بايدن يحلم في أن تكون أفغانستان مستنقعاً للصين وروسيا وإيران

ما نراه في أفغانستان هو قيادة مختلفة تماماً لحركة طالبان عما كنت أعرفه في الماضي. لقد تعلموا دروساً من أخطاء الماضي.

  • ملامح حكومة
    هل تغيرت حركة "طالبان" وتعلمت من دروس الماضي؟

كتب مدير "منتدى النزاعات"، الدبلوماسي البريطاني السابق أليستر كروك، مقالة في موقع الميادين باللغة الإنجليزية تناولت الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه أفغانستان. 

وقال الكاتب إنه أكثر من مجرد تلميح ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن عندما سُئل هذا الأسبوع من قبل المراسلين حول العلاقات المستقبلية بين حركة طالبان والصين، أظهر شماتة خالصة قائلاً: "الصين لديها مشكلة حقيقية مع طالبان". وأضاف: "ليست الصين وحدها، بل روسيا وإيران وباكستان أيضاً. إنها جميعها تحاول معرفة ما ستفعله الآن. لذا سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما سيحدث". 

ورأى الكاتب أن من الواضح أن بايدن يعبّر عن أمله في أن تتحول أفغانستان إلى مستنقع للصين وروسيا، كما كانت مستنقعاً للولايات المتحدة. كان واضحاً بالفعل ما قد تفكر فيه واشنطن من إدخال الصين إلى "الوحل الأفغاني" عندما أحجمت واشنطن عن إدراج اسم حركة "تركستان الشرقية الإسلامية" في قرار مجلس الأمن الدولي بشأن أفغانستان. فقد طالب نص المسودة الأصلية على وجه التحديد ألا تدعم "طالبان" حركات إرهابية معينة. أرادت الصين تحديد حركة "تركستان الشرقية الإسلامية" كذلك، لكن الولايات المتحدة اعترضت. وفي النهاية امتنعت الصين وروسيا عن التصويت على تصويت حذف الأسماء.

"حركة تركستان الشرقية" هي منظمة أويغورية "جهادية" متطرفة تأسست في غرب الصين. وتتمثل أهدافها المعلنة في إقامة دولة مستقلة تسمى تركستان الشرقية، لتحل محل مقاطعة شينجيانغ الصينية. وضعها الرئيس الأميركا باراك أوباما على قائمة الإرهاب، ثم أزالها الرئيس دونالد ترامب من القائمة، وترك بايدن الأمر على حاله.

وأضاف أنه يبدو أن بايدن وواشنطن لا يستطيعان تجاوز تلك القوالب الجامدة القديمة، فمستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغني بريجينسكي هو الذي أقنع أساساً الرئيس جيمي كارتر - بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان في عام 1979 - بالتوقيع على التوجيه السري لـ"زرع" أفغانستان بالمتمردين الإسلاميين المتطرفين. كان بريجينسكي يأمل في تقويض الحكومة آنذاك، وإغراق الاتحاد السوفياتي في الوحل الأفغاني. وقد مثل ذلك حينها، أول مشروع أميركي في استخدام "الجهاديين" المتطرفين كوسيلة لإضعاف، وفي النهاية تدمير، الحكومات غير الممتثلة لأميركا في الشرق الأوسط.

واليوم، بدلاً من إعداد مستنقع حفرته السعودية لروسيا في آسيا الوسطى، يبدو أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى القومية التركية باعتبارها المعجزة الجديدة لتعطيل ليس أفغانستان فحسب، بل آسيا الوسطى بأكملها، وخطوط الإمداد الاقتصادي أيضاً. 

تقول إحدى المؤسسات البحثية الأميركية المتشددة البارزة: "ستسعى أنقرة إلى استخدام موقعها الفريد في أفغانستان، والوصول إليها، لتحسين العلاقات مع حلفاء الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة". 

أما بالنسبة للتكاليف التي ينطوي عليها الأمر، تضيف المؤسسة: "من المرجح أن تهدف أنقرة ... إلى دعم تلك المسؤوليات التي تتحملها من خلال متابعة العقود الخاصة والموارد المالية الخارجية من حلفاء الناتو".

