مخاوف أوروبية من مفاجآت ترامب عشية قمة "الناتو"

شكا مستشار الأمن القومي السابق هربرت مكماستر خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، من أن الرئيس ترامب يعتقد أنه يمكن أن يكون صديقاً لبوتين وقال أنا لا أعرف لماذا يريد أن يكون صديقاً له.

أعرب ترامب مراراً عن إعجابه ببوتين ورغبته بالعمل معه لكن المؤسسة الأميركية العميقة منعته من ذلك

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريراً لمراسليها حول مخاوف الحلفاء الأوروبيين من قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المتوقعة والتي تضعضع العلاقة بين ضفتي المتوسط، وذلك عشية قمة حلف شمال الأطلسي وقمة ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي في 16 الجاري. والآتي ترجمة نص التقرير:
سيهبط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أوروبا الأسبوع المقبل وسط مخاوف من أن يفجر القمة الرئيسية التي تركز على الدفاع عن أوروبا ثم يقدم تنازلات لخصم حلف شما الأطلسي (الناتو) الرئيسي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

إن مخاوف الحلفاء وآمال موسكو متجذرة في نهج ترامب النشط تجاه السياسة الخارجية. في الأيام الأخيرة، أخبر ترامب كبار مساعديه أنه يريد خفض الإنفاق الأميركي على الدفاع عن أوروبا إذا لم يكن الحلفاء راغبين في المساهمة بشكل أكبر في الناتو، حسبما قال مسؤول كبير في الإدارة.

وتعكس التعليقات الخاصة رئيساً أبدى اهتماماً ضئيلاً بالتاريخ الطويل الذي يدعم تحالفات أميركا أو خبرة السياسة الخارجية الجماعية لحكومة الولايات المتحدة، وذلك وفقًا لمسؤولين أميركيين وأوروبيين حاليين وسابقين تحدثوا إلى نيويورك تايمز.

وبدلاً من ذلك، يعتمد ترامب على غرائزه وقدرته على صياغة روابط شخصية مع قادة العالم. ويشيد مسؤولو البيت الأبيض برغبة الرئيس في التساؤل عن الافتراضات التي طال أمدها وفي تحدي حلفاء أميركا - الذين ققلوا الإنفاق على الأمن على مدى عقود - في المساهمة بشكل أكبر في الدفاع عن أنفسهم.

وقال المسؤولون إن أسلوب ترامب قد شد أيضاً من عزيمة الحكام المستبدين، مثل بوتين، الذين يرون في ترامب شخصاً مستعداً للتغاضي عن الخطايا السابقة في سعيه للتوصل إلى اتفاق. وقد أثار أسلوبه مخاوف الحلفاء وبعض مساعدي ترامب المقربين، الذين يشعرون بالقلق من أنه قد يتخبط في قضايا مثل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم واستمرار زعزعة استقرار أوكرانيا.

حتى عندما فرضت إدارته عقوبات صارمة على موسكو وطردت الدبلوماسيين الروس، تجنب ترامب انتقاد بوتين. وهو سيجتمع معه في هلسنكي في 16 تموز يوليو الجاري.

وفقاً لمسؤولين أميركيين، فقد شكا مستشار الأمن القومي السابق هربرت مكماستر خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، من "أن الرئيس يعتقد أنه يمكن أن يكون صديقاً لبوتين وقال: "أنا لا أعرف لماذا يعتقد ذلك أو لماذا يريد أن يكون صديقاُ له."

كما كان نهج الرئيس مضعضعاً للعلاقات مع الحلفاء الذين يعتقدون بشكل متزايد أن ترامب – في مجالات التجارة، وحلف الناتو والدبلوماسية - يقوّض نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية لتحقيق أهداف قصيرة الأجل، وربما وهمية.

وخلال زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى البيت الأبيض في أبريل / نيسان الماضي، انتقد ترامب المحبط بشدة كلاً من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بحسب ما قال مسؤولون أميركيون وأوروبيون. ورداً على سؤال حول تعليقاته، قال الرئيس في تصريح لصحيفة واشنطن بوست إن "الهجرة تدمر أوروبا كما نعرفها، ومن المحزن جداً أن نشهد ما يحدث".

رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك استهزأ بـ"حزم ترامب المتقلب" وحذر من أن دول الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الاستعداد لسيناريو "أسوأ الحالات". من جانبه، يقول ترامب مراراً وتكراراً للقادة الأوروبيين مدى عدم رضاه عن الاتحاد الأوروبي وكيف أنه "أسوأ من الصين".

في الأيام التي سبقت قمة حلف الناتو، أرسل الرئيس ترامب وفريقه رسائل مختلطة. وركزت سفيرة الولايات المتحدة في الحلف، كاي بيلي هاتشيسون، على الإيجابيات، حيث روّجت لأكبر الزيادات في الإنفاق الدفاعي من قبل الحلفاء منذ نهاية الحرب الباردة. وتعهد السفير الأميركي في روسيا جون هانتسمان بأن ترامب "سيواصل مساءلة روسيا عن نشاطها الخبيث".

