الغرب فرض عقوباته القاسية ثم تراجع.. هل تقترب محاسبة روسيا من نهايتها؟

حزمة العقوبات الصارمة والهائلة التي فرضتها دول الغرب والولايات المتحدة على الاقتصاد الروسي لإضعافه، ودفع الرئيس الروسي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، أتت بنتائج عكسية.

  • فرض عقوباته القاسية ثم تراجع.. هل تقترب محاسبة روسيا من نهايتها؟
    فرض عقوباته القاسية ثم تراجع.. هل تقترب محاسبة روسيا من نهايتها؟

لم تنجح إستراتيجية العقوبات الصارمة التي فرضتها الدول الغربية والآسيوية على روسيا بالإضرار بالاقتصاد الروسي، ودفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التراجع عن العملية العسكرية التي شنّها في أوكرانيا، قبل نحو  خمسة أشهر.

على أمل أن يستسلم الرئيس الروسي وفق ما هو مخطط، فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عقوبات حازمة على موسكو، تمثلت بتوجيه ضربة مالية كبيرة إلى روسيا، وخزائن الكرملين، وجيوب الشعب الروسي، إذ صادرت ممتلكات أثرياء، وأقصت الشركات المالية في البلاد من نظام الخدمات المصرفية الدولي "سويفت"، وجمدت مئات مليارات الدولارات في المصارف الخارجية.

ويمكن القول إنّ العقوبات ارتدت سلباً على الغرب نفسه، فها هو الاتحاد الأوروبي يستعد لإعلان تخفيف العقوبات المفروضة على عدد من المؤسسات الروسية المرتبطة بالحبوب والقمح، والصناعة الغذائية، فيما يشبه رضوخاً للواقع الغذائي العالمي وللمطالب الروسية، وبعد التساؤلات التي أثيرت حول فعالية هذه العقوبات التي تبين أنّها أضرّت خصوصاً بالغذاء العالمي، بعد انهيار سلاسل التوريد. 

وستشهد شبكة العقوبات الأوروبية بعد أيام تغييراً في هيكليتها، بشكل يبتعد عن المؤسسات التي لها علاقة بالغذاء، حتى وإن كانت هذه المؤسسات على صلة وثيقة بالرئيس الروسي.

وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أنّ الاتحاد الأوروبي سيبحث أيضاً رفع بعض العقوبات عن الروس، بسبب ضعف أساسها القانوني، وفق محامين أوروبيين.

إلى جانب تعثر إمدادات النفط والغاز الروسي، تعثرت أيضاً إمدادت الحبوب والأسمدة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، وتجلّى هذا الأمر في أزمة غذاء عالمية باتت مخاطرها تظهر في بعض الدول الفقيرة. وسبق أن صرّح الرئيس الروسي بأنّ العقوبات المفروضة على بلاده هي "ضربة خطرة موجهة للاقتصاد العالمي قبل روسيا".

ويبدو أن أزمة الحبوب الأوكرانية التي تأثرت بها معظم الدول شارفت على نهايتها، بعد توقيع اتفاقية الأغذية بين روسيا والأمم المتحدة وتركيا في اسطنبول، لتصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا.

ووفق هذه الاتفاقية، ستتمكن أوكرانيا من تصدير نحو 22 مليون طن من الحبوب والمنتوجات الزراعية الضرورية الأخرى، والتي كانت عالقة في موانئ أوكرانيا المطلّة على البحر الأسود. 

بعد أيام من المفاوضات حول القمح الأوكراني، وتوفير ممرات آمنة لإخراجه من الموانئ، يبدو أنّ الاتحاد الأوروبي وافق ورضخ للشروط الروسية، بالسماح بتصدير القمح الروسي نحو العالم. وستصدر مسودة القرار الأوروبي، الذي وافق عليه سفراء الاتحاد، بانتظار اعتماده رسمياً مطلع الأسبوع المقبل.

وأشارت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إلى أنّ "الأزمة في أوكرانيا والعقوبات الهائلة على روسيا تسبّبت إلى ارتفاع شديد في أسعار الطاقة والغذاء، وستجبر الصندوق على خفض توقعاته للنمو العالمي الشهر المقبل".

