خطاب ترامب "المتعالي والمنافق" إلى العالم الإسلامي

كيف قرأت الصحف في الغرب خطاب الرئيس الأميركي المفترض أنه موجّه إلى العالم الإسلامي. ما يشبه الإجماع في الصحف الغربية على أن الإسلام لم يكن محور الخطاب بل إيران، فيما تساءل بعض المحللين عن كيفية مواجهة الإرهاب بأفكار "سلفية" بدلاً من الأفكار الليبرالية.

الصحف الغربية قرأت في خطاب ترامب عودة إلى السياسة الأميركية القائمة على المصالح
وصف الكاتب روبرت فيسك خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العالم الإسلامي بالمليء بـ"التعالي والنفاق". وقال فيسك في مقالته في صحيفة "إندبندنت" "بعد اختراع الأخبار المزيفة توجه رئيس أميركا المخبول إلى العالم الإسلامي بخطاب مزيف" لافتاً إلى أن "خطابه خلا من كلمات الرحمة والتسامح ومن أي كلمة اعتذار عن خطاباته العنصرية والمعادية للإسلام خلال عام مضى".

وتابع الكاتب "للمزيد من عدم المصداقية حمّل إيران وليس داعش مسؤولية تأجيج العنف الطائفي، مشفقاً على الشعب الإيراني اليائس بعد يوم من انتخابهم بكل حرية إصلاحياً ليبرالياً رئيساً لهم، وطالب بالمزيد من العزلة لأكبر دولة شيعية في الشرق الأوسط مديناً حزب الله والشيعة في اليمن".

الكاتب فنّد خطاب الرئيس الأميركي متوقفاً عند قول ترامب إن قتل الإرهابيين للأبرياء باسم الإسلام يجب أن يكون إهانة لكل شخص يؤمن بهذا الدين، حيث تجاهل حقيقة "أن السعودية وليست إيران هي منبع التطرف السلفي الوهابي لدى الإرهابيين الذين يقتلون الناس الأبرياء".

نقطة أخرى كانت موقع استغراب الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط. تلك التي قال فيها ترامب "إنه يتبنى الواقعية المبدئية المتجذرة في القيم والمصالح المشتركة". حيث تساءل فيسك عن ماهية هذه القيم المشتركة؟ أي قيم يتشاركها الأميركيون مع قاطعي الرؤوس وغير الديمقراطيين والعنصريين ضد النساء والديكتاتوريين باستثناء النفط وصفقات الأسلحة؟ وحين قال ترامب إن أصدقاءنا لن يشككوا أبداً بدعمنا وأعداءنا لن يشككوا بتصميمنا، هل كان يقصد بأصدقائه السعوديين؟ أو العالم الإسلامي الذي لا شكّ يتضمن إيران وسوريا واليمن. وحين تحدث عن الأعداء هل كان يقصد داعش أم روسيا أم سوريا أو إيران. حديث ترامب عن الإصلاحات التدريجية يشير إلى أنه لن يفعل شيئاً إزاء حقوق الإنسان أو يتخذ أي خطوة لوقف الجرائم ضدّ الإنسانية إلا إذا ارتكبت من قبل إيران وسوريا وشيعة العراق واليمن وحزب الله.

وأضاف فيسك إن "أميركا لن تنزف كما فعلت في العراق واليمن. على العرب أن ينزفوا فيما هم يقاتلون بعضهم البعض بتشجيع من أكبر موردي الأسلحة لكل منهم. وهكذا حاضر بهم ترامب عن الحاجة لمساهمتهم بالجزء الخاص بهم من العبء".

وخلص إلى أن ترامب تحدث عن السلام فيما كان يهيئ العرب لحرب مذهبية. غني عن القول أن قادة العالم الإسلامي المتزلفين صفقوا للرئيس الأميركي حين أنهى خطابه ولكن هل فهموا حقاً بما كانت تبشّر كلماته؟  

خطاب عن إيران وليس الإسلام

"ديلي تيليغراف" بدورها قالت إن خطاب ترامب لم يكن عن الإسلام بل عن مواجهة إيران. وتحت هذا العنوان انطلقت الصحيفة البريطانية من تغريدة لدونالد ترامب قبل انتخابه قال فيها إن أميركا ستحصل على النفط من السعودية مجاناً خلال السنوات العشر المقبلة ولن تحمي طائراتها البوينغ الخاصة، لتقول إن "كثيرين يتساءلون عما كان يدور في ذهن الرئيس الأميركي حين سبقت خطابه الخارجي الأول آيات من القرآن".

