القضية الأخلاقية للعقوبات ضد روسيا

بدلاً من الحديث من جهة الاستراتيجية أو العقاب، يجب على المسؤولين الأميركيين العودة إلى نوع من التفكير الذي اعتاد الجمهوريون حبه: وهو السياسة الخارجية القائمة على القيم.

وعد دونالد ترامب بحصول "علاقة عظيمة" مع روسيا لكن العلاقات الروسية - الأميركية أضحت الآن في أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة

كتبت ماشا غيسن مقالة في صحيفة ذا نيويوركر الأميركية رأت فيها أن العقوبات المفروضة على روسيا لن تثير انتفاضة في روسيا لكنها قد تقوّض مكانة الرئيس فلاديمير بوتين كبطريرك للصفوة من الأثرياء حوله. والآتي ترجمة كاملة للمقالة:

في يوم الجمعة، أعلنت وزارة الخزانة أنها فرضت عقوبات على 24 شخصًا روسيًا و14 شركة روسية. كانت هذه هي المجموعة الثالثة من العقوبات ضد روسيا التي أعلن عنها في الشهر الماضي: في 15 مارس آذار، فرضت إدارة ترامب عقوبات على أفراد وشركات عدهم المدعي الخاص روبرت مولر بأنهم عملاء التدخل الانتخابي(في الانتخابات الرئاسية الأميركية). بعد أسبوع ونصف، طردت الولايات المتحدة ستين دبلوماسياً روسياً وأمرت بإغلاق القنصلية الروسية في سياتل.  

كل من الرؤساء الأميركيين الثلاثة الأخيرين تولوا مناصبهم واعدين بتحسين العلاقات مع روسيا، فقط لرؤية العلاقة أكثر تعقيدًا. ومع ذلك فإن التناقض بين النية المعلنة والواقع هو تناقض بشكل خاص في حالة إدارة ترامب. في الوقت الذي وعد فيه دونالد ترامب بحصول "علاقة عظيمة" مع روسيا، أصبحت العلاقات الروسية - الأميركية الآن في أدنى نقطة لها منذ الحرب الباردة.

تاريخياً، جاءت العقوبات ضد روسيا في فئات عدة مختلفة، كل منها يعكس نظرية مختلفة لروسيا وربما عن العالم. عمليات طرد الدبلوماسيين هي إحدى هذه الفئات. طرد نحو ثلاثين دولة ممثلين روساً رداً على تسميم الجاسوس الروسي السابق وابنته بغاز للأعصاب كما يبدو في بريطانيا الشهر الماضي. وقد عُرضت عمليات الطرد كاستنكار رمزي وتدبير دفاعي في آن واحد. في هذا الأسبوع، في آخر ظهور علني له كمستشار للأمن القومي، وصف هربرت ماكماستر عالماً تتعرض فيه طريقة الحياة الغربية للهجوم، وأن الطرد هو جزء من صونه.

تعتبر عمليات الطرد وضعية استعداد قديمة للعلاقات الأميركية - الروسية وربما تكون فعالة إلى حد ما - إذ يمكنها بالتأكيد أن تعطل عمليات التجسس المستندة إلى السفارات - ولكنها، كإجراء دفاعي، غير دقيقة. لماذا إغلاق قنصلية سياتل وليس، على سبيل المثال، القنصلية في هيوستن؟

في إجراءاته الانتقامية، وضع الكرملين نقطة جيدة على الطبيعة العشوائية للاختيار من خلال إجراء استطلاع على تويتر يسأل فيه أي قنصلية أميركية في روسيا يجب إغلاقها. اختار المغردون الروس القنصلية في سان بطرسبرغ. كما أن طرد ستين دبلوماسياً أميركياً من روسيا - بالإضافة إلى المئات الذين طردوا في الصيف الماضي - سيجعل من الصعب جداً على الروس العاديين الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة وسيبطئ العمل الدبلوماسي اليومي في وقت يستمر فيه كلا البلدين في الادعاء بأنه مهتم في علاقات أفضل.

