موسم قطف الزيتون: نضال فلسطيني ضد الإرهاب الإسرائيلي

يمثّل موسم قطف الزيتون في فلسطين المحتلة تحدياً آخرَ للفلسطينيين لمواجهة "إسرائيل" ومحاولتها محوَ الهوية الفلسطينية. شجرة الزيتون ليست شجرة مجرّدة فقط، بل ترمز إلى الأرض المحتلة، والتاريخ، والوجود.

  • موسم قطف الزيتون: نضال فلسطيني ضد الإرهاب البيئي الإسرائيلي
    موسم قطف الزيتون: نضال فلسطيني ضد الإرهاب الإسرائيلي

طغت أعمال التخريب والاعتداءات الإسرائيلية على موسم قطاف الزيتون هذا العام، مثل كل عام، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض العائدات بسبب الآثار المدمِّرة للإرهاب الإسرائيلي.

يسلط هذا التقرير الضوء على واقع مواسم قطاف الزيتون لدى الفلسطينيين، وما يمثله لهم من مردود مادي واعتبار معنوي ووطني، بالإضافة إلى ما يواجهونه من تعدّ مستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي على جنى أعمارهم.

يقول الفلسطيني عبد، من الضفة الغربية المحتلة، إن "إسرائيل لا تكترث للبشرية. فهل ستكترث لشجرة زيتون؟".

يواجه الفلسطينيون تحدياً ثلاثياً خلال موسم قطاف الزيتون، الذي يتم في شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، وخصوصاً في الضفة الغربية المحتلة، وفقاً لتقرير صدر مؤخَّراً عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

يتمثّل هذا التحدي الثلاثي أولاً بالقيود المفروضة على المزارعين، الذين تقع حقولهم خلف الجدار الفاصل في الضفة الغربية وقرب المستوطنات. ويتمثّل ثانياً بتزايد المضايقات والعنف من جانب المستوطنين والبؤر الاستيطانية تجاه المزارعين وممتلكاتهم، والتي تزداد بصورة ملحوظة عادةً خلال موسم قطاف الزيتون، بالإضافة إلى الآثار المتزايدة لتغير المناخ.

وتُظهر بيانات اللجنة الدولية أنه تمّ تدمير أكثر من 9,300 شجرة في الضفة الغربية خلال فترة عام واحد (آب/أغسطس 2020 – آب/أغسطس 2021). ويزيد هذا في تعقيد الوضع الصعب بالفعل ويعمّق الأزمة، إذ يتعيّن على المزارعين، الذين تقع حقولهم خلف الجدار الفاصل أو قرب المستوطنات، التقدُّم من أجل الحصول على تصاريح خاصة والتنسيق مسبَّقاً من أجل الوصول إلى أراضيهم.

تقول رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في القدس المحتلة، إلس ديبوف، "إنني لاحظت اللجنة الدولية على مدار السنوات ارتفاعاً موسمياً في أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون المقيمون ببعض المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية تجاه المزارعين الفلسطينيين وممتلكاتهم، في الفترة التي تسبق موسم قطاف الزيتون، وكذلك خلال موسم الحصاد في شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر".

وتضيف أن "المزارعين يتعرّضون أيضاً لأعمال مضايقة وعنف، تهدف إلى منع نجاح المحصول، ناهيك بإتلاف معدّات الزراعة واقتلاع أشجار الزيتون وإحراقها. إنّه لأمرٌ مقلقٌ للغاية، وسنواصل حوارنا مع السلطات المسؤولة في شأنه".

وعلاوةً على القيود والعنف المستمر، أدت التغيُّرات المناخية وأنماط الطقس المتغيّرة إلى تفاقم الأزمة بالنسبة إلى المزارعين، إذ شهد عام 2020 موسماً سيئاً للغاية بالنسبة إلى قطف الزيتون، وانخفاضاً بنسبة 55 % في محصوله. ويعزى ذلك إلى ظاهرة "المعاومة"، أو "التناوب" بين الحمل الغزير والحمل الخفيف، وهي ظاهرة يعاني جرّاءها بعض أشجار الفاكهة، إلى جانب التوزيع غير المتكافئ لهطول الأمطار ودرجات الحرارة القصوى خلال مرحلة النمو.

  • منذ عام 1967 حتى عام 2012، اقتلعت قوات الاحتلال الإسرائيلي 800 ألف شجرة زيتون في الضفة الغربية
    منذ عام 1967 حتى عام 2012، اقتلعت قوات الاحتلال الإسرائيلي 800 ألف شجرة زيتون في الضفة الغربية

في الشهر الماضي، تم الإبلاغ بشأن 365 هجوماً للمستوطنين الإسرائيليين على المزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وتم، هذا العام، اقتلاع ما يقرب من 8000 شجرة زيتون، علماً بأن الموسم لم ينتهِ بعدُ.

