"تاس": إلى ماذا يدعو الأوليغارش "الأكثر كرماً" ومن يريد فضحه؟

وكالة "تاس" الروسية تشير في مقالها إلى الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من التقرير الجديد عن "إمبراطورية الإعلام" للعولمة الأميركية.

  • إلى ماذا يدعو الأوليغارش
    الملياردير الأميركي جورج سوروس

نشرت وكالة "تاس" الروسية، اليوم السبت، مقالاً للكاتب والمعلق السياسي، أندريه شيتوف، تحت عنوان "إلى ماذا يدعو الأوليغارش "الأكثر كرماً" ومن يريد فضحه؟".

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
 
قال الأميركي جورج سوروس ذات مرة عن نفسه، إنه يحاول "ثني قوس التاريخ" في الاتجاه الصحيح. هذا ليس تفاخراً فارغاً من جانب الملياردير، الذي وصفه ضابط السلك الدبلوماسي الأميركي المخضرم، مورتون أبراموفيتز، ذات مرة، بأنه "المواطن الوحيد في العالم الذي يملك سياسته الخارجية الخاصة".

وهو الذي اقترح في عام 1994، بعد ثلاث سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتي، على مجلة نيويورك الليبرالية "ذا نيو ريبابليك": "أن تكتب ببساطة أن الإمبراطورية السوفيتية السابقة اصبحت تسمى الآن إمبراطورية سوروس".

بعد ذلك رافقه مراسل الصحيفة المذكورة في رحلة إلى الخارج القريب من روسيا، التقى خلالها برئيس مولدوفا "لتناول الإفطار"، وبلغاريا "لتناول العشاء"، ولم يلتق بالزعيم الروماني "بسبب ضيق الوقت".

في ذلك اليوم، ظهر اسم الأميركي، الذي يسميه المدافعون ممولاً ومحسناً، وينعته آخرون بصفته مضارباً في الأسهم ومُلهِماً لـ "الثورات الملونة"، مرة أخرى في سياق فاضح. فقد كتبت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، على قناتها على تليغرام، انه "وفقاً لأبحاث MRC Business، أنفق سوروس ما لا يقل عن 131 مليون دولار للحصول على 253 منفذاً إعلامياً لتغطية الأحداث العالمية بالطريقة التي يريدها".

جذور"المجتمع المفتوح"

في الواقع، هذا هو رمز الإيمان بالنسبة لسوروس وهذه هي عقيدته. وحسب قوله، فأنه يسعى لغرسها حول العالم كجزء من مشاريعه. 

ولد غيورغي شوارتز، كما كان إسمه عند الولادة، في عام 1930 لعائلة يهودية ثرية في بودابست. نجا من الاحتلال الألماني للمجر والحرب العالمية الثانية بأكملها باستخدام وثائق مزورة حصل عليها رب الأسرة. وفي عام 1947 انتقل إلى لندن، ودرس ودخل في الأعمال المالية. اكتسب الأوليغارش شهرة عالمية بعد أن "أسقط" الجنيه الإسترليني بهجوم مضاربات في خريف عام 1992 وحقق أول مليار كجائزة كبرى - وهو ما تسبب في أزمة مالية حادة للبلد الذي آواه بعد الحرب.

وفي نيسان/أبريل 1993، أنشأ سوروس شبكة مؤسسات المجتمع المفتوح في نيويورك، والتي أصبحت الأداة الرئيسية لتحقيق تطلعاته العالمية، على الرغم من أنه في الواقع، على سبيل المثال، بدأ العمل في جنوب إفريقيا في عام 1979. أما الصندوق الهنغاري، النموذج الأولي للشبكة المستقبلية بأكملها، فأنشأه في عام 1984. وبعد ذلك بعامين جاء إلى الصين، لكن السلطات هناك أغلقت الحاجز أمامه.

ولكن بعد ذلك، وحتى "قبل سقوط جدار برلين"، ظهرت أموال سوروس في روسيا وأوكرانيا وبولندا، وانتشرت في السنوات الخمس التالية في جميع أنحاء فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية. يتفاخرون الآن "بتمويل المنظمات والأفراد في أكثر من 120 دولة". وفقاً لمصادر عامة، استثمر المالك بالفعل ما يزيد عن 32 مليار دولار فيها، تعتقد مجلة فوربس أنه من حيث حجم إنفاق الأموال الشخصية لمثل هذه الأغراض، فأنه لا مثيل لسوروس بين أكياس النقود في العالم.

"أجندة محرجة"؟

تدين مؤسسات المجتمع المفتوح باسمها لعمل الفيلسوف النمساوي البريطاني كارل بوبر، الذي يعتبره سوروس مثله الأعلى. وهي مدرجة على أنها مؤسسات خيرية وتسعى رسمياً لتحقيق أهداف معقولة تماماً - من "انتخابات منتظمة وحرة ونزيهة" إلى إنشاء "وسائل إعلام حرة وتعددية"، ومن "سيادة القانون المدعومة بقضاء مستقل" إلى "اقتصاد السوق".

