إسرائيل شرقية

أحضر الاشكناز معهم الطلائعية والديمقراطية الغربية والطريقة البرلمانية، الاكاديمية والتفكير الاجتماعي – الاقتصادي وأيضاً التطرف الايديولوجي والديني والسياسي. كل ذلك سبب الفشل الحالي. وبدون جسر إلى المنطقة لن يكون لنا مستقبل هنا، جسر كهذا لن يبنى من دون إرث يهودية الشرق، وإرث كهذا لا يمكن أن يتم بلا تقليص وتراجع جزء من السيطرة الاشكنازية التي انتهى مفعولها.

"إسرائيل المستقبلية ستكون مثل إرث الغرب وإرث الشرق"
عندما يهدأ الغبار­ والضجيج والغباء حول ايرز بيطون وغيدي اورشار، وعندما يصمت الانتهازيون والمحرضون، سيتبين أن المجتمع الاسرائيلي يمر بالفعل في عملية عميقة وحقيقية ويجدد الحركة من الغرب إلى الشرق.

أقيمت اسرائيل في عام 1948 على أنماط واضحة لوسط وشرق أوروبا، اليهودية والعامة، المؤسسات، الافراد، الثقافة، الارث والعادات كلها جاءت من هناك. ولكن عندما قامت الدولة تبين أن أغلبية الشعب التي كان يفترض أن تعيش بها، أُبيدت وهي غير موجودة. وهنا قامت الثورة الصهيونية بإحداث تحول دراماتيكي نحو يهود الدول الاسلامية، ليس كأمر مرغوب فيه منذ البداية، بل بشكل اضطراري في ما بعد، قطع غيار إنسانية للدولة الجديدة.

في مقابل الوجوه المتكدرة للمؤسسين على خلفية إغراق الدولة بـ "المواد الجديدة" وغير المعروفة لهم بعاداتها ولغتها، كانت فرصة القادمين لا توصف. وهكذا فإن اللقاء الاول كان نقطة انقسام مفصلية. في الوقت الذي كانت فيه الصهيونية الاشكنازية تمرداً فظاً ضد الام اليهودية. فقد كانت يهودية الدول الاسلامية في معظمها تحقيقاً للصلوات من أجل صهيون. صهيونية الثورة ضد صهيونية النشوة والارتقاء.

من أجل التوسط بين هؤلاء وأولئك، أقيم فرن الصهر بقلب الهوية الاسرائيلية، حاول الجهاز بكل السبل صهر الجميع وصبهم في قالب عبري جديد، لعموم الاسرائيليين. وتبين مع مرور الوقت أن الفرن لم يكن يعمل، الهويات لم تُصهر ولم تُمحَ، واسرائيل تواجه في الوقت الحالي حروق الصهر وتبحث بواسطة الصراع عن التوازن بين الهويات.

هذا هو السياق العام الذي بداخله تندلع كل مرة الغرائز القبلية ومتحدثيها الفظين مثل عوفاديا يوسيف ودودو توباز المرحومين او شلومو بينزري وغيدي اورشار اطال الله في عمرهما. مع اللامبالة تجاه العنصرية في الاقوال، كل واحد منهما يحاول ان يجر الارجوحة الاسرائيلية نحوه. كانت اسرائيل لسنوات طويلة اشكنازية في جوهرها، وكانت فيها علاقات قوة ذات مضامين عنصرية وعلى أساس عرقي. بعد سنوات من التشوه هناك من يدفعها الان إلى الطرف الاخر وهذا ليس سيئاً، بل قد يكون جيداً.

لكن التوتر البنيوي بين المؤسسين وبين المنضمين الذين أصيبوا، يدفع إسرائيل إلى الضياع. أصبحنا مكاناً منفصلاً وابتعدنا عن مطاري الخروج، التي في دول المسيحية ودول الاسلام. ولم يسبق أن وصلنا إلى المطار الهدف. أي المجتمع والدولة ذات الطابع الديمقراطي، ومع ذلك فهي جزء طبيعي من النسيج الجغرافي والثقافي الذي يحيط بنا. هوس الجدران ليس حاجة أمنية فقط بل جهد متواصل لتخليد الفصل عن المطار الشرق أوسطي الذي نرفض أن نحط به.

جزء من المسؤولية ملقى على الجيران وجزء كبير ملقى على أكتافنا القومية. المؤسسين الذين يتحدثون الايدش والروسية لم يسبق أن ينجحوا في التقرب من اليهود العرب وأيضاً من المحيط العربي. رغم أن الثقافة الاشكنازية ومؤسساتها هي جزء من علاقاتنا القليلة مع الغرب وهي جزء من العوائق بيننا وبين جيراننا القريبين والبعيدين. آن الاوان لتفكيك بعضها وبناء الجديد بدلاً منها والتعامل بشكل مختلف داخلياً وخارجياً.

حين تكون إسرائيل شرقية أكثر تربح أكثر. أنا اؤمن بأن التنازل عن السيطرة العليا للعنصر الاشكنازي في المجتمع الاسرائيلي والاعتراف بالاجحاف تجاه القادمين من دول الاسلام، سيمكن من تهوية الاسس القديمة وعدم إعطاء حقوق زائدة للبعض.

في إسرائيل لليهود والعرب والغربيين ستكون أنظمة اجتماعية جديدة متساوية. ستحترم كافة التقاليد الاسرائيلية ومن ضمنها الشرقية والعربية. لن تستطيع اسرائيل المتجددة من الامتناع عن الحوار الحيوي مع المجتمع الاسلامي الذي جاء منه الكثير منا.

أحضر الاشكناز معهم الطلائعية والديمقراطية الغربية والطريقة البرلمانية، الاكاديمية والتفكير الاجتماعي – الاقتصادي وأيضاً التطرف الايديولوجي والديني والسياسي. كل ذلك سبب الفشل الحالي. وبدون جسر إلى المنطقة لن يكون لنا مستقبل هنا، جسر كهذا لن يبنى من دون إرث يهودية الشرق، وإرث كهذا لا يمكن أن يتم بلا تقليص وتراجع جزء من السيطرة الاشكنازية التي انتهى مفعولها.

إسرائيل المستقبلية ستكون مثل إرث الغرب وإرث الشرق – ديمقراطية محافظة. لا يبدو لي أنه ستكون هنا أغلبية تتنازل عن القيم الغربية: ديمقراطية، حقوق، ومع ذلك سيكون الواقع أقل علمانية وأكثر محافظة في الهوية والسلوك. ستكون العربية لغة اجتماعية بشكل فعلي ومكان مشترك وليس فقط لغة الاقلية والشاباك.

جذور إسرائيليين في دول المنطقة ستحترم بالضبط مثل بولندا وروسيا. عادات دينية لن تكون سبب للتعالي. هذا النموذج – الحوار بين الطوائف داخلياً وبين الاديان داخلياً وخارجياً – يستطيع تحويل إسرائيل من مكان يعاني من مرض الصراع، إلى نموذج عالمي للحوار بين المختلفين والمعارضين.