"فورين بوليسي": الهجوم على الكونغرس ارتداد لانقلابات أميركا في الخارج

كان النفاق دوماً أحد مكونات السياسة الخارجية الأميركية وشغب الكابيتول لا يغير هذه الحقيقة.

  • قوات الشرطة الأميركية خلال تطهير مبنى الكابيتول من المشاغبين.
    قوات الشرطة الأميركية خلال تطهير مبنى الكابيتول من المشاغبين.

كتب نيك دانفورث مقالة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قال فيها إنه بعد مشاهدة اقتحام مبنى الكابيتول الأسبوع الماضي، خلص العديد من النقاد التقدميين للسياسة الخارجية الأميركية إلى أن "دجاجات" البلاد قد عادت أخيراً إلى الوطن لتعيش فيها. كان هذا ارتداداً سلبياً للعديد من التدخلات العسكرية الأميركية، والحروب الدائمة، ومحاولات الانقلاب، وعاد مفهوم تغيير النظام إلى واشنطن. بالنسبة لهؤلاء النقاد، كان المعنى واضحاً: لإنقاذ ديمقراطيتها، يجب على أميركا أن تقلّص بشكل كبير طموحاتها في السياسة الخارجية.

وأضاف الكاتب: لكن الربط البسيط للغاية بين إخفاقات الولايات المتحدة الخارجية وإخفاقاتها المحلية يجعل إصلاحها أكثر صعوبة. فالقيام بذلك قد يثير الرغبة في النظام الأخلاقي في الكون، لكنه يخاطر بتشخيص الدور الخبيث للعنصرية في السياسة الأميركية. إن استعادة الديمقراطية الأميركية مع تصحيح سياستها الخارجية تتطلب الاعتراف بالعلاقة الفوضوية والأكثر إثارة للقلق بينهما.

 

وتابع الكاتب يقول: لم يكن هناك أبداً انسجام أخلاقي واضح بين سلوك أميركا في أراضيها وسلوكها في العالم. لقد أثبتت البلاد أنها قادرة على توسيع الحرية في الداخل والإمبراطورية في الخارج في الوقت نفسه. منذ البداية، كان إعطاء المزيد من الحقوق للأميركيين مع تجريد الآخرين منها بعنف يسير جنباً إلى جنب. 

في القرن التاسع عشر، كان هذا صحيحاً حتى داخل أمريكا الشمالية. تحت رئاسة أندرو جاكسون، ساعد حق الاقتراع العام للذكور البيض في تحقيق "درب الدموع"، وهو النقل القسري خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر لحوالى 100.000 من الأميركيين الأصليين. بعد الحرب الأهلية، انتهت العبودية حتى مع تسارع توسع المستوطنين في الغرب الأميركي. في أوائل القرن العشرين، بدأت أميركا فترة من الإصلاح التدريجي، ولكن شرعت كذلك في الاستعمار - مع شخصيات مثل الرئيس تيدي روزفلت نناصرت كل ذلك. 

وعندما اعترف التعديل التاسع عشر بحق المرأة في التصويت، كان الجنود الأميركيون يحتلون ثلاث دول في أميركا اللاتينية. بعد عقود، أرسل الرئيس دوايت أيزنهاور الحرس الوطني لإنهاء الفصل العنصري في "ليتل روك" وأرسل وكالة الاستخبارات المركزية لإنهاء الديمقراطية في طهران. 

أقر الرئيس ليندون جونسون قانون الحقوق المدنية، ثم تم إشباع فيتنام بالقصف أثناء التحريض على الإبادة الجماعية في إندونيسيا. في الآونة الأخيرة، انتخبنا أول رئيس أسود بينما كنا نخوض عدة حروب لا تنتهي في الشرق الأوسط.

باختصار، إذا عادت القوات إلى الوطن لتقيم، كان يجب أن يعود الأميركيون منذ زمن بعيد أو لم يكن عليهم أن يغادروا على الإطلاق.

