"نيويورك تايمز": هل ستتمكّن أميركا من مواجهة الصين في ظل دعمها لأوكرانيا و"إسرائيل"؟

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تشير إلى أنّ الأحداث في غزة أعادت واشنطن إلى الشرق الأوسط من جديد، الأمر الذي يثير قلق شركاء أميركا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ولا سيما من التمدد الصيني.

  • الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الصيني شي جين بينغ (أرشيف)
    الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الصيني شي جين بينغ (أرشيف)

تحت عنوان: "في ظلّ دعمها الحروب الدائرة في أوكرانيا وإسرائيل؟" بدأ داميان كيف مقالته في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بالإشارة إلى أنّه بالنسبة إلى حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، فإنّ التركيز المفاجئ على قطاع غزة يُهدد تقدّم محور الولايات المتحدة، الذي طال انتظاره في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال كيف أنّه بعد أعوام من مشاهدة واشنطن وهي تتجنب مواجهة سوء المعاملة القاسية التي يتعرض لها الفلسطينيون في أغلبية الأوقات، من جانب الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، لم يعد البعض يثق بأن الولايات المتحدة تؤدي دور الوسيط العادل في هذا الصراع.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

بعد طول انتظار، تسارعت وتيرة التوجه نحو آسيا، وهو الأمر الذي وعدت به أميركا منذ فترة طويلة، ليصبح واقعاً من خلال عقد صفقات أمنية جديدة مع الفلبين والهند، وإجراء تدريبات عسكرية موسعة ووضع خطط مع الحلفاء للتغّلب على التكنولوجيا الصينية.

إلّا أنّ منطقة الشرق الأوسط، التي تشبه الدوّامة، أعادت واشنطن إليها من جديد. وبالنسبة إلى شركاء أميركا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذين يشعر كثير منهم بالفعل بالقلق إزاء تباطؤ الولايات المتحدة في مواجهة بكين، فإنّ التركيز المفاجئ على غزة، بمساعدة فرق عمل البنتاغون، وزيادة شحنات الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل"، والقيام بزيارات سريعة لعواصم الشرق الأوسط، يُعدّ مضيعة للوقت، ويؤخر عملية التقدّم في معالجة بعض التحديات الأكثر أهمية، التي تواجههم. 

وخلال مشاركته في منتدى استراتيجي في سيدني في أستراليا، قال أكيهيسا ناغاشيما، النائب ومستشار الأمن القومي السابق في اليابان: "إن أكثر ما يقلقنا هو تحويل موارد الجيش الأميركي من شرقي آسيا إلى أوروبا، وإلى منطقة الشرق الأوسط. ونأمل أن ينتهي هذا الصراع تماماً في أقرب وقت ممكن".

وبحسب قادة عسكريين أميركيين، لم يتم سحب أيّ معدات عسكرية من منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وستتم جولات يقوم اثنان من كبار المسؤولين الحكوميين، هما وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، في القارة الآسيوية، هذا الأسبوع، حاملين رسائل تطمين، على أن تشمل زيارتاهما معاً، أو بصورة منفصلة، كلاً من الهند واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا.

وخلال هذه الرحلة، سيستمع الوزيران إلى وجهات النظر المتعددة بشأن الوضع في غزة، مع دعم الهند لـ"إسرائيل" بصورة أكبر، وسعي اليابان لاتبّاع نهج أكثر توازناً، وغضب إندونيسيا، موطن أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، المتزايد إزاء مقتل الآلاف من المدنيين في غزة من جرّاء الغزو الإسرائيلي الذي أعقب الهجوم الذي شنته حركة حماس ضد "إسرائيل".

وعلى الرغم من التباين، الذي تشهده هذه الدول في مواقفها، فإنها كلها تتساءل عن كيفية موازنة أميركا انخراطها في حرب بعيدة أخرى، وعلى رأسها حرب أوكرانيا، مع احتياجات منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويتساءل كثيرون عن عدد التعهدات بشأن تقديم الدعم الذي يمكن أن تلتزم تنفيذه أميركا فعلياً، وهي السلطة التي تستنزف قواها في الخارج، وتعاني انقساماً سياسياً في الداخل.