فئة ثانية من العقوبات تتعلق بالعلاقات التجارية والاقتصادية. يمكن اعتبار هذه العقوبات إما استراتيجية أو عقابية. فقد فرضت إدارة أوباما هذه الأنواع من العقوبات الواسعة رداً على غزو روسيا لأوكرانيا، ووضعتها كإجراءات استراتيجية تهدف إلى الضغط على فلاديمير بوتين لتغيير سلوكه. في هذه الأثناء، أوضح جون بولتون، مستشار الأمن القومي المعيّن، أنه ينظر إلى العقوبات كعقاب. لقد غرّد على تويتر وتحدث عن الحاجة إلى تحديد ثمن لروسيا رداً على "سلوك لا نقبله". كما يبدو أن مواقف عهد أوباما وحقبة ترامب، تنبعان من نفس الافتراض الأبوي بأن روسيا يمكن أن تُكره أو ترعب كي تتصرف بشكل مختلف. ومع ذلك، لا يوجد دليل على ذلك: فقد تراوحت استجابة روسيا للعقوبات باستمرار من اللامبالاة إلى التصعيد - بما في ذلك فرض عقوبات مضادة تسبب المزيد من الألم الاقتصادي بين السكان الروس. في الواقع، فإن فكرة أن الصعوبات الاقتصادية تقوّض حكم بوتين خاطئة. فالأوقات العصيبة يمكن أن تكون جيدة للأنظمة الاستبدادية، وقد استخدم بوتين الإرضاء الاقتصادي ببراعة لحشد الدعم الشعبي.

أما النوع الثالث من العقوبات فهو معروف في دوائر السياسة على أنه عقوبات "ذكية". (بولتون هو خصم قوي لهذا النوع من العقوبات). هذه العقوبات تستند إلى وجهة نظر عالمية أكثر اختلافاً، ترى البوتينية كنظام يمكن تقويضه من الداخل.

تتصور إحدى النظريات المؤيدة للعقوبات المستهدفة أن النخبة الروسية، حينما تصبح مضغوطة، سوف تتمرد ضد بوتين، وهي نظرية تخلق سوء فهم أساسي حول كيفية عمل دولة بوتين المافيوية. بوتين هو البطريرك في وسط عشيرة حيث يعتمد كل عضو فيه على المال والأمان الشخصي. هذه ليست الشروط التي يمكن أن إثارة فيها انتفاضة. ومع ذلك، فمن الصحيح أن العقوبات المستهدفة تقوّض سلطة بوتين باعتبارها المصدر الوحيد لرفاهية الصفوة: فهم يستهدفون مكانته كبطريرك.

العقوبات المعلنة يوم الجمعة تنتمي إلى هذه الفئة الأخيرة. إن هذه المعايير في العقوبات التي تعتمد معيار القرب من قرب بوتين والكم الهائل من الثروة المتأثرة، هي من دون شك أشد العقوبات قسوة على الأثرياء الروس.

ومع ذلك، فإن ما أبلغ باستهداف أفراد معينين غير واضح. إيليا زاسلافسكي، وهو سياسي روسي في المنفى يدير أعمالاً بحثية يصفها بأنه "مشروع بحثي عن الكليتوقراطيين kleptocrats (أي حكومة اللصوص) في مرحلة ما بعد السوفياتية"، أوضح في مقابلة أن اثنين من أغنى وأكثر المؤثرين في حاشية بوتين هما رومان أبراموفيتش وأليشير عثمانوف ولكل منهما أرصدة كبيرة في الغرب، غير مدرجين في قائمة العقوبات، في حين أن أوليغ ديريباسكا وفيكتور فيكسلبيرغ، وهما رجلان لهما ممتلكات كبيرة جداً في الولايات المتحدة، وأليسي ميلر، رئيس شركة غازبروم التي تحتكر الغاز الروسي، موجودون على اللائحة.

هل ستكون هذه العقوبات المستهدفة فعالة؟ أي شخص يتوقع أن تغيّر سلوك بوتين من المحتمل أن يصاب بخيبة أمل. أما إذا كانت هذه العقوبات ستضعف من سيطرة بوتين على السلطة على المدى الطويل فهو سؤال أكثر تعقيداً وربما سؤال لا يمكن الإجابة عليه. ولكن بدلاً من الحديث من جهة الاستراتيجية أو العقاب، يجب على المسؤولين الأميركيين العودة إلى نوع من التفكير الذي اعتاد الجمهوريون حبّه: وهو سياسة خارجية قائمة على القيم.

النظام الروسي يرتكب الاغتيالات السياسية، وحرب الأجور، وينتهك القانونين الدولي والوطني في جميع أنحاء العالم، ونجح في جعل الدول الغربية متواطئة في جرائمه، من خلال توظيف الشبكات المالية الغربية وجعل الدول الأوروبية، على وجه الخصوص، تعتمد على صادراته من الغاز والنفط. لا ينبغي اعتبار العقوبات جديرة بالاهتمام لأنها بالضرورة فعالة من الناحية الاستراتيجية أو حتى "ذكية"، ولكن لأنه مقيت أخلاقياً أن تكون متواطئاً في دعم البوتينية.

 

*ماشا غيسن لها العديد من الكتب، صدر لها كتاب مؤخرًا بعنوان: "المستقبل هو التاريخ: كيف استعادت الاستبدادية روسيا"، والذي فاز بجائزة الكتاب الوطني في عام 2017.

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت