نحن بحاجة إلى بديل وطني لـ"فيسبوك"

رغم اعتقادنا أن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) هي في المقام الأول منتج برامج ومحطة بث، وهي تميل إلى التفكير في نفسها وفق هذه الشروط، إلا أنها أيضاً شركة تكنولوجيا اتصالات عامة طورت طوال مسيرتها التكنولوجيا في الصالح العام.

جون بولتون أحد أوائل المستفيدين من بيانات مستخدمي فيسبوك في الحملة الانتخابية

نشر الكاتب البريطاني توم ميلز مقالة في صحيفة الاندبندنت البريطانية مقالة دعا فيها إلى إنشاء بديل وطني عام عن الفيسبوك يحترم خصوصيات المستخدمين ولا يستخدم بياناتهم من أجل مصالح تجارية أو سياسية. والآتي ترجمة نص المقالة:

شهد هذا الأسبوع سلسلة من التقارير والمزاعم والمزاعم المضادة حول شركة الاتصالات الإستراتيجية "كامبريدج أناليتيكا". وكما هو الحال في مثل هذه الفضائح، هناك، في صميم القصة، بعض الأسئلة الضيقة إلى حد ما حول ما إذا كانت القواعد الرسمية قد تم خرقها - والتي في هذه الحالة تتمحور حول توفير بيانات فيسبوك إلى طرف ثالث - ولكن أيضًا هناك مجموعة أوسع من الأسئلة السياسية والأخلاقية. ومع ذلك، لم يكن واضحًا دائمًا في التقارير والتعليقات بالضبط ما هي هذه المشكلات والقضايا الأوسع نطاقاً، ناهيك عن كيفية حلها.

جوهر القصة هو أن مجموعة من المرتزقة بالأحرى وعلى ما يبدو مجموعة غير أخلاقية من المستشارين السياسيين استفادت من تقنيات "البيانات الكبيرة" إلى حد ما لتطوير الرسائل السياسية المستهدفة. غير أن العديد من الممارسات التي اشتكي منها ليست جديدة على وجه الخصوص، ولا هي فريدة من نوعها بالنسبة إلى زمرة من المستشارين السياسيين والممولين المشبوهين الذين أحاطوا بدونالد ترامب. في الواقع، استخدمت حملة أوباما بيانات فيسبوك بنفس الطريقة. هذا ما يطرح السؤال: هل ستكون هذه أخبارًا كبيرة إذا لم يكن هناك انتهاك مزعوم؟

تدمج قصة كامبريدج أناليتيكا المخاوف بشأن قوة الفيسبوك وعمالقة التكنولوجيا الآخرين، مع القلق بشأن انهيار الإجماع السياسي القائم منذ فترة طويلة والذي نوقش بشكل واسع من حيث سلوك الناخب غير العقلاني والرسائل السياسية المتلاعبة. فقد رأينا مجموعة مشابهة من القضايا تلتقي مع الذعر المتواصل، على مستوى منخفض، حول "الأخبار المزيفة"، وفي كلتي الحالتين يبدو أن هناك فشلاً في التعامل مع المشاكل في الإعلام والسياسة التي كانت واضحة قبل فترة طويلة من الانتصارات السياسية المدمرة لدونالد ترامب وحملة "لا".

لقد استخدم السياسيون طويلاً الخبرة العملية والأكاديمية في حقل الاتصالات لصياغة الرسائل، واستهداف الناخبين الرئيسيين، والانتقال عبر السياسات غير الشعبية، وكثيراً ما يكون بعث هذه الرسائل سلبياً و/ أو متلاعباً به. احتفظت الثاتشارية(نسبة إلى مارغريت ثاتشر) بشكل معروف بشركة الإعلانات "ساتشي أند ساتشي" لاستهداف الناخبين المترددين وتشويه صورة المعارضين السياسيين لحزب المحافظين، في حين أن حزب العمال الجديد كان معروفًا بعمليات الاتصالات المركزية، واستهداف الناخبين المتأرجحين في الهوامش الرئيسية. في جميع هذه المجالات رأينا تقنيات طورها في الأصل علماء الاجتماع والمهنيون في التسويق والإعلان ووسائل الإعلام، وجرى تطبيقها في الحملات السياسية والاستراتيجية.