ومنذ عام 1967 حتى عام 2012، اقتلعت قوات الاحتلال الإسرائيلي 800 ألف شجرة زيتون فلسطينية في الضفة الغربية، بحسب دراسة نشرها معهد الأبحاث التطبيقية في القدس المحتلة، "أريج".

وتقول منى، من الضفة الغربية، إن "ما رأته أعيننا: أرض قاحلة، والعشرات، بل ربما المئات من أشجار الزيتون المقتلَعة". 

وتضيف أن "عمي أُصيب بسكتة دماغية عند رؤية الأشجار تُقطَع أمامه".

أمّا الفلسطيني فؤاد، من قرية رابا في جنين، فيقول "إن جَنى العمر اختفى في ثانية. الأمر أشبه بمشاهدة أطفالي يُقطَّعون أمام عينَيّ".

اتحاد لجان العمل الزراعي: الاحتلال يريد اقتلاع الفلسطينيين كلياً من فلسطين

في مقابلة حصرية مع الميادين نت، قال مدير البرامج والمشاريع في اتحاد لجان العمل الزراعي في فلسطين (UAWC)، مؤيد بشارات، إن "الاتحاد نظّم حملة سنوية لمساعدة المزارعين الفلسطينيين في موسم حصاد الزيتون"، مشيراً إلى أن "250 متطوعاً من عدة جامعات فلسطينية شاركوا في حملة هذا العام".

وأضاف بشارات أنه "تم الإبلاغ بشأن 95 اعتداءً إسرائيلياً على فلسطينيين خلال الحملة". 

وعلّق على قرار "إسرائيل" تصنيفَ اتحاد لجان العمل الزراعي بين خمس منظمات فلسطينية أخرى كجهة "إرهابية"، فقال "إننا، كمؤسسة زراعية فلسطينية، نتعرَّض لحملات الاضطهاد والتحريض من جانب المنظمات الإسرائيلية منذ أكثر من عشر سنوات".

وأضاف أن "الاحتلال ومستوطنيه لديهم مشروع استعماري عنصري في المنطقة، لا يقتصر على نهب الأرض ومصادرتها واحتلالها فقط، بل يمتد إلى اقتلاع الفلسطينيين كلياً منها".

وتابع أن "هذا التصنيف يقدِّم إسرائيل كِياناً مارقاً ضد القانون الدولي"، موضحاً أن "تعريف مجلس الأمن للإرهاب يتجسَّد، في صورة كاملة، في المستوطنين والاحتلال، الذي يقتل الأطفال والنساء، ويقبض على الأبرياء، ويهدم المنازل".

"لا أستطيع دخول أرضي"

  • سلطات الاحتلال الإسرائيلية تحدد عدد الأيام التي يمكن فيها للمزارعين الوصول إلى أراضيهم
    سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحدّد عدد الأيام التي يمكن للمزارعين الوصول فيها إلى أراضيهم

"لديّ 20 دونما من شجر الزيتون. لا أستطيع دخول أرضي. قوات الاحتلال تمنعنا من المرور. يعتدي عناصرها علينا كلما رأونا في المنطقة. يسرقون مياهنا ويخرّبون أشجارنا. أنا أعيش في خوف دائم من فقدان أرضي"، تقول ريما، من الضفة الغربية.

يُحرَم المزارعون الفلسطينيون من حقهم الأساسي في الوصول إلى أراضيهم، باستثناء أيام قليلة في السنة. تتضاءل معدلات الموافقة على التصاريح الإسرائيلية لدخول الفلسطينيين أراضيَهم على مر السنين، الأمر الذي يعوّق الأنشطة الزراعية الأساسية، وهو ما يؤثّر في إنتاجية الزيتون وقيمته.

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، انخفض معدل الموافقة على طلبات دخول الفلسطينيين أراضيَهم، منذ عام 2014 إلى عام 2019، من 71 % إلى 37 %، ثم انخفض المعدّل أيضاً في عام 2020 إلى 24 %.

علاوة على ذلك، أصدرت السلطات الإسرائيلية لوائح دائمة جديدة في أيلول/سبتمبر 2019، تحدّد عدد الأيام التي يمكن للمزارعين فيها الوصول إلى أراضيهم.