وتابعت الصحيفة أن ترامب أعلن حين كان مرشحاً أن "الإسلام يكرهنا" وعمل على فرض حظر على الدول ذات الأغلبية المسلمة وأحاط نفسه بمستشارين يروجون لصراع الحضارات، متسائلة كيف له أن يحث المسلمين على مدّ اليد للولايات المتحدة لهزم الإرهاب؟    

وقالت الصحيفة إن هذا الاعتدال يتأتى من صفقات البترودولار التي أعلنها ترامب. لكن الرابط القوي بين إدارة ترامب والدول العربية يكمن في مكان آخر، إيران. وأضافت "ديلي تيليغراف" هناك العديد من الطرق التي تستطيع من خلالها الولايات المتحدة مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط من بينها الترحيب بإعاقة شحنات المال والأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.
 
أما الطرق الأخرى من قبيل استهداف الميليشيات المدعومة من إيران في العراق فإن من شأنها ليس فقط تعطيل الحملة البرية ضدّ داعش إنما إثارة عمليات الانتقام ضد القوات الأميركية المتزايدة في المنطقة.

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن السخرية تكمن في أن خطاب ترامب يأتي غداة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني ضدّ منافسين هم أكثر معاداة لأميركا. لذلك سيكون من الخطأ اعتبار الخطاب حول العالم الإسلامي ككل. فغالبية المسلمين لا تعيش في الشرق الأوسط إنما في المحيط الهادئ. وأكبر ثلاث دول من حيث تعداد المسلمين هي اندونيسا وباكستان والهند.

وكتبت "ديلي تيليغراف" "في حين قام ترامب بتأطير خطابه على أنه يأتي من قلب العالم الإسلامي، من الخطأ اعتبار هذه الملكية المطلقة ورؤيتها المتشددة للإسلام جوهراً للدين الإسلامي الذي يضم العشرات من الديمقراطيات مثل إندونيسيا والسنغال أو حتى تونس، التي تمتلك رؤية أكثر تقدماً تجاه حقوق المرأة والحريات الدينية والتنافس السياسي. وقالت الصحيفة "إن هذه المقارنة تؤكد أن الخطاب كان أقرب إلى الطابع الجيوسياسي منه إلى الدين". 

محاربة داعش بالأفكار الليبرالية لا السلفية

صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إنه فيما كان الناخبون في إيران يرقصون في الشوارع احتفالاً بإعادة انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني، وقف الرئيس الأميركي أمام جمع من الزعماء في العالم الإسلامي داعياً إياهم إلى عزل إيران بوصفها الدولة التي "تؤجج الصراع الطائفي والإرهاب".
وقالت الصحيفة إن ترامب باستغلاله جولته الخارجية الأولى لإعلان التزامه مع الدول العربية "السنية" عاد إلى السياسة الأميركية السابقة التي بنيت على تحالفات مع قادة عرب مستبدين، بمعزل عن سجلاتهم في مجال حقوق الإنسان أو سياساتهم التي تقوّض أحياناً المصالح الأميركية.

وأشارت إلى أن تزامن الانتخابات في إيران مع التجمع في السعودية بدا وكأنه يسلط الضوء على واقع في الشرق الأوسط لطالما شكّل صراعاً لدى الرؤساء الأميركيين وهو كيفية اختيار الشركاء وتحقيق المصالح الأميركية في منطقة تمزقها الانقسامات الطائفية والأجندات المتجاذبة.
ونقلت الصحيفة عن فريديريك ويري الباحث في برنامج الشرق الأوسط في معهد كارنيغي للسلام العالمي إن الأميركيين اختاروا طرفاً واحداً في هذا الصراع الجيوسياسي الذي نجم عنه الصراع الطائفي.

ورأت الصحيفة الأميركية في كلام ترامب عن تمويل إيران للجماعات الإرهابية من لبنان إلى العراق واليمن على حد تعبيره، تراجعاً عن سياسات أوباما الذي دفع الدول الخليجية مثل السعودية نحو المزيد من الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي، مضيفة أن عودة ترامب إلى تحالفات أميركا التقليدية شكلت مصدر ارتياح كبير لدى الدول العربية.

وقال ويري إن "ترامب تبنى وجهة النظر الخليجية" مستغرباً قوله إن "إيران هي مصدر كل الشرّ في المنطقة". فيما لفت مختار عواد الباحث المتخصص في شؤون التطرف في جامعة جورج واشنطن إلى أن الرؤية التي تقاتل ضدّها الولايات المتحدة يجب أن تواجه بأفكار ليبرالية لا سلفية" في إشارة إلى الجناح السعودي المتشدد.