أغلبية الشباب في ألمانيا ترفض الالتحاق بالجيش.. لماذا؟

الجيش الألماني يواجه مشكلات كثيرةً، تعزّزت المخاوف بشأنها بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرنيا، ودفعت الشباب إلى استبعاد احتمال التحاقهم به.

  • وزير الدفاع الألماني أقرّ سابقاً بوجود تحدٍّ رئيسي يتمثّل في تجنيد الجيل القادم من الجنود

تُعدُّ الخدمة العسكرية في ألمانيا أمراً غير مطروح على الإطلاق بالنسبة للعديد من الشباب، ما يسلّط الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه الجيش الألماني، فيما يسعى جاهداً للبحث عن مجنّدين.

ويشكّل جذب كفاءات جديدة للجيش مهمةً ملحّةً، في وقت يسعى المسؤولون لزيادة عديد القوات، وتطبيق تعديلات "ضرورية جداً" في صفوف القوات المسلحة، خصوصاً بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وبعيداً من المسار التقليدي، المتمثّل بأن يصبح الشخص جندياً، يسعى الجيش الألماني أيضاً لشغل وظائف أخرى، بعضها عسكري والآخر مدني، مثل العمل كطهاة.

وفي محاولة لتغيير الوضع، أطلق الجيش الألماني "البوندسفير" حملةً إعلانيةً على شبكة الإنترنت وخارجها، خلال الأشهر الأخيرة، على أمل ضخّ دماء جديدة في المؤسسة.

وعلى الرغم من أنّ القوات الألمانية لا تقاتل في أوكرانيا، إلا أنّ القرب الجغرافي للنزاع أعاد إحياء مخاوف قديمة، بقيت مدفونةً على مدى عقود بعد الحرب العالمية الثانية.

وبما أنّ ألمانيا عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، تم استدعاء قواتها للمساعدة في حراسة مناطق التكتل المحاذية لروسيا، ما يعزّز احتمال اندلاع أنشطة قتالية.

في أوساط الجنود، لا يوجد سوى عدد قليل من المتطوعين من أجل نشرهم في الخاصرة الشرقية للحلف. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "دير شبيغل" مؤخراً، قدّم شخص واحد فقط من كل 5 أشخاص طلباً للانضمام طوعاً إلى الكتيبة المقاتلة، التي تخطّط برلين لتنشرها في ليتوانيا. 

واليوم، بات من الصعب إقناع الشباب الألمان بالانضمام إلى "البوندسفير"، خصوصاً أنّهم معتادون على نمط حياة "مريح"، في أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، التي تعاني اليوم تضخماً وركوداً.

اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال": ألمانيا تفقد بريقها والعثور عليه مرة أخرى لن يكون سهلاً

حالة يُرثى لها

الاستثمارات الضئيلة على مدى عقود تركت الجيشَ الألماني في حالة يُرثى لها. وتجلّى حجم المشكلة في آذار/مارس الماضي، عندما حذّرت ممثلة الجيش في البرلمان، إيفا هوغل، من أنّ القوات المسلّحة "لديها القليل من كل شيء".

كذلك، أعلنت المفوضة البرلمانية الألمانية المكلّفة التدقيق في الجيش أنّ بعض أقسام نوم الجنود كانت تفتقر إلى خدمة "واي فاي"، وحتى إلى مراحيض تعمل.

وقالت هوغل حينها إنّ النقص في المعدّات، التي تشمل حتى الخوذ، تعوق تدريبات الجيش وجهوزيته، منتقدةً هوغل المستشار الألماني، أولاف شولتس، بسبب عدم وفائه بوعده بتجديد مخزون الأسلحة الذي سلّمه إلى أوكرانيا.

وغداة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتحديداً في كانون الأول/ديسمبر الماضي، كشف شولتس، عن صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو (107 مليارات دولار) لإصلاح المسائل العالقة منذ مدة طويلة.

إلا أنّ وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، أكد أنّ هذا المبلغ غير كافٍ لتحديث الجيش وصيانة معدّاته.

اقرأ أيضاً: "ذي إيكونوميست": جيش ألمانيا في حالة يرثى لها.. مخزوناته تكفي لبضعة أيام

هذا الخلل ليس حديثاً، إذ إنّ الجيش الألماني عانى عدة مشكلات حتى قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وذلك خلال فترة تولي رئيسة المفوضية السياسية للاتحاد الأوروبي، أرسولا فون دير لاين، منصب وزيرة الدفاع، بين عامي 2013 و2019.

وبفضل قيادة فون دير لاين، جزئياً، لا يزال جنود الجيش الألماني يفتقرون إلى أبسط المعدات، من أجهزة الراديو الحديثة، ومعدات الرؤية الليلية، والدروع الواقية للبدن، والخوذات اللاسلكية المدمجة، والأحذية القتالية، وحتى الملابس الداخلية الحرارية، والملابس الواقية من الماء.

وأثناء تلك الفترة، وتحديداً في عام 2015، كانت القوات الألمانية سيئة التجهيز، لدرجة أنّها اضطرت لاستخدام عصي المكنسة، بدلاً من المدافع الرشاشة في تمرين لحلف شمالي الأطلسي، كما أوردت مجلة "سبيكتاتور" البريطانية.

