الصوت اليهودي: تقليد من كسر التعادل

قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية يصل مستوى التوتر إلى ذروته وذلك في ظل الصراع اللصيق. ومع ذلك، وعلى خلاف الانشغال الإعلامي الواسع - المبرر بحد ذاته – حول أهمية أصوات المصوتين الملونين (الهسبان) والسود في الولايات الرئيسية، تم هذه المرة، بشكل نسبي، إهمال أهمية الصوت اليهودي. وهذا على الرغم من أن إلقاء نظرة تاريخية على نسبة مشاركة اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية هي أعلى بكثير من مشاركة بقية المكونات السكانية.

لا يحتل الانشغال بالصوت اليهودي قلب الجدل السياسي
فمنذ بدايات ثلاثينات القرن العشرين أصبح الصوت اليهودي عماداً رئيسياً ورائداً في التحالف الإثني (العرقي) الواسع الذي أسسه الرئيس فرانكيلين ديلانو روزفلت في مواجهة التدهور الاقتصادي العميق، والذي لعب في مرات كثيرة دوراَ حاسماً في فوز المرشح الديمقراطي في انتخابات البيت الأبيض. وعلى هذه الخلفية يُطرح السؤال حول إذا ما كانت هذه الرابطة التاريخية مع الحزب الديمقراطي، والتي عكست بشكل عام جدول الأعمال الليبرالي لليهود الأمريكيين في قضايا المجتمع والرعاية الاجتماعية، ستستمر في البقاء حتى في هذه الظروف، وإذا ما كانت الأهمية التاريخية للصوت اليهودي قد بقيت على حالها اليوم أيضاً؟

 

لقد هجرت الأقلية اليهودية منذ فترة طويلة المراكز البلدية التقليدية، التي عاشت فيها في الماضي جنباً إلى جنب مع جيرانها وشركائها في "التحالف الكبير"، وانتقلت للسكن في الأرياف. وعلى خلفية هذه التجربة الحياتية التعددية كان بالإمكان توقع أن ينجح الحزب الجمهوري في التغلغل إلى هذا القطاع وأن يقضم من المخزون الواسع للأصوات الديمقراطية الموجودة. إلا أنه، حتى الآن على الأقل، تحقق هذا التوقع بشكل جزئي فقط، ولم تمر نماذج تصويت الجالية اليهودية في علمية تحول. وحتى أن الرئيس الذي يُعتبر من أكبر المتعاطفين مع إسرائيل، جورج بوش الابن، لم يحظَ في انتخابات عام 2004 سوى بـ 24% من أصوات اليهود.

 

وفي مقابل ذلك فإن باراك أوباما، الذي كانت علاقاته مع القدس على الصعيد السياسي مشبعة بالتوتر ومليئة بالأزمات الشديدة، حصل قبل أربع سنوات على ما لا يقل عن 69% من أصوات الجالية (اليهودية). وهذا، بشكل أساسي، في ظل الارتباط الرئيسي الذي لا يزال قائماً بين المواقف الأساسية للمعسكر الديمقراطي حول مجموعة واسعة من القضايا الداخلية وبين رؤية شريحة كبيرة من الجمهور اليهودي لهذه القضايا. وكذلك، وعلى الرغم من حقيقة أنه في كل ما يتعلق بدرجة الدعم لإسرائيل (المستمَد، من بين أمور أخرى، من نهج صقري جداً في المجال الإستراتيجي العام) فإن الحكومات الإسرائيلية قد حظيت بظروف ودية جداً في عصر الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن مقارنة بالرياح الباردة التي هبت باتجاهها من واشنطن الرسمية خلال فترة ولاية أوباما.

 

وعلى خلفية هذه الديمومة فإنه من الواضح أيضاً لماذا لا يحتل الانشغال بالصوت اليهودي قلب الجدل السياسي. وحتى في الغد أيضاً، وعلى الرغم من أن (هيلاري) كلينتون كانت شريكة كبيرة على مدى أربع سنوات في إدارة اختطت طريق المواجهة مع إسرائيل في عدد من القضايا الجوهرية، فإنه من المتوقع أن تحصل على غالبية أصوات اليهود. وهنا يجب التذكير أيضاً أنه قد طرأ من الناحية الإستراتيجية تراجع معين في أهمية هذه الشريحة من المصوتين. ذلك لأن قسماً من التجمعات اليهودية، مثل نيويورك أو نيوجرسي، والتي كانت في السابق قسماً من ولايات الصوت المتأرجح ذات الأهمية الكبيرة، هي مضمونة اليوم تماماً في جيب المعسكر الديمقراطي. وفلوريدا وحدها ظلت، من هذه الناحية، ثروة انتخابية. ومن المفارقات أن الصوت اليهودي في فلوريدا (الذي يشكل حوالي 5.5% فقط) من شأنه أن يكون هو كاسر التعادل في هذه المعركة برمتها.

 

ترجمة: مرعي حطيني