وعلى النقيض منهما ذلك، أبرز ترامب الشكاوى. وقال في اجتماع حاشد هذا الأسبوع في مونتانا: "سأخبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) - عليك أن تبدأ بسداد فواتيرك. يقتلوننا في التجارة. يقتلوننا في أشياء أخرى ... وعلاوة على ذلك، فإنهم يقتلوننا في حلف شمال الأطلسي". وقد دافع ترامب عن بوتين ووصفه بأنه "جيد" في ذلك الحدث.

وقالت "نيويورك تايمز" إن هذا التقرير يستند هذا إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، لوصف المداولات الداخلية وتفاعلات ترامب مع قادة العالم. لقد كان جوهر نهج ترامب الحر قائماً منذ الأيام الأولى التي قضاها في البيت الأبيض. بعد وقت قصير من توليه المنصب، بدأ ترامب في إعطاء رقم هاتفه الخلوي الشخصي إلى عدد قليل من الزعماء الأجانب، وفي نيسان - أبريل 2017 ، استشاط مساعدو البيت الأبيض الدهشة عندما أصدر المسؤولون في كندا ملخصاً قياسياً لمحادثة بين رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو وترامب. وفي الملخص، اشتكى ترودو من "واجبات غير عادلة" ومن مزاعم "لا أساس لها" بشأن التجارة من قبل مسؤولي إدارة ترامب.

ولم يكن أحد في البيت الأبيض يدرك أن الاتصال قد تم. وقال مسؤول أميركي كبير: "لم يكن لدينا أي فكرة عما حدث".

عادة، مثل هذه الاتصالات، حتى مع الحلفاء المقربين، هي شؤون مصممة. يقوم الخبراء الإقليميون بإعداد نقاط للحديث تغطي مجموعة واسعة من القضايا التي قد تثار. وسيقوم مستشار الأمن القومي بإطلاع الرئيس قبل المكالمة وسيبقى إلى جانبه لتقديم المشورة. وبعد المكالمة، يتم توزيع النص على مساعدين رئيسيين، الذين سيصدرون بياناً علنياً.

في هذه الحالة، اضطر المسؤولون الأميركيون إلى الاعتماد على ذاكرة ترامب. ووصف بيان علني مقتضب التصال بأنه "ودي للغاية".

وبعد المكالمة، حث مساعدو البيت الأبيض ترامب على توجيه جميع المحادثات مع الزعماء الأجانب من خلال غرفة العمليات، كما هو مطلوب بموجب قانون السجلات الفيدرالية، حسبما قال المسؤول الكبير.

وقال المسؤولون إن عدم جهوزية ترامب قد أضاف مستوى آخر من عدم القدرة على التنبؤ بتفاعلاته مع القادة الأجانب. ونادراً ما يقرأ الرئيس كتاب الإحاطة الليلية الذي يركز على القضايا التي يحتمل أن تظهر في الاجتماعات. ولتخفيف عبء عمل ترامب، قام المساعدون أحيانًا بوضع المعلومات الأكثر أهمية في مجلد أحمر، بحسب ما قال مسؤول أميركي كبير آخر.

في نوفمبر - تشرين الثاني ومرة ​​أخرى في مارس - آذار الماضيين، دعا ترامب بوتين إلى البيت الأبيض لحضور قمة بعكس مشورة مساعديه، الذين قالوا إن فرص التقدم في القضايا الجوهرية ضئيلة.

وبالنسبة لترامب، كان الاجتماع هو الهدف. وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الشهر الماضي، تكهن ترامب أنه وبوتين قد يخرجان بحلول لسوريا وأوكرانيا على العشاء.

وقال ترامب: "يمكنني القول: (هل ستفعل لي معروفًا؟ هل ستخرج من سوريا. يمكن أن تفعله لي معروفاً آخر؟ هل ستخرج من أوكرانيا)".

ويشعر بعض المسؤولين في البيت الأبيض بالقلق من أن بوتين، الذي أجرى اتصالات عدة مع ترامب، يلعب على قلة خبرة الرئيس وانعدام المعرفة التفصيلية حول القضايا مع إذكاء الشكاوى لترامب.

يشكو الرئيس الروسي إلى ترامب من "الأخبار المزيفة" ويأسف لأن مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية - "الدولة العميقة"، بكلمات بوتين - تتآمر ضدهم، حسبما قال أول مسؤول أميركي رفيع المستوى.

وقال بوتين لترامب: "ليس نحن، إن المرؤوسين يقاتلون ضد صداقتنا"، بحسب الملخّص الرسمي.

