الضحايا الآخرون للنظام السعودي

أثارت جريمة قتل جمال خاشقجي الانتباه لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. نحن بحاجة إلى تذكر جميع آلاف المعتقلين في السجن.

هناك أكثر من 2600 معارض سعودي، بينهم علماء وكتاب ومحامون وناشطون في حقوق المرأة، محتجزون في السعودية

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة للكاتبة كاثرين زيوبف، تناولت فيها أوضاع آلاف سجناء الرأي والناشطين في المملكة العربية السعوية، داعية الزعماء الغربيين للضعط على ولي العهد السعودي لإطلاق سراحهم. والآتي نص ترجمة المقالة:

في تشرين الثاني - نوفمبر 2015، أمضيت أسبوعين كمراسلة صحافية في جدة، المملكة العربية السعودية. كان ذلك بعد أقل من عامين من زيارتي الأخيرة للبلاد وبعد نحو عشرة أشهر منذ تولي الملك سلمان للعرش، لكن المزاج بين النشطاء والمثقفين المحليين كان مظلمًا إلى حد كبير. وفي آخر مساء لي هناك، عرض عليّ صديقي فهد الفهد، وهو استشاري وناشط في مجال حقوق الإنسان، أن يأخذني في جولة قد تساعدني على تفسير الوضع الجديد.

ذهبنا بالسيارة إلى مسجد جفالي، وهو يقع خارج الساحة العامة لقطع الرؤوس التي نفذت في وقت سابق من هذا العام، وحيث تم جلد ناشط آخر، رائف بدوي، والمراجعات ناشط سعودي آخر، أمام مئات المتفرجين. ثم قدنا عبر الصحراء نحو بلدة ذهبان، حيث بنت وزارة الداخلية مجمع السجن الجديد، إذ قال فهد إن هذا السجن سيساعد في استيعاب الأعداد المتزايدة من النزلاء السعوديين المدانين بقوانين مكافحة الارهاب. في عهد الملك سلمان، شرح فهد، هذه القوانين كانت تستخدم على نطاق واسع لسجن المعارضين السلميين. وقال فهد "في كل مرة يرن فيها جرس الباب، أعتقد أن أحداً جاء كي يوقفني".

افتُتح سجن ذهبان المركزي بعد بضعة أسابيع من زيارتنا، وتم نقل العديد من المعتقلين البارزين في المملكة - بمن فيهم رائف بدوي ومدربه السابق وليد أبو الخير - إلى هناك. بعد أربعة أشهر، كان قد اعتقل فهد أخيراً، وسجن في ذهبان أيضاً. وهو الآن يقضي عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة "التحريض على العداء ضد الدولة" عبر التغريدات (على تويتر). وتشمل عقوبته حظراً لمدة 10 سنوات، سيبدأ بعد إطلاق سراحه، فضلاً عن حظر الكتابة مدى الحياة.

مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول - أكتوبر قد أدى إلى تكثيف الاستطلاعات الدولية عن ولي العهد ا السعودية والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، وأفعاله في الخارج. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب وقف إلى جانب ولي العهد، فقد صوت مجلس الشيوخ لصالح مشروع قانون ينتهي به المطاف إلى وقف الدعم الأميركي للحملة العسكرية في اليمن. وفي الأسبوع الماضي، طلب زعماء مجلس الشيوخ الحصول على إحاطة من مديرة سي.آي.إيه، جينا هاسبل، حول الأدلة على مقتل السيد خاشقجي. بعد اجتماع مع السيدة هاسبل، قال كبار أعضاء مجلس الشيوخ للصحافيين انهم كانوا مقتنعين من أن الأمير محمد قد أمر بعملية القتل.

وعلى الرغم من استمرار الغضب بشأن مصير السيد خاشقجي، فإن القليل جداً من الانتباه قد تركز على معاملة ولي العهد للمعارضين داخل المملكة، والذين غالباً ما يفتقرون إلى الموارد اللازمة للتفكير بحياة في المنفى، والذين هم الآن معتقلون بأعداد قياسية. وهناك أكثر من 2600 معارض سعودي، من بينهم علماء بارزون، وكتاب، ومحامون، وناشطون في مجال حقوق المرأة، محتجزون في المملكة العربية السعودية، بحسب "سجناء الرأي"، وهي مجموعة سعودية تتعقب السجناء السياسيين. وكان معظمهم قد أدينوا بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في المملكة، وحكموا بأحكام سجن بسبب هذه الجرائم غير العنيفة مثل "انتقاد الديوان الملكي" و"السخرية من الشخصيات الدينية." قليل من هؤلاء الناس معروفون في العواصم الغربية كما كان السيد خاشقجي، لكن قصصهم لا تقل أهمية عن قصته. فالسعودية لم تكن دائماً هكذا. إذا نظرنا إليها من بعيد، قد يبدو الملوك السعوديون وكأنهم طابور طويل غير متمايز من الحكام المستبدين. لكن درجة التسامح مع المعارضين قد تذبذبت بمرور الوقت، وهذا يتوقف على مزاج الحاكم والضغوط التي يواجهها.

