عن التقنية التي جعلت الخصوصية من الماضي!

تقنية التعرف على الوجوه تعمل من خلال مسح الوجوه وقراءة ما يعرف بالـ biometric system  أو نظام القياسات الحيوية، إذ يقوم النظام ومن خلال كاميرات متطورة بتصوير عدد كبير من الأشخاص، ومقارنة صور وجوههم مع صور تم وضعها في قواعد البيانات الأساسية.

  • انقلاب على رفاق السلاح.. ماذا يحدث في كفريا والفوعة؟
    انقلاب على رفاق السلاح.. ماذا يحدث في كفريا والفوعة؟

في العام 1995، عُثر على 39 صندوقاً خشبياً قديماً نجت من حريق في مزرعة ببلدة "ميسفيل" في ولاية "أوكلاهوما" الأميركية. وجدت فرق الإغاثة داخل الصناديق صوراً كُتبت عليها أرقام ومعلومات غير مفهومة.

لاحظ باحثون حاولوا فك لغز هذه الصور، أنها  صُنّفت وفق رسوم لجدول بالطول والعرض، وأن هذه الجداول كانت تحيط بصور وجوه أشخاص عديدين لا رابط في ما بينهم.

سرعان ما توصل الباحثون إلى أنهم أمام محاولة أولى لابتكار تقنية للتعرّف على الوجوه من قبل مالك المزرعة في ستينيات القرن الماضي.

صاحب المزرعة هذا اسمه "لوودرو ويلسون بليدسوي"، المهووس بالرياضيات، والذي صار يُلقّب باسم "وودي"؛ مؤسّس تقنية التعرف على الوجوه.

وكي لا تختلط على أحد الأمور، فنحن نتحدث هنا عن واحدة من التقنيات التي باتت جزءاً من تفاصيل حياتنا.

يكفي أن تقوم اليوم برفع صورة لك ولأصدقائك على "فيسبوك"، لترى فوراً كيف تتعرّف خوارزميات الشبكة الزرقاء على جميع من في الصورة، ثم تسألك عنهم واحداً تلو الآخر.

ولكن كيف تميّز خوارزميات شبكات التواصل بين الأشخاص؟ وما هي استخدامات هذه التقنية.. وخطورتها؟!

تعمل تقنية التعرف على الوجوه من خلال مسح الوجوه وقراءة ما يعرف بالـ biometric system  أو نظام القياسات الحيوية، إذ يقوم النظام ومن خلال كاميرات متطورة بتصوير عدد كبير من الأشخاص، ومقارنة صور وجوههم مع صور تم وضعها في قواعد البيانات الأساسية، وذلك من خلال قراءة العلامات البارزة في الوجه وقياسها والتفاعل معها. 

في العام 2005، أي بعد 10 أعوام تقريباً من اكتشاف صناديق مزرعة "وودي"، وضع علماء 21 معياراً لتحديد هوية وجه الإنسان. من ضمن هذه المعايير، على سبيل المثال، عرض الشفاه ولون الشعر.

تواصلت الأبحاث في تطوير تقنية التعرف على الوجوه بشكل روتيني، حتى العام 2012، حين أعلنت "فيسبوك" استحواذها على شركة "فيس" الناشئة بنحو 60 مليون دولار، ووضعت عملاقة شبكات التواصل موارد ضخمة لتطوير التقنية الحديثة.

أطلقت فيسبوك بخطوتها هذه سباقاً بين الشركات العابرة للحدود على الانخراط في جهود تطوير تطبيقات تقنية التعرف على الوجوه، حتى إنها باتت تُدمج هذه التقنية في منتجاتها المختلفة لتحديد هوية ما لا يقل عن 2.7 مليار مستخدم نشط لديها.

اليوم، تتقاسم شركتا أمازون ومايكروسوفت سوق التعرّف على الوجوه بشكل أساسي، إذ تركز الأولى على السوق الأميركي، في حين تحاول الثانية السيطرة على السوق الصيني، وسط منافسة محلية شديدة.

