سباق تسلح خطِر بين القوتين.. واشنطن بحاجة إلى حوارٍ أعمق مع بكين

مجلّة "Responsible Statecraft" الإلكترونية الأميركية، أكّدت أنّه لا يمكن مقارنة حقيقة الإنفاق العسكري بين كلٍ من الصين والولايات المتحدة، وذلك لعدّة عوامل، مشدّدة أنّه يجب على واشنطن أن تسعى إلى بناء الثقة مع بكين.

  • مبالغة الولايات المتحدة في الحديث عن نمو ميزانية الدفاع الصيني يقود إلى زيادة منسوب التهديد العالمي.
    مبالغة الولايات المتحدة في الحديث عن نمو ميزانية الدفاع الصينية، تقود إلى زيادة منسوب التهديد العالمي.

تسائلت مجلّة "Responsible Statecraft" الإلكترونية، التابعة لمعهد "كوينسي للدراسات" الأميركي، بشأن "حقيقة التحدي الذي يفرضه الإنفاق العسكري الصيني" على الولايات المتحدة الأميركية. 

وأكّدت المجلّة أنّه يجب على واشنطن تجنب اتباع نهج مثير للقلق، مع اتخاذ تدابير دبلوماسية للتخفيف من فرص حدوث سباقات تسلح أوسع بينها وبين الصين.

كما لفتت إلى أنّ زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأخيرة إلى الصين، سلطت الضوء على الحاجة إلى إدارة المنافسة العسكرية المتزايدة بين واشنطن وبكين، خصوصاً وأنّ بلينكن توقّع النجاح في استقرار العلاقات بين البلدين، لكنّه فشل في استئناف قنوات الاتصال العسكرية، وذلك وسط "قلقٍ أميركي بشأن التوسع البحري والنووي الصيني". 

وأشارت المجلّة إلى كون المقارنات المباشرة بين الإنفاق الدفاعي الأميركي والصيني، "مضلِّلة في أحسن أحوالها"،  وذلك على الرغم من تداول أنّ الإنفاق الدفاعي الرسمي للصين، والبالغ 292 مليار دولار، يُعتبر ضئيلاً إلى جانب الميزانية العسكرية الأميركية، والتي بلغت 877 مليار دولار.

وتُعتبر المقارنات المباشرة، تحتوي شيئاً من التضليل بسبب كون عمليات الميزانية والمحاسبة مختلفةً إلى حدٍ كبير، بحسب ما ناقشت المجلّة.

كما أنّه من الصعب تحديد الميزانية العسكرية الحقيقية للصين، وذلك بالنظر إلى الاختلافات الموجودة والواضحة في الميزانية، وفي القوة الشرائية بين كلٍ من الصين والولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ بكين لا تُظهِر الأرقام الكاملة والدقيقة لبرامج إنفاقها العسكري، والتي من المحتمل أن تكون أعلى بكثير من تلك المعلنة.

التقدير الخاطئ لقدرات الصين يعني قراراً خاطئاً 

وتناولت المجلّة إشارة الكثيرين إلى أنّ هذا "النمو غير المقيد في الإنفاق" لابد وأن يدق ناقوس الخطر بشأن "تحركٍ صيني وشيك باتجاه تايوان"، مشدّدةً بأنّ هذا الخوف في غير محله، حيث تؤكّد أنّ هذا يشير إلى "سباق تسلحٍ ناشئ في شمالي شرقي آسيا".

ومع تجدّد المنافسة بين القوى العظمى، والتي تُعتبر كلمة السر في الدوائر العسكرية وسلوكها، أشارت المجلّة إلى "خطرٍ كبير في المبالغة في تقدير العضلات العسكرية المتضخمة في بكين"، حيث يُبنى على هذه المبالغة مفاقمةً لسباق تسلحٍ خطِر.