مارك زوكربيرغ عن فضيحة "كامبريدج أناليتيكا": "أنا فعلاً آسف"

هناك تقارير حول بيع فيسبوك البيانات الشخصية للمستخدمين لشركات تسويق واعلانات

ما تغير في السنوات الأخيرة هو مستوى تطور هذه التقنيات، بفضل التقدم التكنولوجي السريع. وهذا يعني أن صناعة التسويق والإعلانات، التي تعتمد بشكل كبير على بيانات الاستطلاعات ومجموعات التركيز لمناقشة الإعلانات، يمكنها الآن الاعتماد على كميات غير مسبوقة من البيانات الشخصية جداً. بالطبع، انتقلت هذه التقنيات إلى السياسة، وفي هذه الحالة الخاصة بالذات، استخدمت لدعم مرشح سياسي هدام، قام بعد ذلك بسرقة البيت الأبيض من مستحق الفوز به.

لندع سلوك "كامبريدج أناليتيكا" جانباً، تسلط هذه القصة الضوء على بعض المشاكل الخطيرة في السياسة وشركات التكنولوجيا الكبرى. لدينا نظام سياسي شديد المركزية، وغالباً ما يستخدم أساليب اتصال متلاعب بها. لكنهم يفعلون ذلك الآن من خلال استخدام بنية تحتية هائلة خاصة بالمراقبة، والتي يمكن استخدامها بيسر ليس فقط من قبل السياسيين والدولة، ولكن أيضا من قبل مصالح الشركات.

إن عقد الأمل على أن الشركات العملاقة يمكن تنظيمها على نحو فعال لحماية خصوصية المستخدم وأمن البيانات يسيء فهم طبيعة هذه الشركات. يعتمد نموذج عمل هذه الشركات كلية على مراقبة سلوكنا عبر الإنترنت واستثمار تلك البيانات. ولذلك لا يمكن إصلاحها من دون تقويض جداواها التجارية.

أحد الخيارات الجلّية هو التأميم. لم يعد هذا نوعاً من المحرمات السياسية كما كان قبل سنوات قليلة، ولكن لا يزال من المستبعد جداً حدوثه في الولايات المتحدة، ومن الصعب أن نرى كيف سينجح على المستوى الدولي. لكن يبدو أن المزيد من التنظيم لفيسبوك وللشركات الأخرى أمر لا يمكن تجنبّه، حتى لو كان من المرجح أن يكون غير فعال كثيراً.

وفي الوقت عينه، ثمة حاجة ملحة لتطوير بدائل غير تجارية قادرة على تزويد المستخدمين بالفوائد العظيمة لهذه التقنيات الجديدة، من دون الجوانب السلبية الخطيرة التي أصبحت أكثر وضوحًا. في بعض السياقات، قد يعني هذا تطوير "تعاونيات البرامج" تحت سيطرة مستخدميها القادرين على توفير أمن البيانات والشفافية الخوارزمية. في المملكة المتحدة، لدينا مزوِّد عام بديل واضح جدًا هو هيئة الإذاعة البريطانية.

فقد تم تطوير الإذاعة الوطنية للعمل في الصالح العام، حرة من المصالح الخاصة أو السيطرة السياسية. وبالتأكيد، فإن واقع هذه الحرية قد انخفض إلى حد ما، ولكنها رؤية قابلة للإنقاذ ويبدو أنها ذات أهمية كبيرة اليوم.

وبرغم اعتقادنا بأن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) هي في المقام الأول منتج برامج ومحطة بث، كما أنها تميل إلى التفكير في نفسها وفق هذه المصطلحات، إلا أنها أيضاً شركة تكنولوجيا اتصالات عامة طورت التكنولوجيا طوال مسيرتها للمصلحة العامة. وحيث أن التلفزيون هو وسيلة إعلام تحتضر، فقد اتخذت هيئة الاذاعة البريطانية حتى الآن خطوات مبدئية فقط في الفضاء الرقمي. ولكن من الناحية التقنية، سيكون من السهل نسبياً أن تصبح المؤسسة منصة وشبكة عامة يمكن أن تقدم لمستخدميها شفافية خوارزمية كاملة وأمن بيانات وفرصة المشاركة بالتساوي في الثقافة والحياة العامة الخالية من الاستغلال السياسي أو التجاري.

توم ميلز هو مؤلف كتاب "بي بي سيBBC: أسطورة الخدمة العامة".

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت