بين الشهيدين الدرة والرمانة.. كيف تجدد فلسطين جيل البطولات؟

الجيل الذي يقود الانتفاضة الآن أغلبيته من جيل الشهيد محمد الدرّة، فكيف تجدد فلسطين جيل البطولات؟ وما قدرتها على الصمود في ظلّ مسارات التطبيع المتسارعة؟

  • بين الشهيدين الدرة والرمانة.. كيف تغيّرت ديناميّة الانتفاضة بين الأمس والحاضر؟
    بين الشهيدين الدرة والرمانة.. كيف تغيّرت ديناميّة الانتفاضة بين الأمس والحاضر؟

بين شهيد البيرة محمد رمّانة التي ارتقى برصاص الاحتلال ليلاً، وشهيد غزّة محمد الدرّة الذي ارتقى بين ذراعي والده قبل أكثر من عقدين، مواكب الشهادة تتوالى في فلسطين، فيكاد لا يمرّ يومٌ من دون أن تودّع الضفّة الغربية شهيداً، لكن جذوة الاشتباك لا تنطفئ. أجيالٌ فلسطينية تتوارث المقاومة كابراً عن كابر، تقفز فوق الحواجز الإسرائيلية، وتؤكّد استمرار المدّ الثوري.

"مات الولد" نداءٌ لا يزال عالقاً لفي أذهان الفلسطينيين منذ ثلاثةٍ وعشرين عاماً، هي ذكرى استشهاد محمد الدرّة في غزّة في جريمةٍ زادت نيران الانتفاضة الثانية اشتعالاً. صورة الشهيد هزّت العالم، ونداء الشهادة تردّد في الضفّة التي كانت تعيش يومياً انتفاضة الأقصى، وتواصل اليوم مواجهة الاحتلال ودفع فاتورة الدم، فقد استفاقت على شهيدٍ جديد محمد رمّانة من مخيّم الأمعري اغتالته قوات الاحتلال بدمٍ باردٍ على أراضي البيرة، فيما خرج أبناء المخيّم في مسيراتٍ غاضبة وعمّ الإضراب رام الله والبيرة.

الجريمة الإسرائيلية تزامنت مع إغلاقٍ فرضه الاحتلال على الضفة الغربية، عشيّة عيد "العرش اليهودي"، وقوّة الاحتلال التي أعلنت الاستنفار لم توقِف مداهماتها لمدن ومخيّمات الضفة. 

قتلٌ يومي واعتقالاتٌ واقتحاماتٌ للمدن الفلسطينية، اعتداءاتٌ إسرائيلية متواصلة على الفلسطينيين وسط صمتٍ دولي وهرولةٍ عربيةٍ للتطبيع مع "إسرائيل" تعطيها الضوء الأخضر لمزيدٍ من العدوان. 

لكن جيل الذي يقود الانتفاضة الآن بغالبه هو من جيل الشهيد محمد الدرّة، فكيف تجدد فلسطين جيل البطولات؟ وما قدرتها على الصمود في ظلّ مسارات التطبيع المتسارعة؟

جيل البطولات

وإجابةً عن هذه الأسئلة، أكّد مدير مكتب الميادين في فلسطين المحتلة، ناصر اللحام، أنّ "أبناء جيل محمد الدرة والأصغر منه يقودون المرحلة على الأرض، ويحمون المدن الفلسطينية في الضفة الغربية"، موضحاً أنّ ذلك معناه أنّ "الفكرة الصهيونية فشلت استراتيجياً، فالأجيال تتوارث النضال، وتسلّم راية النضال والصمود والتحدي والفداء، وتستمر في ذلك". 

وأضاف اللحام للميادين: "نحن نتحدث الآن عن الجيل الخامس، الذي يُظهر بطولات لم نكن نعتقد أنّها موجودة بيننا، وهو يرفض أن يصمت".

وبشأن الأثر، الذي تركته صورة استشهاد محمد الدرة في الأذهان، وأهميتها في المعركة مع الاحتلال، أكّد اللحام أنّ "تلك الصورة كانت صادمة وأبكت الشعوب، لكنّ الأمر تحوّل إلى حرب الصورة مع الاحتلال، وهي حرب أقوى من ألف مقال".

ورداً على سؤال، بخصوص من الذي سيمتلك ناصية التاريخ بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة، أكّد اللحام للميادين أنّ من "سيمتلك ناصية التاريخ بالصيرورة والضرورة هو الجيل المقاوم القابض على الجمر، منذ عام 1928 لغاية اليوم". 