أفغانستان لديها أقلية تركمانية، ويمتد العرق التركي عبر آسيا الوسطى إلى شينجيانغ. يصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دوماً شينجيانغ بأنها مسقط رأس العرق التركي. فقد غادر الجزء الأكبر من القوات التركية أفغانستان في 27 آب / أغسطس، بسبب ضغوط حركة طالبان، كما نقل. ومع ذلك، اقترح أردوغان أنه "سيسعى إلى وضع تركيا كقوة إقليمية لأغراض الأمن والاستقرار!". واقترح أن تعمل تركيا ودول آسيا الوسطى التركية وباكستان بالاشتراك مع "طالبان"، التي اتخذت "خطوات إيجابية". ولم يحدد ما الذي تتضمنه تلك الخطوات، لكن تركيا يمكن أن تستفيد من علاقاتها مع دول آسيا الوسطى لمزج الأهداف التركية مع أهداف الولايات المتحدة وحلف الناتو، بحسب "معهد دراسة الحرب" الأميركي المتشدد.

وأضاف الكاتب أنه يمكن دمج أردوغان للأهداف التركية بأهداف روسية وصينية إذا كان السعر مناسباً له.

وتساءل الكاتب: هل ستتحول أفغانستان إلى مستنقع أم حرب أهلية؟

وأجاب بالقول: من المؤكد أن هذا ممكن، في مثل هذا المجتمع المتنوع عرقياً الذي تمزّقه الصراعات العميقة. صحيح أن الإسلاميين الأفغان لديهم خبرة قليلة في إدارة بلد ما. ومع ذلك، فإن مشكلة "القوالب القديمة" هي أنها تعود إلى عام 1979، وذلك منذ وقت طويل. إنها لا تعكس التغييرات الهائلة التي حدثت منذ صياغتها. ما نراه في أفغانستان هو قيادة "طالبان" مختلفة تماماً عما كنت أعرفه في الماضي. لقد تعلموا دروساً من أخطاء الماضي. لكن حتى هذا ليس هو النقطة الأساسية. 

وأضاف أن الاختلاف الرئيسي هو أنه عندما خرجت الولايات المتحدة من أفغانستان لأول مرة (بعد الانسحاب السوفياتي)، لم تفعل شيئاً لإصلاح البنية السياسية الأفغانية الفوقية بعد سنوات من صراعات الفصائل مع بعضها البعض. غسل الأميركيون أيديهم وتدافعوا إلى الخارج. كانت الحرب الأهلية مقررة مسبقاً. لقد قلت ذلك للسفير الأميركي ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت، لكنهم كانوا يستمتعون بـ"الانتقام" من روسيا لدرجة أنهم لم يأبهوا بذلك.

وتابع أليستر كروك: لكن هذه المرة، هناك اختلاف كبير واحد: الثورة في أفغانستان ليست سوى عجلة واحدة في إعادة ترتيب "اللعبة الكبرى". أفغانستان في حالة تحوّل غير محدد، لكن إيران تعيد توجيهها استراتيجياً نحو الشرق. وكذلك تفعل باكستان. إن آسيا الوسطى تعيد الانطلاقة نحو منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي وروسيا والصين.

قد يحلم فريق بايدن بـ"قلب" آسيا الوسطى، أفغانستان، باعتبارها مستنقعاً جديداً، لكن أميركا خرجت منها. لا أحد، ربما باستثناء الهند، يريد أن يمنحها أي ممراً إلى المنطقة.

ترى "طالبان" بوضوح من هو الآن في مقعد القيادة، فقد أكدت للصين أن "حركة تركستان الشرقية" لن تجد ملاذاً في أفغانستان. لقد كررت أنها ملتزمة بقيادة شاملة. وقدمت الصين بدورها خط مساعدات مالية طارئة: 31 مليون دولار. إنها البداية.

وختم الدبلوماسي البريطاني السابق مقالته بالقول إن النقطة المهمة هي أنه على عكس ما حدث عندما انسحبت أميركا أول مرة من أفغانستان، التي لديها الآن مجموعة دعم - هي إيران وباكستان وروسيا والصين - وجميعها لديها مصلحة كبيرة جداً في أن تكون أفغانستان كياناً مستقراً عاملاً، من دون حرب أهلية وغياب الإرهاب. وهذا ما يدعو إلى التفاؤل الحذر.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

مع بدء الولايات المتحدة تطبيق خطة الانسحاب من أفغانستان، بدأت حركة "طالبان" تسيطر على كل المناطق الأفغانية، وتوجت ذلك بدخولها العاصمة كابول، واستقالة الرئيس أشرف غني ومغادرته البلاد. هذه الأحداث يتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة دولياً وإقليمياً.