كرة القدم اللبنانيّة ورحلة البحث عن الحياة مع انطلاقة الدوري

الدوري اللبناني لكرة القدم ينطلق في ظروف صحية واقتصادية صعبة، في رحلة نحو إنقاذ ما تبقى من اللعبة.

  • كرة القدم اللبنانيّة ورحلة البحث عن الحياة مع انطلاقة الدوري
    تمّ افتتاح النشاط الكروي مع دورة "الكابتن" التنشيطية (إسماعيل عبود)

دخلت كرة القدم اللبنانية إلى غرفة العناية الفائقة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، عقب أسابيع قليلة على انطلاق الدوري المحلي، وذلك بعد تظاهرات شعبية، وأزمة اقتصادية إثر انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، واستنكاف الأندية من خوض تدريباتها، ليسعى بعدها الاتحاد إلى إحياء المنافسة من دون جدوى، قبل أن يقضي فيروس كورونا على الأمل الباقي بإكمال الموسم، ولو من باب مسابقة الكأس.

وقد فرض تفشي الفيروس "التاجي"، إضافة إلى تأزّم الوضع الاقتصاديّ، أجندة مختلفة على الأندية، حتى تلك التي كانت تخوض منافسات كأس الاتحاد الآسيوي، والتي توقّفت بدورها في شباط/فبراير الماضي، قبل أن يعلن الاتحاد الآسيوي رسمياً إلغاء البطولة التي يحمل العهد لقبها لهذا الموسم.

وقد استمرّ توقّف النشاط الكروي بشكل تام بعد إعلان التعبئة العامة والإقفال جرّاء تفشي "كوفيد-19". وطيلة أشهر، غاب اللاعبون عن الملاعب، ليعود الاتحاد ويقرر استئناف النشاط الكروي بشكل إلزامي عبر بطولتي النخبة والتحدي اللتين لم تكتب لهما الإقامة، نتيجة حالة الإغلاق التي فرضها الارتفاع الملحوظ لحالات الإصابة بكورونا، وكذلك انفجار مرفأ بيروت.

وعوّضت الأندية هذا الظرف الطارئ من خلال انخراطها في ورشة تحضيريّة استعداداً للموسم المقبل بعد فترة التوقف القسري، بعدما حدّد الاتحاد اللبناني موعداً لانطلاق الدوري بلاعبين محليين فقط، بعد أن فرض الارتفاع الهائل لسعر صرف الدولار نفسه على عملية استقدام اللاعبين الأجانب، إضافة إلى القيود المصرفية حتى على أندية المقدمة، من أجل الاستغناء عن فكرة اللاعب الأجنبي.

وطلب الاتحاد من الأندية إشراك لاعبين شباب لمدة معقولة، كما رفض تسجيل أكثر من 8 لاعبين يتخطون سن الثلاثين في كشوفات الفرق، على أن تحتوي تشكيلة العشرين لاعباً ستة لاعبين، يحقّ لخمسة منهم المشاركة في المباريات، بهدف الاعتماد على عنصر الشباب. وسيشارك في البطولة التي ستنطلق في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 12 فريقاً سيلعبون في الدوري في مرحلة واحدة، قبل أن تنخرط الفرق الستة الأولى في منافسة على اللقب، فيما تلعب الفرق من السابع وحتى الأخير لتلافي الهبوط إلى الدرجة الثانية. 

وباستثناء أندية الأنصار والنجمة والعهد، فإنّ غالبية الفرق التي أطلقت تحضيراتها متأخرةً ستعتمد على اللاعبين الشباب مع بعض الانتدابات لأسماء مغمورة، بهدف تثبيت وجودها في دوري الأضواء، أو محاولة منها لاحتلال مركز متقدّم يؤهلها لاحقاً للمشاركة في كأس النخبة. واستفادت الأندية من مساعدات وزّعها الاتحاد اللبناني، مقدّمة من الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، لدعمها، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها اللعبة في لبنان والعالم، حيث توقّف النشاط الكروي لأشهر.

وتمّ افتتاح النشاط الكروي مع دورة "الكابتن" التنشيطية التي نظّمها نادي العهد على ملعبه، وأحرز لقبها الأنصار، بمشاركة 8 فرق، ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على المنتخب الوطني الذي ينتظره استحقاق متابعة التصفيات الآسيوية المزدوجة لكأسي العالم "قطر 2022"، وآسيا "الصين 2023". وقد قرر الاتحاد منع الجمهور من حضور المباريات، وحدّد حداً أقصى لمن يسمح له بالدخول من إداريين وغيرهم إلى الملعب، مع اتباع إجراءات صارمة لمنع تفشي "كوفيد 19".

 

استعدادات فرق المقدمة للدوري

  • تتويج الأنصار بطلاً لدورة
    تتويج الأنصار بطلاً لدورة "الكابتن" (إسماعيل عبود)

بالنسبة إلى نادي العهد، فقد دخل حامل اللقب باكراً سوق الانتقالات، وتعاقد مع حارس السلام والمنتخب مصطفى مطر بصفقة قياسية قبل إعارته إلى نادي طرابلس الرياضي، وذلك بعد عودة حارسه مهدي خليل، الذي خاض تجربة احترافية في إيران على سبيل الإعارة، سبقها ضم لاعب النجمة الواعد علي الحاج بصفقة انتقال حر، إلى جانب تعاقده مع المدافع جاد نور الدين. واستعاد بطل كأس الاتحاد الآسيوي كلّاً من المدافع خليل خميس والمهاجم محمد قدوح. 