وتحتل روسيا المرتبة الأولى في تصدير القمح عالمياً، إذ تمثّل 18% من الصادرات العالمية بقيمة 7.9 مليارات دولار أميركي.

توجه أوروبي لإلغاء حظر مبيعات النفط الروسي 

وإضافة إلى ذلك، يعمل الاتحاد الأوروبي على تعديل العقوبات على النفط والغاز الروسي، إذ ستتمكن شركتا "روسنفت" و"غازبروم" الروسيتان من شحن النفط إلى دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعدما اتفقت عليها الدول الأعضاء بهدف الحد من المخاطر على أمن الطاقة العالمي.

وأوقفت شركات تجارية كبرى مثل "فيتول"، و"جلينكور"، و"ترافيجورا"، وكذلك شركات نفطية كبرى مثل "شل"، و"توتال"، التعامل بالنفط الروسي مع دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بسبب العقوبات، بما في ذلك القيود على التأمين.

وخضع توربين غاز "سيمنز إنرجي" لخط أنابيب "نوردستريم 1" الروسي لأعمال صيانة لمدة 10 أيام. وذكرت الحكومة الألمانية أنّها ستسلم روسيا التوربين بعد صيانته في أسرع وقت ممكن، حتى لا يكون "ذريعة" لوقف توريد الغاز، في وقت كان يخضع فيه للعقوبات، ويتوقف عليه استمرار تشغيل "نورد ستريم 1".

وخفضت "غازبروم" منذ حزيران/يونيو الماضي، بشكل كبير إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" في بحر البلطيق، مع خروج توربين "سيمنز إنرجي" عن العمل.

وبحسب تقرير صحافي روسي، أرسلت كندا إلى ألمانيا التوربين الذي يُستخدم لمحطة "بورتوفايا" الروسية لـ "نورد ستريم1" بعد أن "تمّ صيانته" في كندا.

وكانت العقوبات تسمح لشركات الاتحاد الأوروبي بشراء الخام الروسي المنقول بحراً وتصديره إلى دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكن بموجب تعديلات على العقوبات المفروضة على روسيا والتي دخلت حيز التنفيذ، لن يتم حظر المدفوعات المتعلقة بمثل هذه الشحنات.

وستسمح الدول الأوروبية أيضاً بتوسعة نطاق الإعفاء من حظر الدخول في معاملات مع بعض الكيانات المملوكة للدولة الروسية، فيما يتعلق بالمعاملات الخاصة بالمنتجات الزراعية، ونقل النفط إلى دول من طرف ثالث.

وفي وقت سابق، قالت الكاتبة كيت أندروز في مجلة "سبكتاتور" البريطانية إنّ أوروبا لم تجد أي بديل عملي لإمدادات الطاقة الروسية، لذلك فهي تواصل الشراء من موسكو. 

تخفيف العقوبات الأميركية

بالتوازي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية رفع العقوبات عن استيراد الأسمدة، والأغذية، والبذور، والأدوية، والمعدات الطبية من روسيا. واستبقت ذلك برفع العقوبات عن مصرف "ألفا بانك" الروسي في كازاخستان، وشركة "غازبروم جرمانيا" في ألمانيا.

وسبق أن أكدت نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أنّ واشنطن وحلفاءها بحاجة إلى إمدادات النفط الروسية في الأسواق العالمية، وإلا فإنّ تكلفة هذا المورد ستبدأ في الارتفاع مرة أخرى عالمياً.

واعتبرت المسؤولة الأميركية أنّ تحديد سعر النفط الروسي، بحسب واشنطن وحلفائها، يجب أن يكون من قبيل الحدّ من الأرباح التي تجنيها موسكو من بيع "الذهب الأسود"، مع الحفاظ على حافز لمواصلة إمداد الأسواق العالمية بهذا المورد.

وعلى الرغم من العقوبات الهائلة والصارمة التي فرضت على روسيا، حصدت الأخيرة المزيد من الأموال من نفطها وغازها، هذا العام، أكثر من أي وقت مضى.

وقال المشرف على السياسة النقدية في البنك المركزي الروسي، كيريل تريماسوف، إنّ "الاقتصاد الروسي يُظهر الآن دلائل على الاستقرار، بعد تأثير العقوبات الغربية، والتي لم يسبق لها مثيل".

اخترنا لك