وشدّد على أنّ "هذا الشعب قرّر أن يثور حتى انطفاء القمر، بينما ستتفاجأ الولايات المتحدة والحركة الصهيونية أنّهما تورّطتا مع أصلب شعب على وجه الأرض، فاليوم لا شغل ولا شاغل لسكّان الأرض المحتلة سوى أن يكونوا ثوّاراً".

اقرأ أيضاً: محمد الدرة.. نموذج الطفل الفلسطيني في ميدانَي البطولة والتضحية

الشعب الفلسطيني يستطيع قلب المعادلات 

وبشأن التراجع الواضح للتنديد الرسمي بجرائم الاحتلال بحقّ الفلسطينيين، بيّن محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية، منذر سليمان، أنّ "المعسكر الذي يحمي الكيان الإسرائيلي مستمر في تجاهله تضحيات الشعب الفلسطيني، وإن كان هناك تنامٍ فعلي، على المستوى الشعبي، في تأييد نضال الشعب الفلسطيني". 

وتابع سليمان للميادين أنّ أحد الأسباب الأساسية لذلك بالفعل "هو دور الولايات المتّحدة المركزي المحوري، فإدارة بايدن، على سبيل المثال، تجاوزت مسألة التنديد بجرائم الاحتلال، على الرغم من خلافها مع بنيامين نتنياهو، ودفعت نحو التطبيع من دون أن تنظر إلى القضية الفلسطينية". 

وبشأن هذا الدفع الأميركي نحو التطبيع، وإمكان تحقق ذلك، أوضح سليمان أنّ "ترويج التطبيع، على المستويين الإعلامي والدعائي في الولايات المتحدة وعلى مستوى الإعلام الإسرائيلي، يُشير إلى كأنّه سيحدث غداً". 

وأضاف أنّ "أي دولة عربية تذهب إلى التطبيع من دون أي التزام بشأن القرارات العربية، حتى الحد الأدنى منها، لا تشكّل بالفعل تحقيقاً لكامل الحق التاريخي للشعب الفلسطيني، ومع ذلك فالتطبيع قائم".

وأشار، في السياق، إلى أنّ "بايدن يطمح إلى أن يُجري مراسم التطبيع الاحتفالية في حديقته في البيت الأبيض، بحضور نتنياهو وولي العهد السعودي، لتوظيف ذلك في الانتخابات الرئاسية".

وأكّد سليمان للميادين أنّ "الشعب الفلسطيني مستمر في النضال على الرغم من اتفاقيات التطبيع"، مشدداً على أنّ هذا الاستعداد للنضال غير المحدود "يستطيع قلب المعادلات"، لذلك، "لن يكون من السهل تمرير هذه المخططات التي تحاول تجاهل قضية الشعب الفلسطيني ونضاله".

المواجهة مع الاحتلال باتت إقليمية

أمّا بخصوص الانتفاضات في الأراضي المحتلة والتغير في أشكالها اليوم، فقال محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، قاسم عز الدين، إنّه "إذا قارنّا بين انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى وما يحدث حالياً في الأراضي المحتلة على مستوى الوطن الفلسطيني بكامله، فقد نجد أنّ الوتيرة غير متسارعة، لكنها متنامية".

وأضاف عز الدين للميادين أنّ "الانتفاضات السابقة كانت هبّة شعبية شملت كل الأراضي الفلسطينية، لكن الانتفاضة اليوم هي انتفاضة مستمرة على مستوى الوطن بصورة متقطّعة، لكن أيضاً بصورة متنامية، الأمر الذي يعني أنّ الانتفاضات لم تهدأ، ولم تهدأ المواجهة، كما لم تهدأ المقاومة، من حوّارة الى جنين، إلى نابلس، إلى غزة، وإلى كل الأراضي الفلسطينية".

ولفت أيضاً إلى مسألة التطوّر النوعي في المواجهة مع الاحتلال، فالمواجهة، بحسب عز الدين، "أصبحت مرتبطة بالمحور الإقليمي، إذ إنّ هناك أيضاً تنامياً للمقاومة، وكل ذلك شكل من أشكال الانتفاضات متعددة الجوانب، والموجّهة ضد الاحتلال الإسرائيلي، منذ اللحظة الأولى حتى اليوم، إلى تحرير فلسطين". 

اخترنا لك