فما الذي يمكن الاعتراض عليه هنا؟ يعترض الكثيرون، ليس فقط في روسيا، حيث تم إعتبار مؤسسة سوروس كمنظمة غير مرغوب فيها في عام 2015، ولكن أيضاً في عدد من البلدان الأخرى، بما في ذلك المجر، التي ينتمي إليها المؤسس.

علاوة على ذلك، تسببت أنشطة سوروس أيضاً بحرقة شديدة في الولايات المتحدة، حيث حصل على الجنسية الأميركية عام 1961. ويصبح سبب استياء المحافظين المحليين أكثر وضوحاً إذا نظرنا إلى كيف تبدو أهدافه وغاياته الحقيقية في تصورهم. جهود فاعل الخير البالغ من العمر 92 عامًا والتي تقدر بملايين الدولارات لدعم أجندة "المجتمع المفتوح" الغريبة، تتبنى بعض الأفكار اليسارية الأكثر راديكالية حول الإجهاض، الاقتصاد الماركسي، معاداة أميركا، وقف تمويل الشرطة، التطرف البيئي، وتعصب المثليين والمتحولين جنسيًا.

ألقاب لاذعة

بالطبع، عندما يتهم بعض الأميركيين الآخرين علانية بأنهم معادون لأميركا، فإن ذلك يبدو غريباً نوعاً ما من الخارج. ولكن يجب أن يكون مفهوماً أن هذه التقييمات ليست موجهة إلى جمهور خارجي، ولكنها مسجلة في سياق سياسي محلي بحت في الولايات المتحدة. الأمر نفسه ينطبق على التصنيفات الأخرى، لذلك يجب ترك الصفات اللاذعة الموجهة إليهم في ضمير من كتب التقرير، والذين سأتحدث عنها لاحقاً.

كم سعر الافيون للناس؟

فقط بين الأعوام 2016-2020، أنفق سوروس أكثر من 131 مليون دولار على "إمبراطوريته الإعلامية"، وأنفق أكثر من 103 مليون دولار على دعمها في 2000-2014. وقد تم التأكيد على أنه في الحالة الأولى تم تجاوز 100 مليون نقطة "في أربع سنوات فقط". على ما يبدو، كان هذا المبلغ المستدير في حد ذاته بمثابة أساس للمقارنة. ويُشار إلى أنه في انتخابات التجديد النصفي العام الماضي في الولايات المتحدة، كان سوروس "أكبر مانح"، حيث تبرع بمبلغ 128 مليون دولار لأغراض سياسية بحتة.

لقد تم تخصيص قسم منفصل من التقرير لصلات سوروس الشخصية مع صحفيين معروفين وقادة إعلاميين. أحصى هؤلاء المؤلفون 54 شخصًا. ومرة أخرى، لم يتم تقديم القائمة الكاملة، ولكن أهم ثلاثة "أتباع" من الأوليغارشية كانوا المذيعين التلفزيونيين ليستر هولت (إن بي سي)، وكريستيان أمانبور (سي إن إن) ومارجريت برينان (سي بي إس)، كما شمل العشرة الأوائل أيضاً رئيس NPR، ورؤساء تحرير صحف The Washington Post ووكالات أنباء "أسوشيتد برس" و"رويترز".

بناءً على التفسيرات والملاحظات، كان السبب المباشر للإدراج في هذه القائمة هو العضوية في مجالس إدارة منظمات مختلفة (بما في ذلك لجنة حماية الصحفيين) التي يدعمها سوروس مالياً.

ويقال، على سبيل المثال: "بما أن NPR هي بتمويل من سوروس، فإن جميع "المديرين والأعضاء الستة عشر لشركات الإدارة" مرتبطون بأمواله. والسبب غير المباشر هو دفاعه العلني عن الترويج الفعال لـ "أجندته اليسارية".

رواد الترامبية

إن مهمة كشف "الإمبراطورية الإعلامية" لسوروس، قد تم الاهتمام بها أيضاً من قبل منظمة غير حكومية، لكنها محافظة.. وهي منظمة MRC Business ، التي جرى توزيع التقرير تحت علامتها التجارية.

شعارها هو صورة كمامة كلب بولدوج، يسمي نفسه "مراقب وسائل الإعلام الأول في أميركا"، ويسعى إلى "تحييد التحيز اليساري في وسائل الإعلام والثقافة الشعبية" في الولايات المتحدة.

وهو يصوغ مهمته على نطاق أوسع على النحو التالي: "توثيق التزييف والرقابة في وسائل الإعلام الإخبارية ووسائل الإعلام الترفيهية وأكبر شركات تكنولوجيا المعلومات (Big Tech) والتصدي لها، وحماية المبادئ الأمريكية الأساسية والقيم اليهودية والمسيحية والدفاع عنها.