وكما كل مفاصل الحياة، تأثرت تقنية التعرف على الوجوه بأعراض وباء "كورونا" المستجد. 

للوهلة الأولى، قد يبدو أن التقنية المذكورة تراجعت في الأهمية والفعالية بسبب ارتداء معظم البشر للكمامة، لكن المعطيات والأرقام تشير إلى عكس ذلك!

شركة "هانوانغ تكنولوجي" Hanwang Technology طوّرت مع بداية انتشار الوباء تقنية تمكّنها من التعرّف على الأشخاص بنجاح، حتى أثناء ارتدائهم الأقنعة أو الكمامات. اعتمد تطوير التقنية الجديدة على قاعدة بيانات تحوي أكثر من 6 ملايين صورة لوجوه غير مقنّعة وقاعدة بيانات مماثلة لملايين الصور لوجوه مقنّعة. 

وسرعان ما باتت التقنية المطورة جزءاً من الحاجات الحكومية في أكثر من مكان في العالم، وخاصة في جهود الدول لمتابعة المصابين بـ"كوفيد 19".

فعلى سبيل المثال، استخدمت السلطات الروسية تقنية التعرف على الوجوه لتحديد أماكن وجود الصينيين في البلاد، ومن ثم استخدمت أكثر من 100 ألف كاميرا مثبتة في موسكو وحدها لتحديد الأشخاص الذين يخالفون قرار البقاء في المنازل أو الحجر المنزلي.     

أما في الولايات المتحدة، فيستخدم بعض المطارات تقنيات تسمح بالتعرف على وجوه أشخاص تُحتمل إصابتهم بالفيروس المعاصر، فضلاً عن اعتماد التقنية لرصد المطلوبين وتجار الممنوعات والمسافرين غير الشرعيين.

وباء كورونا لم يمنع إذاً تطوّر التقنية، بل لعلّه أسهم في الإسراع في تحديثها. وفي هذا السياق، زاد الطلب على أجهزة مراقبة الدوام التي تعتمد على تقنيات التعرف على الوجوه بدل اللمس.

وقد بلغ حجم سوق أجهزة تقنية التعرف على الوجوه وتطبيقاتها في العام 2019 ما يقارب 4 مليارات دولار، وسط توقعات بأن تتجاوز حاجز العشرة مليارات دولار بحلول مطلع العام 2025.

وكما هي حال الابتكارات العلمية التي يترافق صعودها مع التشكيك والشكوى، تواجه هذه التقنية سيلاً من الانتقادات على خلفية تعرّضها للخصوصية، مدفوعة باستخدامات مثيرة للجدل.

فالسلطات في الصين تفحص شهرياً ما لا يقل عن نصف مليون وجه للتمييز بين المواطنين والأقليات العرقية الأخرى الممنوعة من الوجود في بعض مناطق البلاد.

وفي حين تستخدم نحو 75 دولة حول العالم هذه التقنية من دون إعلان رسمي، فإن الكشف عن ممارسات بعض الحكومات دفع جماعات ناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان، في الاتحاد الأوروبي تحديداً، إلى طرح إشكاليات وأسئلة بشأن حدود استخدام التقنية الحديثة.

ويستند نقاش هذه الجماعات إلى أن التقنية بنفسها تُظهر فعالية أقل عند التعامل مع وجوه أشخاص من ذوي البشرة الملونة أو الداكنة، ما قد يؤدي إلى إيقاف أشخاص وممارسة التمييز ضدّهم عن طريق الخطأ!

وعلى الرغم من كل الجدل الدائر بشأن تقنية التعرف على الوجوه، فإن مجالات استخدامها باتت أكبر من إيقافها، ولا سيما أن نسبة دقتها باتت تتجاوز 99 في المئة.

من ملاعب كرة القدم إلى المطارات فالقطاع المصرفي وتطبيقات الهواتف الذكية، باتت تقنية التعرف على الوجوه عنصراً حيوياً في حياتنا. فهل تكون هذه التقنية قادرة على حل الإشكاليات الأخلاقية للمشكّكين فيها؟ وهل يمكن الركون إليها بصفتها تقنية آمنة؟