وتعمل استثمارات الصين في التقنيات العسكرية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والقدرات السيبرانية، والأصول الفضائية، على تعزيز أهداف التحديث العسكري الصيني، وقدرة الأسلحة الصناعية على مدى العقود الثلاثة المقبلة، كما يجدر الإشارة إلى أنّ بكين تُعدّ بالفعل رابع أكبر مُصدّر صافٍ للأسلحة من حيث القيمة، حيث تمثل 5.2% من الصادرات العالمية.

وتستضيف الصين ثلاثة من أكبر 20 مصنعاً للأسلحة في العالم، تقاس بمبيعاتها مقارنةً بصفر في اليابان، وصفر في أستراليا، واثنين في الهند، حيث تحذّر المجلات الكبرى المختصّة بالفعل من سباق تسلحٍ جارٍ بين كلٍ من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والصين.

ولا يؤدي إخفاء الصين لميزانيتها العسكرية إلى خلق خيارات سياسية خاطئة لدى صُنّاع القرار الأميركيين فقط، بل قد يؤدي التقليل من تقدير الميزانية أيضاً إلى "الرضا عن النفس"، مما يؤدي إلى عدم الاستعداد لتهديدٍ عسكري محتمل من الصين، بحسب المجلّة.

كما يؤدي من ناحية أخرى، إلى المبالغة في التقدير، وبالتالي إلى إنفاقٍ عسكري غير ضروري ومكلف، وزيادةً في منسوب التوتر.

ويضر مثل هذا الارتباك في التقديرات، بشكلٍ متبادل، بالعلاقة الصينية الأميركية الأوسع، وهي العلاقة المتوترة أصلاً في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى التأثير على أولويات الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ويكمن الأسوأ من ذلك، في أنّ الغموض المحيط بالإنفاق العسكري الصيني يغذي المخاوف من "تحركٍ صيني عسكري باتجاه تايوان"،حيث تسارع وسائل الإعلام الغربية إلى الإثارة والتأكيد على أنّ الصين "تبني جيشاً للتحرك ضد تايوان بحلول عام 2027".

وأكّدت "Responsible Statecraft" أنّه مع ذلك، لا يبدي كبار مسؤولي الدفاع الأميركيين أي علامةٍ على أنّ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سيتخذ خطوةً ضد تايوان في السنوات القليلة المقبلة.

وفي هذا الصدد، يوضح رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة السابق، مارك ميلي، أنّ الجيش الصيني "لا يملك الوسائل لشن هجومٍ برمائي على تضاريس تايوان الجبلية الوعرة".

وفي الوقت نفسه، توصلت "نقاشات الحرب" في الكونغرس الأميركي، إلى أنّ الحرب بين واشنطن وبكين بشأن تايوان ستؤدي إلى "الموت والدمار على نطاقات لم نشهدها منذ عقود"، الأمر الذي يجعلها خياراً غير عقلاني.

وشدّدت المجلّة على أنّ سباق التسلح المتنامي في شمالي شرقي آسيا، يستحق تجديداً لمحادثات الاستقرار بين الصين والولايات المتحدة، وبين الصين وحلفاء الولايات المتحدة أيضاً، والتي "يمكن أن تلعب فيها الشفافية بشأن الميزانيات دوراً مفيداً".

كما يمكن للدبلوماسيين الأميركيين بدء "مناقشاتٍ غير رسمية على مستويات أدنى"، وذلك بهدف التعرف على الأولويات الصينية، والاستعداد للدخول في حوارٍ أعمق مع بكين.

ومع ذلك، وعلى عكس الحوارات الثنائية السابقة، تحتاج هذه الاجتماعات إلى الحفاظ على محادثة مستدامة ومفتوحة وبنّاءة لإيجاد حلول تفيد كلا البلدين.

كما أشارت المجلّة على أنّه يجب على الولايات المتحدة أن تقود نهجاً يشمل الحكومة بأكملها، للعمل على التوجيه نحو تحقيق الاستقرار.

اقرأ أيضاً: نحو عالم بلا هيمنة أميركية.. على واشنطن قبول الواقع الجديد

اخترنا لك