"نيويورك تايمز": الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي على لبنان.. عصر جديد من التخريب

الهجوم الإلكتروني على لبنان يخلق شعوراً بالخوف من أن تصبح الأجهزة الإلكترونية العادية مصدر خطر.

  • "نيويورك تايمز": الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي على لبنان.. عصر جديد من التخريب

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والصحافي ديفيد سانغر، الذي غطّى الصراعات السيبرانية لعقود من الزمن، وألّف كتاباً بعنوان: "السلاح المثالي: الحرب والتخريب والخوف في العصر السيبراني". وتحدّث الكاتب في المقال عن الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي على لبنان، قائلاً إنّه لم يحقق نتائج استراتيجية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

أدّى الهجوم الإسرائيلي على مئات أو آلاف أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي وغيرها من الأجهزة اللاسلكية التي يستخدمها حزب الله إلى نقل فن التخريب الإلكتروني الغامض إلى مستويات جديدة ومخيفة. وهذه المرة، كانت الأجهزة المستهدفة محفوظة في جيوب السراويل، وعلى الأحزمة، وفي المنازل. وتحوّلت أجهزة الاتصال العادية إلى قنابل يدوية مصغرة.

وبينما كان الهدف مقاتلي حزب الله، فإنّ الضحايا كانوا كل من كان واقفاً في محيط الجهاز، بما في ذلك الأطفال. وتقول السلطات اللبنانية إنّ 11 شخصاً لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 2700 في هجوم الثلاثاء. وفي يوم الأربعاء، قُتل ما لا يقل عن 20 شخصاً آخرين وأصيب 450 في جولة ثانية من الهجمات باستخدام أجهزة اتصال لاسلكية متفجرة.

هناك سبب للخوف من الاتجاه الذي قد يسلكه هذا الهجوم على مقاتلي حزب الله. إنّ تاريخ مثل هذا التخريب يشير إلى أنّه بمجرد عبور عتبة جديدة، تصبح متاحة للجميع.

بطبيعة الحال، ليس هناك شيء جديد في تخريب الهواتف أو زرع القنابل: لقد فعل الإرهابيون ووكالات التجسس ذلك لعقود من الزمن. لكن، ما جعل هذا الهجوم مختلفاً هو النطاق الواسع، وزرع المتفجرات على العديد من الأجهزة في وقت واحد. من الصعب تنفيذ مثل هذه الحيلة، لأنّها تتطلب التعمق في سلسلة التوريد.

شعورنا بالخوف من كيفية تحوّل الأدوات اليومية المتصلة بالإنترنت إلى أسلحة قاتلة بدأ للتو.

وقال جلين جيرستيل، المستشار العام لوكالة الأمن القومي لمدة خمس سنوات، يوم الأربعاء: "قد تكون هذه هي اللحظة المخيفة الأولى لعالم لا يمكن فيه الوثوق بشكل كامل بأي جهاز إلكتروني، من هواتفنا المحمولة إلى أجهزة ضبط الحرارة"، وسأل: "هل يمكن أن تكون الأجهزة الشخصية والمنزلية الأخرى هي التالية؟".

إذا كان جيرستيل على حق، فإنّ هذا يثير التساؤل حول ما إذا كانت هذه الهجمات، المنسوبة إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تستحق الثمن في إحساسنا المشترك بالضعف. لم يكن للانفجارات أي غرض استراتيجي. وكما قال دبلوماسي غربي يتمتع بخبرة طويلة في التعامل مع الشرق الأوسط، فإنّها لم تجبر قادة حزب الله على التخلي عن قضية حاربوا من أجلها لمدة أربعة عقود.

الواقع هو أنّ التأثير الرئيسي هو نفسي، فكما تجعل المراقبة الشاملة الناس يتساءلون عمن قد يكون لديه حق الوصول إلى الهواتف التي تحتوي الآن على تفاصيل وكنوز وأسرار حياة المرء كالصور والرسائل النصية وأرقام بطاقات الائتمان، فإن التخريب يجعل الجميع يخشون أن تصبح الأجهزة العادية مصدراً فورياً للإصابة أو الموت، وهو أمر ينخر في النفس.

وتتعدد النظريات حول كيفية وضع المتفجرات في الأجهزة. وفي السيناريو الأكثر احتمالاً، قام عملاء إسرائيليون بحشو البطاريات بالمتفجرات عندما تم تصنيع الأجهزة، بواسطة شركة وهمية في بودابست حصلت على ترخيص باستخدام تكنولوجيا أجهزة النداء القديمة من شركة تايوانية. ويعتقد آخرون أنّ الأجهزة ربما تم تعديلها في مرحلة ما بين تصنيعها وتوزيعها على قادة حزب الله ومقاتليه.

ولكن، أياً كانت وسائل التخريب، فإنّ النتيجة كانت واحدة: فقد كانت بضع أوقيات من المتفجرات مخبأة في أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية قادرة على التسبب في إصابات خطيرة، تتجاوز الضرر الذي قد يحدث إذا ارتفعت درجة حرارة البطاريات في الأجهزة واشتعلت فيها النيران.

ومن الممكن أن تكون هذه الانفجارات قد حدثت فقط من خلال رسالة أرسلت في الوقت نفسه إلى أجهزة النداء. أو من الممكن أن يكون المهاجمون قد تمكنوا من تسخين البطاريات وتفجير الشحنات المتفجرة من خلال استغلال ثغرة في الكود الأساسي الذي يعمل على تشغيل أجهزة النداء. ولكن، بعض الخبراء يقولون إنّ الإسرائيليين ربما استخدموا أيضاً العمليات السيبرانية.

قال جيسون هالي، الخبير في مجال الإنترنت في جامعة كولومبيا، إنّ "العمليات السيبرانية الرئيسية ربما قدمت معلومات استخبارية فقط تفيد بأن حزب الله قدّم طلباً ضخماً لأجهزة النداء، وعلى الأكثر، تم إرسال إشارة ما أدّت إلى تفجير المتفجرات. ربما استخدم هذا بالفعل بعض الثغرات لتسخين البطارية مما تسبب في الانفجار".

ولكن الأدلة الأولية تشير إلى أنّ مثل هذه التقنيات قد تحقق ميزة تكتيكية ولكنها لا تحقق سوى تأثيرات استراتيجية قليلة. وحتى الهجمات الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على أجهزة الطرد المركزي في إيران، وهي عملية كانت سرية للغاية ومكلفة، أعادت البرنامج الإيراني إلى الوراء عاماً أو ثمانية عشر شهراً فقط، وفي نهاية المطاف، دفعت البرنامج إلى مزيد من السرية.

ولكن الهجمات مثل تلك التي استهدفت أجهزة الطرد المركزي، أو شبكات الطاقة، تستهدف البنية الأساسية الضخمة، وليس الأجهزة المحمولة باليد. وعلى هذا، فإنّ الهجمات في لبنان قد تبشر بنوع جديد من التخريب.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.