ويُعَدّ توفير الأسلحة مصدراً مشتركاً للقلق، إذ تعاني صناعة الدفاع الأميركية نقصاً في الذخائر التي يتم توفيرها لكل من أوكرانيا و"إسرائيل"، بما في ذلك قذائف المدفعية من عيار 155 ملم. كما يتم إرسال الذخائر الموجهة والأنظمة الأميركية الأكثر تعقيداً من أجل استخدامها في كِلا الصراعين، حتى في الوقت الذي ينتظر شركاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تسلّم شحنات الأسلحة خاصتهم.

ونتيجةً لذلك، قد تواجه اليابان وتايوان وأستراليا تأخيراً في تسلّم المعدات العسكرية التي اتفقت عليها مع الولايات المتحدة، ووعدت هذه الأخيرة بإرسالها.

وفي معرض تعليقه على هذا الأمر، قال أندرو نين دزو يانج، وزير الدفاع التايواني السابق: "إنّ المسألة لا تقتصر على تسلّم هذه الأجهزة فحسب، بل تتطلب أيضاً تعليم الأفراد وتدريبهم على تشغيل هذه الأنظمة". 

وأردف قائلاً: "إنّ أكثر ما يقلقنا هو خسارة الولايات المتحدة قدراتها الهائلة والوفيرة لردع أيّ هجوم صيني محتمل". 

وإذا طال أمد الحرب في غزة، فإنّ آثارها قد تشهد تغييرات كثيرة. وفي حين أنّ الصراع الممتد يمكن أن يتسبب بإجهاد الترسانات الأميركية أكثر، فقد تستنتج الصين، من هذه التجربة، أنّ حرب المدن صعبة للغاية، وربما ترتدع بكين عن مواصلة تهديداتها بالاستيلاء على جزيرة تايوان ذات الكثافة السكانية العالية، والتي تَعُدّها أرضاً مفقودةً.

لكن، حتى الآن، يبدو أن بكين تفضل المضي في اعتماد سياسة حافة الهاوية. فبعد أسبوعين على هجوم حركة حماس على "إسرائيل" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قامت سفينة تابعة لـ"خفر السواحل الصينية" وأخرى تابعة للميليشيا البحرية بصدم سفن فلبينية تعمل على مهمة إعادة إمداد موقع "سكند توماس شول"، وهو موقع استيطاني فلبيني يقع في جزء من بحر الصين الجنوبي، تدّعي الصين أنه ملك لها. وتُعَدّ هذه الحادثة واحدة من أكثر المواجهات صدامية بين البلدين، منذ أكثر من 20 عاماً على الأخذ والردّ بشأن المنطقة المتنازع عليها.

بعدها بأيام قليلة، اقتربت طائرة مقاتلة صينية مسافة 10 أقدام من قاذفة أميركية من طراز B-52 في مناورة ليلية فوق بحر الصين الجنوبي، على نحو كاد يتسبب بحدوث تصادم، وهو جزء مما وصفه الجيش الأميركي بـ"النموذج الخطير من السلوكي العملاني العنيف والمحفوف بالمخاطر".

ووفقاً للأدميرال جون سي أكويلينو، قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإنّ الصين تسعى لـ"إرغام الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة". وأكّد مسؤولو البنتاغون أنّ الصين لن تنال مبتغاها.

أمّا بالنسبة إلى المشككين في التزام أميركا تجاه حلفائها، فإنّ التقلبات الحادة في اهتمامات واشنطن تُعدّ جزءاً من نسيجها التاريخي. وتشكل فيتنام أبرز الأمثلة على ذلك، وكذلك عهد الرئيس جورج دبليو بوش، الذي قال في أثناء حملته الانتخابية في عام 2000: "عندما أصبح رئيساً للبلاد، ستتأكد الصين من مدى قوتنا، وستدرك الهدف من وجودنا في المنطقة، وسترى مدى التزامنا القوي تجاه حلفائنا الديمقراطيين في مختلف أنحاء القارة الآسيوية".

وبعد مرور شهر على وقوع الهجمات في 11 أيلول/سبتمبر 2001، ذهب إلى بكين للقاء الزعيم الصيني في ذلك الوقت، جيانغ تسه مين. وفي محاولة منه لتجنب كل حديثه السابق عن العملاق الصاعد، كونه "منافساً استراتيجياً"، أكد بوش أهمية العلاقات التجارية بين البلدين وضرورة "مكافحة الإرهاب" معاً.