في محادثاته مع ترودو وماي وميركل، فإن ترامب في بعض الأحيان يكون حازماً، وقاسياً، بل متسلطاً في القضايا التي يعتقد بها بقوة، مثل التجارة، وذلك وفقاً لمسؤولين كبار في الولايات المتحدة. وقال المسؤول إن ترامب يقود المحادثة ولا يخجل من قطع الحلفاء في منتصف الجملة لتوضيح وجهة نظره.

مع بوتين، يتخذ ترامب منهجاً أكثر تصالحية، وغالباً ما يعامل الزعيم الروسي باعتباره مقرباً له.

وقد سأل ترامب بوتين في اتصال هاتفي في نوفمبر - تشرين الثاني 2017: "ما الذي تعتقد أنه ينبغي علي فعله حيال كوريا الشمالية؟"، وذلك بحسب ما ذكره المسؤولون الأميركيون. ورأى بعض هؤلاء المسؤولين أن طلب النصيحة كان ساذجاً - وهي علامة على أن ترامب يعتقد أن الدولتين شريكتان في الجهود الرامية إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. ووصف مسؤولون آخرون طلب ترامب بأنه محاولة ذكية للسيطرة على الزعيم الروسي الذي تقع بلاده على الحدود مع كوريا الشمالية ولطالما شاركت في الجهود الدبلوماسية بشأن برنامجها النووي.

وقد ظهرت ديناميكية مماثلة في سوريا، حيث عرض بوتين التعاون مع الجيش الأميركي في مكافحة الإرهاب ومساعدة ترامب في تحقيق هدفه بالانسحاب الأميركي.

لقد قلل مستشارو ترامب الصقور الحاليون والسابقون، بما في ذلك مكماستر، من عرض بوتين ووصفوه بأنه حيلة ساخرة، ويؤكدون أن هدف روسيا الأساسي هو دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى نطاق أوسع، تقويض النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط .

وقال مسؤولون أميركيون إن البنتاغون ينظر إلى اقتراح روسيا بتشكيك مماثل.

عشية قمة حلف الناتو، احتشد المسؤولون الأوروبيون لمناقشة كيفية تجنب تكرار اجتماع مجموعة السبع في حزيران – يونيو الماضي، والذي وصل فيه ترامب في وقت متأخر، وتركه في وقت مبكر ورفض التوقيع على بيان مشترك معتاد مع الزعماء الآخرين.

إن جميع تفاعلات ترامب مع قادة العالم تقريباً يودهها اعتقاده بأن قدرته على كسب الزعماء الأجانب وسحرهم وإغراءهم أكثر أهمية من تفاصيل السياسة أو تحقيق الأهداف الاستراتيجية. في كثير من الأحيان، يمكن أن تكون المكالمات مستطيلة ومربكة. وفي محادثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية، تباهى ترامب بممتلكاته في المملكة المتحدة، وسألها عن أداء مسؤولي وزارته، وانتقدها أحياناً لكونها "مستقيمة جداً سياسياً"، بحسب قول مسؤولين أميركيين وبريطانيين للصحيفة.

وقد ركز ترامب في جزء من اجتماعه عقده في وقت سابق من هذا العام مع السويديين، الذين هم محاورون مهمون بشأن كوريا الشمالية، بشأن الشكاوى المتعلقة بالعجز التجاري، ومفاجئاً بذلك رئيس الوزراء الزائر. علماً أن الولايات المتحدة ليس لديها عجز تجاري كبير مع السويد مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.

وقال ترامب العام الماضي للمسؤولون الأيرلنديون عندما طلبوا زيارة المكتب البيضاوي لتصحيح وضع المهاجرين غير الشرعيين من بلدهم في الولايات المتحدة: "حقاً، أنتم يا جماعة؟ شباب؟ حقاً؟".

في مرحلة ما، كان ترامب ثابتًا: فهو نادراً ما ينهي مكالمة مع رئيس الدولة من دون توجيه دعوة له إلى البيت الأبيض. وكان يقول: "في المرة المقبلة عندما تكون في واشنطن، توقف لتناول طعام الغداء في البيت الأبيض"، كما ينقل المسؤولون الأميركيون.

لقد قدم هذا العرض عندما حضه مستشاروه على عدم القيام بذلك. كان هذا هو الحال مع بوتين ومع رئيس البرازيل ميشيل تامر، الذي كان متأثراً بمزاعم الفساد ولم يكن يتمتع بشعبية كبيرة عندما تحدث ترامب معه في الخريف الماضي. فقبل المكالمة، حضه مساعدوه على عدم دعوة الزعيم البرازيلي إلى البيت الأبيض. فعلها ترامب على أي حال. قضى مساعدو البيت الأبيض الأسابيع القليلة القادمة يتهربون من مكالمات السفير البرازيلي الذي يحاول ترتيب الاجتماع.

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت