"ذي ناشونال انترست": هل ستبقى الولايات الأميركية متحدة؟

إذا كان مستقبل الولايات المتحدة سلبياً بالقدر الذي يأمله خصومها ، فإن روسيا والصين - فضلاً عن دول أخرى - ستراه بالتأكيد فرصة لتعزيز طموحاتهم كقوى عظمى.

  • "ذي ناشونال انترست": هل ستبقى الولايات الأميركية متحدة؟

كتب مارك ن. كاتز في موقع "ذي ناشونال انترست" مقالاً ناقش فيه النظريات الصينية الروسية بحتمية انهيار الولايات المتحدة الأميركية أو على الأقل عدم احتفاظها بهذا الشكل من الاتحاد، بسبب الإشكالات الداخلية الناتجة عن تزايد أعداد مواطنيها من غير البيض، ويستعرض التجارب التاريخية المماثلة ولا سيما الصينية والروسية، ويعتبر أن إعادة النهوض بعد هذا التفكك، في حال حصوله، سيكون أمراً حتمياً.

فيما يلي النص الكامل للمقال منقولاً إلى العربية*:

في بعض الأحيان تفقد الدول السيطرة على جزء كبير من أراضيها قبل استعادة جزء كبير منها أو حتى كلها. يمكن أن يحدث هذا بسبب الغزو الخارجي، أو عندما تؤدي الصراعات الداخلية إلى الانفصال. في بعض الأحيان، يمكن للحكومة أو ما يمثلها،استعادة السيطرة على الأراضي التي فقدتها سابقاً. حدث هذا في تاريخ الولايات المتحدة والصين وروسيا.

بعد سنوات من الخلافات السياسية الحادة بين الولايات الأميركية في الشمال والجنوب، حول قضايا أساسية من ضمنها "العبودية والعنصرية"، انفصلت معظم الولايات الجنوبية عن الاتحاد إثرانتخاب أبراهام لنكولن لموقع الرئاسة في عام 1860، الذي خاض حرب أهلية شرسة، أدت إلى هزيمة الولايات الشمالية ومشروعها الكونفدرالي، في العام 1865، العام الذي شهد إعادة ترميم الاتحاد الفيدرالي. 

أدت الثورة الصينية في أوائل القرن العشرين، التي أطاحت بسلالة (مانشو)، إلى تقسيم الصين إلى مناطق يسيطر عليها أمراء الحرب. ومع ذلك، فقد انقلبت الصورة مع صعود حزب "الكومينتانغ" في عشرينيات القرن الماضي. كذلك لم يهدّد الغزو الياباني لمنشوريا في عام 1930 وحدة الصين فحسب، بل هدد وجودها كدولة مستقلة. وبعد هزيمة اليابان في عام 1945 وصعود الشيوعية الماوية في عام 1949، تم لم شمل الصين واستمر ظهورها كقوة عظمى.

وبالمثل، انهارت الإمبراطورية الروسية في أعقاب سقوط القيصر نيكولاس الثاني والتقدم العسكري الألماني. بعد التخلي عن جزء كبير من أراضي القيصر الغربية في معاهدة "بريست ليتوفسك" عام 1918، تمكن الروس من إعادة دمج معظمها بقوة بعد انهيار الإمبراطورية الألمانية نهاية الحرب العالمية الأولى.

لكن الغزو الألماني النازي عام 1941 هدد بتدمير الاتحاد السوفيتي بالكامل. بفضل الجهود غير العادية للجيش الأحمر بالإضافة إلى إمدادات الأسلحة الأميركية والبريطانية، طردت موسكو القوات الألمانية من الأراضي السوفياتية مكتسبة نفوذاً واسعاً لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.

بعد ما يقرب من نصف قرن، انهار الاتحاد السوفياتي في نهاية عام 1991 لأسباب متعددة: عبء استمرار الحرب الباردة على الاقتصاد السوفياتي الضعيف، وتقلص عدد السكان من أصل روسي نسبياً من إجمالي عدد سكان الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى اتفاقية ديسمبر 1991 بين 3 دول من مكوناته الرئيسية على أن الاتحاد السوفياتي لم يعد موجوداً. ثم استبدل الاتحاد  بـ 15 دولة مستقلة. 

لقد استعاد الرئيس فلاديمير بوتين لروسيا، جزءاً من الأراضي التي فقدتها لصالح أوكرانيا في القرم، وهو الآن يعيد النفوذ الروسي، في عملية مستمرة.

 تنحاز الحكومات لفكرة انهيار منافسيها من القوى العظمى، وإلى ما يؤدي إلى ظهور حكومة أكثر ملاءمة أو الانقسام إلى عدة ولايات. بعد الحرب الباردة، كان هناك أمل في أن تتعاون روسيا والصين مع الغرب - أو حتى في أن تنضم إليه.  من الواضح أن هذه الأفكار راوحت في التمنيات.

وبالمثل، هناك من في روسيا والصين يأملون في حدوث شكل من أشكال التفكك أو الانهيار في الولايات المتحدة. في عام 1998، توقع الأستاذ الروسي إيغور بانارين تفكك الولايات المتحدة إلى 6 أجزاء بحلول عام 2010، وحتى أنه نشر خريطة توضيحية. كذلك، العديد من الباحثين الصينيين واثقون تماماً من أن أميركا في حالة تدهور بسبب الانقسامات الداخلية. وفي العديد من النقاشات غير الرسمية غالباً ما يتوقع المتحدثون الروس والصينيون أن انهيار الولايات المتحدة محتمل أو لا مفر منه.

كيف سيحدث هذا؟ 

الولايات المتحدة في طور التحول الديموغرافي من الأغلبية البيضاء إلى الأغلبية من غير البيض، الذين لن يسلموا السلطة طواعية للأغلبية الناشئة. وبدلاً من ذلك، سيعملون على الحفاظ على سلطتهم بالقوة.  وفي أفضل الأحوال من وجهة النظر الروسية والصينية، ستتفكك الولايات المتحدة بالفعل. وهذا من شأنه أن يمنحهم فرصا ثمينة.

ولكن حتى إذا ظلت الولايات المتحدة دولة موحدة، فإن الجهود المطلوب بذلها من جانب السكان البيض للاحتفاظ بالسيطرة على تزايد عدد السكان غير البيض سيجعل الولايات المتحدة أقل رغبة وقدرة على إرسال قوات عسكرية إلى الخارج، وبالتالي هذا لصالح روسيا والصين وخصوم الولايات المتحدة الآخرين. أميركا بهذا الشكل بالتأكيد لن تزعج روسيا والصين بشأن افتقارهما للديمقراطية أيضاً.

هل الرؤية الروسية والصينية لمستقبل أميركا مجرد أمنيات؟ هذا أمر يقرره الأميركيون. ولكن إذا كان مستقبل الولايات المتحدة سلبياً كما يأملون، فإن تجارب روسيا والصين تظهر أن الانحدار يمكن أن يتبعه الصعود مجدداً.

 

* نقله إلى العربية: حسين قطايا