على الرغم من أن سلف الملك سلمان، الملك عبد الله، غالباً ما تم انتقاده من قبل جماعات حقوق الإنسان الغربية، إلا أن المحافظين السعوديين هاجموه لتشجيعه النقاش العام حول الإصلاح. ففي عام 2003، وبينما كان لا يزال ولياً للعهد، بدأ عبد الله سلسلة من الاجتماعات التي جمعت ممثلين من مختلف قطاعات المجتمع السعودي لدراسة الحلول المحتملة لمشاكل المملكة. وبعد أن أصبح ملكاً في عام 2005، منح الملك عبد الله العديد من المنح الدراسية إلى مئات آلاف الشباب السعوديين إلى الجامعات الأوروبية والأميركية الشمالية. بحلول عام 2010 ، كان السعوديون من بين أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي طموحاً، حيث استخدموا تويتر وفيسبوك للقيام بحملات تدعو إلى حقوق أوسع وحريات أكثر، وخصوصاً للنساء.

لكن مشهد سقوط الزعماء العرب الذين استسلموا لثورات "الربيع العربي" قد أثار قلق الملك المسن ومستشاريه، مما دفعهم إلى التساؤل عما إذا كانوا قد ذهبوا بعيداً في تسامحهم. حاولت الحكومة السعودية شراء المعارضة، وإنفاق المليارات على المساكن العامة ودفع رواتب أعلى. وقامت بسجن بعض النشطاء الأكثر صراحة، بمن في ذلك محمد فهد القحطاني، وعبد الله الحامد ومحمد البجادي، وهم من الأعضاء المؤسسين للجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية الذين رفضوا أن تكون تحت القيود.

بعد أن تولى الملك سلمان العرش في كانون الثاني - يناير 2015، تسارعت وتيرة الاعتقالات، وارتفعت عمليات الإعدام، ووصلت إلى مستويات غير مرئية لم نشهدها لعقدين من الزمن. وجنباً إلى جنب مع هذه الحملة، حصل تحول متعمد، بقيادة الأمير محمد  الذي أضحى، في غضون أشهر من تتويج والده، مسؤولا عن النفط والسياسة الاقتصادية والقوات المسلحة. فقد تم تخفيض النقاش العام حول الإصلاح الاجتماعي بشكل حاد. ويقتصر الحوار الوطني حول التقدم الآن على التكنولوجيا وريادة الأعمال. هذا التركيز الجديد ضرب كثيراً من المثقفين السعوديين والذي تم حسابه لإبهار الزوار الغربيين الذين يخرجون من اجتماعاتهم مع ولي العهد يتدفقون بالثناء عليه.

بعد إعلان خطة رؤية ولي العهد "2030" لتنويع الاقتصاد السعودي في نيسان - أبريل 2016، أصبح الضغط لمجاراة الخط الرسمي المنصوص عليه في الرؤية أكثر عدوانية. نمت إجراءات القمع ضد النشطاء أكثر حدة. ولم يكن السعوديون هم فقط الذين اختلفوا مع الأمير محمد الذين وجدوا أنفسهم محتجزين: كان الأمير يقود حملة "مكافحة الفساد"، ولكن في نفس الوقت كان يشرف على سجن كتّاب مثل فهد، الذي انتقد الكسب غير المشروع الرسمي. وفي الوقت الذي سمحت فيه الحكومة للنساء قيادة السيارات، تم سجن الناشطات اللواتي دعون لحق المرأة بالقيادة، مثل لٌجين الهذلول وإيمان النفجان. في الشهر الماضي، ذكرت منظمة العفو الدولية أن البعض منهن قد تعرض للتعذيب.

  

*كاثرين زيوبف صحافية تكتب عن الشرق الأوسط وهي مؤلفة كتاب "أعظم بنات: الحياة السرية للشابات اللواتي يحولَن العالم العربي؟".

ترجمة: الميادين نت