"ضمير العالم"؟

إن الخوض في الذكريات التاريخية أمر مثير للاهتمام ومفيد. سوف تتعلم الكثير من التفاصيل غير المتوقعة (على سبيل المثال، لم أكن أعرف من قبل أن سوروس كان مولعًا بالصحافة منذ الطفولة وحتى أنه نشر جريدته الخاصة The Lupa News)

في بعض الأحيان، تلاحظ علاقات وأوجه تشابه خفية، وأنا مقتنع بصحة كلام  ويليام فولكنر، الذي قال ذات مرة إن "الماضي لا يموت أبدًا؛ إنه ليس حتى الماضي".

لذا من الآن فصاعدًا، سأفهم عمق ومرارة تلك المواجهة الاجتماعية السياسية الداخلية في الولايات المتحدة بشكل مختلف، والتي غالبًا ما تُقارن بـ "حرب أهلية" أيديولوجية ومعلوماتية. وفي الوقت نفسه، دور سوروس في هذا الانقسام الأمريكي الداخلي بين اليمين واليسار، وفي تلك الحرب الهجينة بين الغرب الجماعي مع روسيا ، والتي نشهدها الآن.

في حياتي الصحفية أتيحت لي الفرصة لمقابلته شخصيًا مرتين أو ثلاث مرات، ولم يترك انطباعًا خاصًا عندي. أتذكر الشكوى من بعض مشاكله مع الاستثمارات غير الناجحة في بعض الشركات الروسية، وحثي على "عدم المبالغة" في قدراتها وتأثيرها. وفي حالات أخرى، وبشكل غير متوقع بالنسبة للعولمة، كان يقول إن أنشطة صندوق النقد الدولي تفيد الدائنين فقط، ولكن ليس المقترضين. بدا أنه شخص قام بتقييم كل من نفسه والواقع المحيط بشكل كاف.

والآن أقرأ كيف قال لأحد كتاب سيرته: "نعم، لدي سياسة خارجية خاصة أكثر وعياً. هدفي هو أن أصبح ضمير العالم."

كانت السيرة الذاتية بعنوان "سوروس: حياة وأزمنة الملياردير المسياني". وأرى حقاً في كلماته طعم الهوس، والذي بدونه لم يكن ليصبح ما أصبح عليه  الأن.

لأكون صريحًا، لم يقنعني تقرير مركز موارد المهاجرين بأنه مسؤول شخصياً عن كل ما يكتبه ويبثه الإعلام الليبرالي في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

لكن حقيقة أن "المتبرع الضخم" كان له يد في ذلك، في رأيي، أمر لا شك فيه.

أتفق تماماً مع الفكرة التي تم التعبير عنها في التقرير بأن عمل آلية معقدة تجمع بين المعلومات والدعاية وصناعة الترفيه، يمكن ضبطها بطريقة تدمج كل هذه الأصوات وتكمل وتعزز بعضها البعض، وتصبح سليمة ومنسجمة.

في الواقع، هل ما يتم القيام به هو من أجل تعزيز "الأجندة" الليبرالية المتطرفة مع تمويه العميل وحمايته من النقد المحتمل، أو، على سبيل المثال، لإثارة شعلة الهستيريا المناهضة للروس أكثر، وعدم السماح لها بوقف الحرب؟

على الرغم من أن الأول يقلق ويغضب النقاد المحافظين لسوروس في الولايات المتحدة، إلا أنهم لا يذكرون الثاني على الإطلاق، وعلى الأرجح، لا يفكرون حتى فيه. 

الفجل ليس أحلى من البصل

إن تكييف الصراع السياسي الداخلي الأميركي مع احتياجاتنا الحالية هو مهمة صعبة لا داعي لها. نعم، من الجيد والمفيد مشاهدة كيف أن اليمين واليسار في الخارج، وفي خضم الصراع، يقومون أحيانا بفضح بعضهم البعض بل والنظام بأكمله. لكنهم منذ فترة طويلة جعلوا من العمل كجبهة موحدة "ما وراء البحار" قاعدةً واتباع هذا المبدأ لدرجة، أنه في السياسة الخارجية لا يندمج "المحافظون الجدد" والمتدخلون الليبراليون فحسب، بل غالباً ما يندمجون لدرجة عدم القدرة على التمييز. خذ على سبيل المثال فيكتوريا نولاند: من الخارج، لا يمكنك تحديد أي معسكر من الأصح أن تنسبها إليه.

لكن القدماء علمونا أن عدو عدوي هو صديقي. تبدو عبارة منطقية. لكن في هذه الحالة، سأظل أكثر إقتناعاً بحكمتنا الشعبية: مشاجرات العشاق هي مجرد متعة، لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد.. وأن الفجل ليس أحلى من البصل.

نقله إلى العربية: فهيم الصوراني