المفتاح موجود في السعودية

بعيداً عن الأضواء، وبعد أن انتقل التركيز السياسي والإعلامي، ظاهرياً، من الشرق الأوسط إلى مناطق أخرى في أعقاب زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض، تتواصل المحاولات الأميركية من جديد لتحريك العملية السياسية على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية.

تتواصل المحاولات الأميركية من جديد لتحريك العملية السياسية على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية
ويمكن أن نجد في المهمة الراهنة، التي يقوم بها في المنطقة كل من جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، تعبيراً بارزاً عن الإصرار على اختراق حالة الجمود وصياغة مبادئ رئيسية مقبولة على الأطراف، والتي ستثمر تقدماً متدرجاً على طريق التسوية.

 

وعلى الرغم من أنه يبدو في المرحلة الراهنة أن الصيغة السحرية التي ستفضي إلى تلك التوافقات الأساسية لا تزال بعيدة المنال إلا أن هناك حقيقة واحدة واضحة وهي أنه في الوقت الذي وضعت فيه إدارة أوباما، منذ بداية طريقها، التسوية الدائمة كشرط مسبق وكخشبة قفز ضرورية لخلق "الشرق الأوسط الجديد" برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، فإن وريثه (ترامب) لا يرى أن هذه الجبهة بالذات هي جوهر كل شيء. 

 

إن العكس هو الصحيح: فمن وجهة نظر الإدارة الحالية الحديث يدور عن دعامة واحدة فقط من نسيج إقليمي واسع، والذي يبدي ترامب اهتماماً في تنفيذه، وذلك من خلال منح الأولوية في هذا الإطار لموقع ولمكانة المحور السعودي وليس الفلسطيني. وحقيقة أن المملكة العربية السعودية، التي تشعر بالتهديد في ضوء تعاظم قوة إيران بعد "اتفاق فيينا"، قد قررت التخلي عن سياسة المهادنة التقليدية التي كانت تتبعها حيال الجهات المتطرفة والسير في طريق الكبح والاحتواء الذي لا يعرف الهوادة، هذه الحقيقة تفتح لواشنطن نافذة فرص واسعة.

 

وعليه فإن صورة القوة التي تظهرها الإدارة (الأمريكية) الحالية، والتي تتعارض مع صورة الضعف التي وسمت إدارة أوباما، واستعدادها لتزويد السعودية بالسلاح المتطور وبكميات غير معهودة من قبل، يمنحان ترامب هامشاً واسعاً للمناورة وللنفوذ أمام الرياض. ومن هذه الناحية فإن المفتاح للتقدم في المسار الفلسطيني ليس موجوداً في القدس أو في رام الله بل هو موجود في العاصمة السعودية. فخروج السعودية من الصندوق، واستعدادها العلني لتحدي إيران والدائرين في فلكها (وكذلك لاعبين آخرين مثل قطر) يفسح المجال أمام الرئيس (ترامب) لمطالبة السعودية بالقيام بإجراءات لبناء الثقة تجاه إسرائيل.

 

وفي موازاة ذلك يتوقع المقربون من الرئيس أن يمارس السعوديون، المصممون الآن على الوقوف في الطليعة لمواجهة التهديد الذي تشكله حركات مثل حماس، الضغط على رام الله بهدف تليين مواقفها والمساعدة أيضاً في دفع التسوية. وإذا كان هذا بالفعل هو ميزان الآمال والفرص فإن زيارة كوشنير وغرينبلات تأتي لدراسة خطوات بناء الثقة التي ستكون إسرائيل على استعداد لاتخاذها، بطبيعة الحال، رداً على خطوات سعودية تجاه إسرائيل. ويمكن القول إن الحديث يدور عن مسار متعدد المراحل ومتواضع لن يحاول اجتثاث كل جذور الصراع الطويل دفعة واحدة، أو أن يفرض الحل على الأطراف. وبدلاً عن ذلك سيتطلع (المسار) إلى تسوية عناصر النزاع غير المشحونة، وكذلك خلق جزيرة من الاستقرار النسبي في قلب بيئة مضطربة ومشبعة بالعنف والانقسام.

ترجمة: مرعي حطيني