى في مدن التطوير، الذين ساروا وراءه. وبن غفير، لا نتنياهو، دفع الناخبين الذين هلعوا من أحداث حارس الأسوار والعمليات في تل أبيب وإلعاد وبني براك، للتصويت لمعسكر اليمين. ما ثبّت بن غفير سياسياً مركزياً واضحاً، في نظر اليمنيين.

· ليست السياسة يمينية في "إسرائيل" وحسب، فلدى التدقيق في خلفيات وتوجهات من يرأس القوائم المتطرفة فيها أمثال: سموتريتش المستوطن الذي لا يتحدث بغير العبرية وبن غفير الذي يعد كاهانا مثالاً أعلى له ودرعي، التلميذ الوفي لعوفاديا يوسف، سيجد المرء أنه أمام واقع اجتماعي وأيدلوجي متطرف يتجذّر في التجمعات السكانية اليهودية المختلفة. نتحدث هنا عن مستوطنين يعيشون في بؤر استيطانية في الضفة الغربية وفي القدس ويحظون بشعبية واسعة بين اليهود المتدينين الذين لا يتأتئون في إعلان أهدافهم الصهيونية مثل بناء الهيكل في القدس وخطط تبادل السكان بين اليهود والعرب. ونتحدث أيضاً عن مدن مختلطة بين العرب واليهود كنهاريا التي كانت تصوت تاريخياً لأحزاب اليسار والوسط، لكن أصوات ناخبيها صبت بكثافة هذه المرة في حصيلة الصهيونية الدينية. 

· بحسب مركز للإحصاء في معهد التخنيون في حيفا، فإن عدد اليهود الحريديين ممن صوتوا لمعسكر اليمين يتزايدون بمعدل يتراوح بين 4%-7% سنويًّا، أي إن عددهم يتضاعف كل عقد تقريباً. ووفقاً لتقرير بعنوان "إسرائيل 2028"، فإن نسبتهم ستصبح نحو 20% من السكان اليهود عام 2028، أي بعد 6 سنوات من الآن، إذا استمروا على الوتيرة نفسها من التكاثر. تجدر الإشارة هنا إلى أن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي يقر بأن معدل ولادات المرأة الحريدية يفوق 6% فيما لا يتجاوز 2،9% في المجتمع اليهودي. كل هذا يؤدي إلى استنتاج واضح: "إسرائيل" ماضية في طريق التشدد وتذويت العقيدة الصهيونية بحذافيرها اجتماعياً ما ينعكس في صناديق الاقتراع، وبالتالي في حكوماتها المقبلة.

· مقاعد حزب العمل التاريخي الذي رأسه سابقاً إسحاق رابين، أحد أبرز أعضاء تنظيم البالماخ الإرهابي قبل تحوله إلى السلام، هي فقط أربعة مقاعد، وهو منضوٍ مع تحالف الائتلاف الحكومي. أما حزب ميريتس فخارج المعادلة البرلمانية. هذا يعني أن ادعاء وجود يسار إسرائيلي لم يعد له ترجمة في السياسة، وبالتالي فإن على من يعلّق أوهامه على شماعة أن هناك يساراً إسرائيلياً محباً للسلام مراجعة نفسه. 

· هذه الانتخابات كانت بين تيار يميني واضح التشدد وجنرالات حرب ومتشددين لا يقلون صهيونية عن اليمنيين كلابيد وليبرمان. وفحوى الصراع الانتخابي كان خليطاً من طموحات شخصية وتوجهات صهيونية متشددة وأوهام بتغيير في واقع الحال من داخل الكنيست، حال الأحزاب العربية التي سبق أن أوصت بغانتس لتشكيل الحكومة السابقة خشية عودة نتنياهو. ها قد عاد نتنياهو أقوى وعلى رأس معسكر يميني أكثر تشدداً ولم يكن لفلسطين ولا لقضيتها أو مفاوضات السلام حولها أي ذكر في البرامج الانتخابية، ما عدا لناحية زيادة مخصصات الاستيطان وضرورة تشديد العقوبات على المقاومين الفلسطينين. وفي الحقيقة فإن لابيد مهر برنامجه الانتخابي هو وغانتس بعملية "كاسر الأمواج" التي دفع ثمنها شهداء مجموعة عرين الأسود في نابلس وشباب كتيبة جنين من دمهم. وكل ذلك لم يكن كافياً في نظر الناخبين الإسرائيليين لاختيارهم مجدداً في سدة الحكم، الإسرائيليون يريدون سياسات أكثر تشدداً وتجذراً ضد الفلسطينين، ويريدون من يطلق أيديهم لبناء مزيد من المتسوطنات واقتحام المسجد الأقصى، وعليه حسموا خياراتهم في اتجاه اليمين الأكثر تشدداً...

· واقع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر أو الأرض المحتلة عام 1948 بات أكثر تعقيداً في السياسة، على الرغم من أنهم يعدون 17% من إجمالي عدد الناخبين. فبعد خطيئة القائمة المشتركة التوصية بغانتس لترؤس الحكومة الإسرائيلية بعد انتخابات عام 2019، انفصلت القائمة وخاضت الأحزاب الثلاث المعركة الانتخابية كل على حدة. وعلى الرغم من تصويت 55% من الناخبين العرب، فقد تقلصت مقاعد التمثيل العربي إلى 10، منها 5 للقائمة الموحدة بقيادة منصور عباس المنضوية في الائتلاف الحكومي مع لابيد وغانتس، و5 للجبهة العربية للتغيير بقيادة أيمن عودة وأحمد الطيبي التي ظلت خارج التحالفات المعلنة. أما حزب التجمع ،فقد حاز أكثر من 120 ألف صوت، ومع ذلك لم يعبر عتبة الحسم الانتخابية، وهو خارج الكنيست المبني على أراضٍ فلسطينية مغتصبة في تلة الشيخ بدر، غربي القدس المحتلة. 

بناء على هذه المعطيات، يستطيع نتنياهو تأليف حكومة هي السابعة والثلاثون في تاريخ الكيان، لكن متطلبات حلفائه وشروطهم قد تكون صعبة الإرضاء ما قد يعيد "إسرائيل" الى عتبة انتخابات جديدة على الرغم من حيازة معسكر اليمين أغلبية مرتاحة. "إسرائيل" ثابتة على أزمتها وتخبّطها السياسي مستمر، وإن كان مستتراً تحت أغطية صناديق الاقتراع. 

اخترنا لك