لا دخل آخر

  • يمثّل قطف الزيتون أحد مصادر الرزق الرئيسية للمزارعين الفلسطينيين
    يمثّل قطف الزيتون أحد مصادر الرزق بالنسبة إلى الفلسطينيين

يمثّل قطف الزيتون أحد مصادر الرزق الرئيسية بالنسبة إلى المزارعين الفلسطينيين، إذ تعمل أكثر من 100,000 أسرة في هذا المجال. والأشجار المخرّبة تعني دخلاً أقلَّ، وفرصاً أقلّ للعائلات الفلسطينية.

تبلغ قيمة قطاع الزيتون بأكمله، بما في ذلك المنتوجات التي تتفرع منه، مثل زيت الزيتون وزيتون المائدة والمخلّلات والصابون، أكثر من 100 مليون دولار سنوياً، وفقًا لـ"أوكسفام".

وبحسب معطيات الأمم المتحدة، تغطي أشجار الزيتون نحو 48 % من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتشكّل أشجار الزيتون 70 % من إنتاج الفاكهة في فلسطين، ونحو 14 % من الاقتصاد الفلسطيني، كما يُستخدم 93 % من محصول الزيتون في صناعة زيت الزيتون.

يقول مؤيد، من الضفة الغربية، إنه "ليس لديّ أي دخل آخر. كنت أعوّل على موسم الحصاد هذا من أجل توفير الطعام للمائدة، وقبول ابني في الكلية. بعد أن اقتلع المستوطنون الإسرائيليون أشجار الزيتون الخاصة بي، لا أستطيع تحمُّل أيّ أعباء مادية. ابني فقد الأمل للتو في الذهاب إلى الجامعة".

ولا تزال تجارة الضفة الغربية معزولةً، إلى حدّ كبير، عن الأسواق العالمية، بسبب القيود المفروضة على حركة البضائع من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإليها وداخلها، وفقاً لدراسة أجراها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في تموز/يوليو 2011.

يقول زكريا، من الضفة الغربية المحتلة، إن "خسارتي مدمِّرة للغاية لعائلتي وزملائي في العمل. لم أستطع تصدير زيت الزيتون البكر بسبب القيود الإسرائيلية الصارمة. من الصعب علينا قبول هذا الكابوس".

"نحن أشجار الزيتون"

  • عابد: هذه المرأة الفلسطينية تتمسك بالشجرة لأنها ترمز إلى طفولتها وعائلتها وخوفها من اقتلاعها من أرضها
    عبد: هذه المرأة الفلسطينية تتمسك بالشجرة لأنها ترمز إلى طفولتها وعائلتها وخوفها من اقتلاعها من أرضها

"علاقتنا بأشجار الزيتون غير عادية. إنها ليست مجرد شجرة. إنها جزء من ذاكرة طفولتي"، يشرح عبد مبتسماً تحت شجرة زيتون قديمة، يبلغ ارتفاعها 12 متراً.

"أشجار الزيتون تذكير دائم بأن الخطر يقترب منا. يهدف الكيان المحتل إلى اقتلاع هويتنا وبناء هوية جديدة مغايرة لهويتنا"، يضيف عبد.

وفي حديث خاص بالميادين نت، يتابع الشابّ الفلسطيني قائلاً إن "إسرائيل تريد محو ذكرياته، وإبعاده عن الوجود"، مؤكداً أن شجرة الزيتون الفلسطينية هي في منزلة رمز.

ويقول "إننا نشبه أشجار الزيتون. التشابه يوضح كيف يريد الاحتلال الإسرائيلي اقتلاع الفلسطينيين وطردهم من أرضهم، مثلما يقتلع شجرة زيتون. إسرائيل تريد قتلي بالطريقة نفسها التي تقتل عَبْرَها شجرة زيتون، وتريد أن تبني مستقبلاً جديداً على أنقاض ماضينا".

ويعلّق عبد على الصورة الشهيرة لامرأة فلسطينية عجوز تمسك بشجرة زيتون، بالقول إن "هذه المرأة الفلسطينية لا تتمسَّك بالشجرة، لأنها شجرة. شجرة الزيتون ترمز إلى طفولتها وحبِّها الأول، وتجمّع عائلتها، وجذورها وخوفها من اقتلاعها من أرضها".

"شجرة الزيتون مهمة للغاية، لأنها تمثل هويتنا الفلسطينية. إنها مرتبطة مباشرة بأرضنا وصمودنا وقدرتنا على الصمود"، وفق تعبيره.

واختتم حديثه بالقول "كما يقتلعون أشجار الزيتون في أرضنا ونعيد زرعها، سنحرر فلسطين ونعود إليها".

اخترنا لك