فلماذا هذا الأمر يهم؟ عندما بدأت الولايات المتحدة في بناء إمبراطوريتها الخارجية الرسمية في أعقاب الحرب الإسبانية الأميركية، خشي العديد من النقاد من أنها ستدمر في النهاية الجمهورية وتقاليدها الديمقراطية. ولكن إذا نظرنا إلى الوراء اليوم - حتى مع كل التطورات المقلقة في الأسابيع والسنوات القليلة الماضية - فمن الصعب القول بأن الولايات المتحدة أقل ديمقراطية، أو أقل مساواة، أو أقل حرية مما كانت عليه في عام 1898. بالطبع، كان العمل الذي تم لبدء تفكيك العنصرية الراسخة في البلاد. ويحذر العديد من التقدميين الآن من العلاقة بين التراجع الديمقراطي والإمبريالية يسلّطون الضوء عن عمد على دور العرق القومي الأبيض في كلتا الظاهرتين. إنهم محقون بالتأكيد في أن العنصرية عرّضت الديمقراطية الأميركية للخطر وسهّلت حروبها الخارجية.

وقال الكاتب إنه قد يكون تحذلقاً المجادلة حول الطبيعة الدقيقة للعلاقة. لكن تحليلها بشكل صحيح يمكن أن يقدم ثلاث رؤى مهمة: 

أولاً، إن العنصرية الأميركية لم تكن بحاجة إلى السياسة الخارجية كي تغذّيها. 

ثانياً، غالباً ما تكون الحجج المناهضة للتدخل أكثر فاعلية عند صياغتها بلغة عنصرية خاصة بها. 

وثالثاً، إن الاختيار بين تعزيز الديمقراطية في الداخل وترويجها في الخارج هو تقسيم زائف.

أولاً، من المثير للدلالة أنه بعد قرن من الإطاحة بالحكومات الأجنبية، أصبح بعض الأميركيين فجأة مرتاحين، في عام 2021، لمحاولة الإطاحة بحكوماتهم. لماذا الرجال الذين قاتلوا ضد التمرد الوحشي في الفلبين، على سبيل المثال، لم يعودوا ويقتحموا مبنى الكابيتول؟ 

جادل عدد من الأشخاص بأن الإجابة تكمن بالضبط في التقدم الذي أحرزته أميركا. وهذا يعني أن إنشاء دولة تعددية أكثر أصالة، وبلغت ذروتها بانتخاب رئيس أسود، خلق رد الفعل العنيف الذي نشهده اليوم. من هذا المنظور، فإن المشكلة محلية بحتة، نتيجة التحيّزات التي استمرت ويمكن أن تصمد أمام المغامرات الخارجية لأميركا. قد يكون إنهاء الحروب الأبدية وإنفاق المزيد من ميزانية البنتاغون على المشكلات الاجتماعية أمراً ذا قيمة بالنسبة إليهم، لكن لا يمكنهم فعل الكثير إلا إذا كانت القضية الحقيقية أكثر جوهرية. 

في أحسن الأحوال، دافع الأميركيون عن القيم الديمقراطية في الخارج لأنهم أدركوا هشاشة ديمقراطيتهم واعتقدوا أنها ستكون أكثر أماناً في عالم أكثر ديمقراطية. على مدى السنوات الأربع الماضية، شاهد الأميركيون رئيسهم دونالد ترامب يستفيد من علاقاته الفاسدة مع القادة الاستبداديين وشاهدوا كيف يتشارك القوميون اليمينيون في جميع أنحاء العالم في المؤامرات ويستلهمون من بعضهم البعض. وهذا من شأنه أن يجعل الأمر أكثر وضوحاً بأن النضال من أجل الديمقراطية هو صراع مشترك، ويجب أن تساهم فيه حتى أميركا التي تعاني من عيوب شديدة.

ختم الكاتب بالقول إن أميركا، كمدينة مشرقة قد نشرت الضوء ولكنها أيضاً، في كثير من الأحيان، تلقي بظلالها القاتمة على الآخرين. وقد أعطت أساطير الاستثنائية الأميركية العديد من الأميركيين إيماناً مسيانياً بقدرتهم على نشر الديمقراطية بينما أعمتهم عن خطر مواجهة نفس التهديدات الاستبدادية التي لاحظوها - أو دعموها - في مكان آخر. إذا كانت الأحداث الأخيرة قد قدمت منظوراً أكثر موضوعية، فمن المأمول أن تدفع الأميركيين إلى الانضمام إلى الكفاح العالمي من أجل الديمقراطية بقناعة وتواضع متجددين. 

ترجمة: هيثم مزاحم

بعد 4 سنوات من ولاية الرئيس دونالد ترامب يخوض الأخير انتخابات جديدة للفوز بولاية ثانية، فيما يخوض الديمقراطيون معركة العودة إلى الرئاسة مستفيدين من أخطاء ترامب والمشاكل التي أغرق فيها أميركا.