ولا تزال الهند تستذكر تأثير هذا التحوّل، الذي تمثّل بتقرّب الولايات المتحدة إلى باكستان، خصم نيودلهي اللدود، في حربها في أفغانستان. ومع توقع أن يلتقي شي جين بينغ، الزعيم الصيني الحالي، الرئيس بايدن، في قمة في سان فرانسيسكو، مقرر عقدها هذا الشهر، تساءل بعض المعلقين الهنود عما إذا كانت واشنطن ستنحاز مرة جديدة إلى منطقة الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، صرّح سي. راجا موهان، وهو باحث بارز في معهد سياسات المجتمع الآسيوي في نيودلهي، قائلاً: "في حال قمنا باسترجاع العلاقات التجارية القديمة، وتبنّي الفكرة القائلة إنّنا "سنتعاون معاً لإيجاد تسوية في آسيا"، فإنّ ذلك سيؤثر في تايوان واليابان والهند وجميع جيراننا؛ لكن باعتقادي لم نصل إلى هذه المرحلة بعدُ".

أمّا بالنسبة إلى بعض البلدان الآسيوية، فلقد أدى الصراع المتجدد بشأن القضية الفلسطينية إلى تأجيج المعتقدات القديمة، التي تتهم الولايات المتحدة بمعاداتها للإسلام، أو على الأقل بانحيازها الشديد إلى "إسرائيل". فبعد أعوام على مشاهدة واشنطن وهي تتجنب مواجهة سوء المعاملة القاسي، الذي يتعرض له الفلسطينيون في أغلبية الأوقات من جانب الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، لم يعد البعض يثق بأن الولايات المتحدة تؤدي دور الوسيط العادل في هذا الصراع.

ومن المتوقع أن يواجه وزير الدفاع أوستن لدى وصوله إلى إندونيسيا جمهوراً غاضباً، إن لم يكن احتجاجات مناهضة للولايات المتحدة، على الرغم من تقديمه المشورة إلى الجيش الإسرائيلي بشأن كيفية تجنب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين في غزة.

من جانبه، قال تشوتغ جا إيان، البروفيسور المشارك في كلية العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية، إن "هناك استهزاءً كبيراً تجاه الدعوات الأميركية إلى إسرائيل من أجل ضبط النفس. إذ إنّ إدارة بايدن تواجه مهمة صعبة ويتحتم عليها تحمّل أعباء السياسة الأميركية السابقة، الأمر الذي يزيد في أهمية قيامها بتصحيح الأمور وإظهار محاولاتها الجاهدة أن تكون منصفة".

وأضاف السيد تشونغ أنّ الجهود التي بذلها السيد بلينكن للقاء القادة العرب ومحاولة التوسط لوقف القتال من أجل تقديم المساعدات الإنسانية "تحاول أن تغيّر الرأي القائل إنّ الولايات المتحدة تدعم إسرائيل ببساطة، بغض النظر عن الأفعال التي تقوم بها". وخلال اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع، الأسبوع المنصرم في اليابان، أيّدت مجموعة الديمقراطيات الرائدة الدعوة إلى إعلان "هدنة إنسانية".

أمّا بالنسبة إلى اليابان وغيرها من شركاء الولايات المتحدة في آسيا، فإنّ الحرب في غزة تُهدد بعرقلة إمدادات النفط والتقدم على المستوى الأمني. ومن وجهة نظرهم، كلما انتهت الحرب، بصورة أسرع، تمكّن العالم من الالتفات بصورة أسرع إلى ما تعدّه واشنطن التحدي الأكثر إلحاحاً، والمتمثل بردع الصين والتنافس معها في عالم مترابط. 

وردّاً على سؤال وجهه أحد الصحافيين إلى بلينكن في اليابان، عمّا إذا كانت الولايات المتحدة منشغلة للغاية بالصراعات في غزة وأوكرانيا، بحيث لا يمكن توجهها نحو آسيا، قال: "إنّنا مصممون على مواصلة ما خططناه، فنحن قادرون على تأدية أكثر من مهمة في الوقت عينه. وبالتالي، تُعدّ منطقة المحيطين الهندي والهادئ منطقة حيوية لمستقبلنا".

وتابع: "إنّنا، في خضّم تعاملنا مع أزمة حقيقية في غزة والشرق الأوسط، قادرون على تصويب انتباهنا بصورة تامة إلى جميع مصالحنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

 

نقلها إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.