وأكّد أمين سرّ النادي محمد عاصي لـ "الميادين نت"، أنّه يجب الاستمرار في العمل، على الرغم من الظروف الاقتصادية والصحية الصعبة، والعهد هدفه دائماً حصد الألقاب، مشيراً إلى أن دورة الكابتن كانت مفيدة، وساعدت الفريق على اكتشاف الثغرات. 

ويعتبر عاصي أنّ الإدارة أرادت إحداث صدمة إيجابية بتعيين المدرب رضا عنتر على رأس الجهاز الفني، بعد الثغرات التي كشفتها دورة الكابتن، مشيراً إلى أنَّ الدوري سيتأثر بغياب الأجانب، إلّا أنّ الاعتماد على اللاعب المحلي، وخصوصاً الشباب، سيكون مهمّاً، فالأجنبي لن يكون متاحاً خلال الفترة المقبلة لكل الفرق.

وشدّد على أنّ التعاون بين عائلة كرة القدم سيؤدّي إلى إنجاح الموسم الذي ينتظر أن يكون مثيراً بوجود العهد، حامل اللقب والطامح للاحتفاظ به، إلى جانب منافسة الأنصار والنجمة، مع عدم استبعاد دخول البرج وشباب الساحل على خط المنافسة.

بدوره، باشر الأنصار الساعي لاستعادة لقب الدوري، والذي يكافح منذ سنوات بهدف الظفر به، حملة تدعيم، بعدما جدّد للعراقي عبد الوهاب أبو الهيل منصبه كمدير فني. وعلى الرغم من ابتعاد رئيس النادي نبيل بدر عن الأضواء، ومواصلة تأمينه الدعم المالي، فقد تعاقد الأنصار مع ثنائي الإخاء الهجومي الدوليين أحمد حجازي وكريم درويش، بهدف تعزيز صفوفه للموسم الجديد، والنجم نادر مطر، إضافة إلى مدافع طرابلس الرياضي خالد العلي. 

ويؤكّد المدير الفني للأخضر، عبد الوهاب أبو الهيل، أنّ الأندية متعطشة إلى عودة الدوري، والمنافسة ستكون قوية، وهدف الأنصار هو لقب الدوري، مشيداً باللاعبين المنضمين إلى تشكيلة "الأخضر". واعتبر أنّ على الجميع التعاون مع الاتحاد لإنجاح الدوري الذي لن تقتصر المنافسة فيه على الأنصار والنجمة والعهد، بل هناك عدة فرق تطمح إلى مزاحمة الثلاثي، كشباب الساحل والبرج، مشيداً بدورة الكابتن التي نظّمها العهد، واستفادت منها كل الفرق على مختلف الصعد.

من جهتها، تعاقدت إدارة النجمة مع المدرّب الجديد القديم موسى حجيج، ليشرف على "النبيذي" المطالب من قبل قاعدته الجماهيرية بلقب الدوري. وقد تعاقد مع الحارس علي حلال قادماً من شباب الساحل. وتمّت إعادة المخضرم عباس عطوي الذي تخطّى الأربعين من الساحل، كما ضمّ حسن كوراني، ولاعب الصفاء عمر الكردي، وزميله مصطفى قانصوه، وعلي طنيش القادم من كرة الصالات، وحسين عواضة، والمهاجم الهدّاف المخضرم محمد غدار، في محاولة لخلق توليفة بين اللاعبين الشباب و ولاعبي الخبرة، وخصوصاً أنّ الفريق استعاد لاعب الوسط خليل بدر، والمهاجم محمود سبليني الَّذي توّج بلقب هدّاف دورة الكابتن التي أنهاها النجمة في المركز الثاني بعد خساراة النهائي أمام الأنصار.

واعتبر المدرّب المساعد بلال فليفل، في حديث إلى "الميادين نت"، أنّ فريق النجمة مرغم على تحقيق الألقاب، مشيراً إلى أنّ فترة التوقف امتدَّت منذ أحداث 17 تشرين الأول/أكتوبر وصولاً إلى اليوم، بسبب الأزمة الاقتصادية وحالة الإقفال جرّاء انتشار وباء كورونا، وأن هذا الإغلاق كان مضراً للاعبين الذين توقّفوا لثمانية أشهر تقريباً عن خوض التدريبات. 

ورأى أنّ المنافسة ستكون ثلاثية بين النجمة والعهد والأنصار، مع عدم استبعاد دخول البرج، مشيراً إلى أنّ رؤية المدير الفني موسى حجيج تعتمد على المزج بين عناصر الخبرة والشباب لتحقيق النتائج وبناء فريق للمستقبل، في ظل غياب اللاعب الأجنبي لسنوات، معتبراً أنّها فرصة لكل لاعب لينال حقّه ويقدّم ما لديه على أرض الملعب.

ولفت إلى أنّ دورة الكابتن كانت مفيدة جداً، وأعادت للاعبين حساسية المباريات، معتبراً أنّ التعاقدات التي أبرمها "النبيذي" كان بحاجة إليها، وأن التوليفة سيصنعها حجيج بمعاونة الجهاز الفني، وأمل أن يكون المستوى جيداً بعد فترة التوقّف الطويل، لافتاً إلى أنّ فريقه سيكون منافساً جدياً على لقب الدوري.

والسؤال الجدي الذي يطرح: هل ستعود الروح إلى كرة القدم، في ظلّ أزمة اقتصاديّة وماليّة خانقة، ووسط غياب اللاعبين الأجانب لسنوات، وعدم وجود ملاعب عشبية جيّدة لتطوير مستوى اللاعب اللبناني غير المحترف أصلاً، والَّذي يبحث عن لقمة العيش أكثر من أي وقت مضى، أو أنّ الظروف الصحية والعامة في البلاد لن تسمح بوصول قطار الدوري إلى نهايته؟ الزمن كفيل بتقديم الإجابة على هذا السؤال.