حان وقت الحساب

لأردوغان أسباب جيدة للشكوى من السياسة الأميركية في المنطقة. فبعد كل شيء، كانت قضية داعش جزءاً صغيراً من الصورة الأكثر شمولية والتي كانت تركز على تعاظم النفوذ الإيراني والشيعي في كل من العراق وسوريا، والحرب الأهلية الدامية في سوريا، وترسيخ مكانة روسيا في المنطقة بوصفها اللاعب الرئيسي وحتى كقوة عظمى إقليمية رائدة.

تسللت المخاوف إلى قلوب الأتراك من أن تكون لأوباما رؤية شاملة تجاه قضايا المنطقة
في الوقت الذي تصل فيه ولاية إدارة أوباما إلى نهايتها، يحين في واشنطن زمن الجرد، وربما حساب الذات. وفي الشرق الأوسط أيضاً هذه هي لحظة تقديم الحسابات وشحذ السكاكين. واللافت هنا هو أن من يستغلون فترة أفول إدارة أوباما من أجل تصفية الحسابات معها، وحتى لغرس سكين في ظهرها، ليسوا أعداء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة بل هم أصدقاؤها وحلفاؤها بالذات. فهؤلاء يشعرون بأنه قد تمّت خيانتهم من قبل واشنطن، ولذلك ليس بوسعهم إخفاء غضبهم وإحباطهم منها.   في الأسبوع الماضي كان دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اتهّم واشنطن بعدم مساعدة بلاده في الحرب ضد داعش، وبأنها ساعدت عبر سياستها، بل وفشلها، هذا التنظيم الإرهابي على زيادة قوته. وحتى أن بعضاً من معاوني أردوغان قد هددوا بطرد القوات الأميركية الموجودة في قاعدة أنجرليك الواقعة في جنوب تركيا، والتي يستخدمها الأميركيون في مجمل نشاطاتهم الجوية في المنطقة.  

إن أردوغان كعادته لا يدقّق كثيراً بما يقول. فقد فضّلت تركيا بزعامته، على مدى شهور طويلة، تجاهل نشاطات داعش في سوريا والعراق، وذلك لأنها كانت تتطلع إلى أن يصبح هذا التنظيم عاملاً موازناً للنفوذ الإيراني والشيعي المتعاظم في هاتين الدولتين. كما أن أردوغان نسي أنه قد وجّه في الماضي انتقادات شديدة لأولئك الذين حذروا من تعاظم موجة الإرهاب الإسلامي المتطرف وقال إن "الإرهاب الإسلامي" غير موجود. إلا أنه اكتشف عبر أصعب الطرق أن لداعش منطقه الخاص به، وأن أردوغان، بالنسبة لعناصر التنظيم، هو كافر تجب أيضاً محاربته بلا هوادة وبما لا يقل عن محاربة الغرب الصليبي والشيعة في المنطقة، وبخاصة لأن تركيا هي هدف بسيط، وسهل الاستهداف، بالنسبة لداعش.   ومع ذلك فإن لأردوغان أسباباً جيدة للشكوى من السياسة الأميركية في المنطقة. فبعد كل شيء، كانت قضية داعش جزءاً صغيراً من الصورة الأكثر شمولية والتي كانت تركز على تعاظم النفوذ الإيراني والشيعي في كل من العراق وسوريا، والحرب الأهلية الدامية في سوريا، وترسيخ مكانة روسيا في المنطقة بوصفها اللاعب الرئيسي وحتى كقوة عظمى إقليمية رائدة.

إلا أنه لم يكن لدى الولايات المتحدة الأميركية الردّ على كل هذه التحديات، وكانت كل الخطوات التي اتخذتها بمثابة خطوات تكتيكية لم تَقُد إلى أي مكان. وكانت إحدى هذه الخطوات الارتباط مع الأكراد في شمال سوريا، حيث كانت هذه الخطوة الإشارة الحمراء بالنسبة لأردوغان. والمستقبل وحده فقط سيكشف إذا ما كان الحديث يدور عن خطوة جاءت جراء تفكير شامل (في الإدارة الأميركية)، أو حتى قرار رئاسي، أو أن ذلك كان مجرد عملية استعراضية لإحدى وكالات المخابرات والأمن الأميركية التي عملت في المنطقة دون أن يكون هناك ارتباط في ما بينها، وحتى في تناقض بينها.    وقد تسللت المخاوف إلى قلوب الأتراك، وليسوا لوحدهم في هذا، من أن تكون لأوباما رؤية شاملة تجاه قضايا المنطقة تقوم على أساس مراضاة إيران، وحتى التصالح معها. ومن هنا يأتي الاستعداد للتسليم بتعاظم القوة الإيرانية في المنطقة على حساب أصدقاء واشنطن. وإلى جانب ذلك، هناك عدم الرغبة للعمل في الشرق الأوسط، وحتى عدم الرغبة في منع عودة موسكو إلى المنطقة للعب دور ريادي فيها، وهو ما يعني عملياً الحلول مكان واشنطن في تحديد إيقاع (تطورات) المنطقة، في الوقت الذي كان لا يزال بالإمكان فيه فعل ذلك.  
    
إن أردوغان عميل (من التعامل في التجارة وليس التجسس) غير سهل، بما في ذلك كونه يعرف كيف يقدّر القوة ويحترمها عندما يشعر بها. ولذلك تصالح مع بوتين، ولذلك أيضاً كان مستعداً لتطبيع علاقاته مع إسرائيل. وللسبب نفسه أيضاً نراه يستقبل ترامب بسيل من المديح. وعلاوة على ذلك فإن تركيا كانت الحليفة المقرّبة من واشنطن على مدى 70 عاماً تقريباً، وعليه فإنه إذا وصلت العلاقات التركية – الأميركية إلى الحضيض، بشكل غير مسبوق، فهذا لا يعني أن أنقرة تتحمل لوحدها المسؤولية عن ذلك.  وانضمّت إلى تركيا أيضاً السعودية ومصر، اللتان تغدقان المديح على ترامب ولا تخفيان غضبهما من الإدارة المنتهية ولايتها. وبذلك تنهي إدارة أوباما طريقها في المنطقة بلا أصدقاء. فهي قد تخلت عن أصدقائها، وحتى أنها لم تصالح أعداءها ولم تنقلهم إلى صفها. فهؤلاء، وهؤلاء أيضاً، يقدّرون القوة والعزيمة والرؤى الواضحة، وكل هذه الأمور، كما هو معروف، كانت غائبة عن سياسة واشنطن خلال السنوات الثماني الأخيرة.    

ترجمة مرعي حطيني