ووفقاً للمجلة، اتضح أيضاً حينها أنّ البنادق الألمانية "لا تطلق النار في درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية".

وبحلول عام 2019، كان مخزون ذخيرة "البوندسفير" منخفضاً جداً، حتى إنّه كان سينفد، بعد يومين أو ثلاثة أيام من القتال، بحسب ما ذكرت "سبيكتاتور".

وذكرت المجلة أيضاً أنّه في العام نفسه، استخدم الجنود الألمان الهواتف المحمولة في تمرين آخر، لأنه لم يكن لديهم أجهزة اتصال مشفرة.

تحدٍّ ديموغرافي

بدأت جهود تعزيز الجيش في ألمانيا منذ قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ أُعلن قبل عدة سنوات عن هدف زيادة عديد القوات إلى 203 آلاف بحلول 2031، مقارنةً مع 181 ألفاً حالياً.

وكشف وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، مؤخراً عن تراجع عدد الطلبات الفعلية للانضمام إلى الجيش بنسبة 7%، وذلك في الأشهر الـ5 الأولى من العام الحالي مقارنةً مع السنة الماضية.

لكن بيستوريوس الذي تولّى منصبه في كانون الثاني/يناير، أقرّ بأنّ العدد "طموح" وتجري حالياً إعادة النظر فيه.

وفي أوائل آب/أغسطس الماضي، أعلن بيستوريوس أنّ نسبة المنسحبين من الجيش خلال فترة التدريب تصل إلى 30%، وأنّ الجيل الأصغر سناً أبدى مخاوف بشأن تحقيق توازن بين العمل والحياة أكثر من الماضي، وهو ما يصعب التوصّل إليه مع وظيفة في الجيش.

وأشار إلى أنّ عدد الناس في الفئة العمرية من 14 إلى 25 عاماً سيكون أقل بنسبة 12%، بحلول عام 2050، لافتاً أيضاً إلى أنّ شيخوخة السكان، التي تؤدي إلى نقص اليد العاملة في العديد من  القطاعات، تجعل التجنيد العسكري صعباً أيضاً.

اقرأ أيضاً: وزير الدفاع الألماني: الجيش غير قادر على الدفاع عن أرضه

وأقرّ بيستوريوس بوجود تحدٍّ رئيسي يتمثّل في تجنيد الجيل القادم من الجنود، وذلك في حديثه خلال زيارة لمركز توظيف تابع للقوات المسلحة في شتوتغارت.

وقال وزير الدفاع الألماني للصحافيين: "الجميع يتحدث عن نقص في عدد أفراد البوندسفير، ولا أحد يعلم ذلك أفضل منّي"،

ويعاني الجيش الألماني أيضاً من سمعته، بعدما كُشف عن تعاطف شخصيات بارزة في القوات الخاصة مع اليمين المتشدّد. وعلى غرار الوضع بالنسبة لقطاعات أخرى، تتقلّص خيارات الجيش لدى محاولته التجنيد نظراً إلى شيخوخة المجتمع الألماني.

وقال المستشار المهني في "إسن"، هيكو أو، الذي يحضر مناسبات لحشد الاهتمام بالجيش ويلتقي مجنّدين محتملين، إنّ "التغيّر الديموغرافي يُعدُّ بالتأكيد تحدياً هائلاً".

وأضاف: "لدينا عدد أقلّ من الشباب الباحثين عن وظائف والعديد من أرباب العمل، لأنّ المنتمين إلى الأجيال الأكبر سنّاً ببشاطة يتقاعدون الآن".

الحكومة الألمانية تخشى خطة بوتين العسكرية

وفي حين يعاني "البوندسفير" من "حالة يُرثى لها"، يبني الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين جيشاً من الملايين، كما قالت صحيفة "بيلد" الألمانية، وهذا لا يهدد أوكرانيا فحسب، بل "الناتو" أيضاً، والحكومة الألمانية تخشى خطته العسكرية.

ووفقاً للصحيفة الألمانية، فإنّ بوتين قادر "على شنّ حرب لوقت طويل للغاية"، لأنّه، من حيث عدد الجنود على الأقل، لا تزال هناك احتياطيات كبيرة.

وبحسب "بيلد"، سيتمكّن الجيش الروسي الآن من الاعتماد على أكثر من مليوني جندي احتياط، حيث سيرفع الحد الأدنى للسن، ففي المستقبل، يمكن تجنيد الرتب مرة أخرى حتى سن الـ40، ويمكن حتى استدعاء الضباط للخدمة، في القوات المسلحة في تدرجات مختلفة حتى سن الـ70.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ الهدف الأولي هو زيادة عدد الجنود النشطين بمقدار 400 آخرين إلى مليون ونصف، وفقاً لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو. 

وبحسب خبراء الحكومة الألمانية، يمكن لروسيا زيادة عدد الجنود النشطين إلى ما يصل إلى 3 ملايين، إذا كان مسار الحرب في أوكرانيا يجعل ذلك ضرورياً، وأضافت الصحيفة أنّ موسكو "مستعدة لخوض الحرب لمدة عامين أو 3 أعوام أخرى".

وفي هذه الحالة، يحذّر الخبراء من أن مئات الآلاف من الجنود الروس الذين لديهم عدة سنوات من الخبرة في الحرب يمكن أن يكونوا في مرحلة ما على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

اخترنا لك