الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 ما بعد السابع من أكتوبر: سياسة تكميم الأفواه

يُمارس الاحتلال سياسات ممنهجة لإفراغ الفلسطينين من أرضهم ونزع هويتهم وأسرلة الوعي الوطني والجمعي، خاصةً تجاه مَنْ ظلّوا في أراضيّهم بعد النكبة ونكسة حزيران. إلاّ أنّ أحداث السابع من أكتوبر مثّلت صدمة للعقيدة الأمنية الإسرائيلية.

  • يتعرض الفلسطينين في الأراضي المحتلة عام 1948 منذ 7 أكتوبر للتضييقات والقمع من جانب الاحتلال
    يتعرض الفلسطينين في الأراضي المحتلة عام 1948 منذ 7 أكتوبر للتضييقات والقمع من جانب الاحتلال

يتعرض الفلسطينين في الأراضي المحتلة عام 1948 منذ السابع من أكتوبر 2023، للتضييقات والقمع من جانب الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته في محاولة لتفكيك النسيج الوطني الفلسطيني.

استخدام الاحتلال أدواته لكسر وإخضاع إرادة الشعب الفلسطيني جاء بشكل مركب وأكثر تعقيداً في الداخل المحتل، بصفته يسيطر على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 كسلطة سياسية ومدنية واقتصادية، ممّا يجعل الفلسطينين تحت وطأة "الدولة الإسرائيلية".

وكان أبرزها هذه الأدوات، الاعتقالات وفصل الطلبة الفلسطينين من الجامعات الإسرائيلية وطرد الموظفين من أماكن عملهم لمجرد مساندتهم لأبناء شعبهم.

"إسرائيل" تخشى وحدة الساحات الفلسطينية

حاولت "إسرائيل" القضاء على أيّ تحرك شعبي ووطني في الداخل الفلسطيني المحتل بعد "هبّة الكرامة" عام 2021، فيما أصدرت أحكام مرتفعة وخيالية تتعارض نسبياً مع لوائح الاتهام الخاصة بمعتقلي الداخل. وبالرغم من سياسات التخويف والترهيب، إلاّ أنّ الأهالي خرجوا في مسيرات ومظاهرات بعد السابع من أكتوبر رافضين الحرب على قطاع غزة ومؤكدين على وحدة الهّم والألم، مما وضع الاحتلال أمام سيناريو القلق والخوف من إعادة مشهد "وحدة الساحات" و"هبة الكرامة" عام 2021. 

وللحديث أكثر عن أوضاع الفلسطينين في الداخل المحتل، قابلت الميادين نت، الناشط م.و، الذي قال إنّ "الاحتلال يُصنّف الفلسطينين في الداخل المحتل ضمن الدرجة ثالثة"، مضيفاً: "نحن نعاني من قوانين عنصرية خُصصت لنا في كافة مجالات الحياة، في البناء والمسكن والتعليم وحرية التعبير بالإضافة لأهم قانون (قانون القومية)".

وأشار إلى أنّ "ما قبل السابع من أكتوبر كنا نشعر بالظلم ولكن الممارسات بحقنا أقل وطأة من الضفة الغربية وغزة فيما تصاعد عنف الاحتلال خلال هبة الكرامة، وعلى اثره شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات وأصدرت بحق المعتقلين أحكام عالية".

وأضاف، م.و أن"الاحتلال تألّم من الحراك في الداخل المحتل على مستوى المظاهرات والوقفات التضامنية"، موضحاً أنّه "يريد فرض السيطرة كي لا تفرط المسبحة ونعود إلى هبة الكرامة".

ولفت إلى أنّ "الشعب الفلسطيني انتفض خلال هبة الكرامة وخرج إلى الشوارع بعد أعوام من محاولات الترويض للداخل المحتل، خاصةً بعد الانتفاضة الثانية، فيما حاولت المؤسسة الإسرائيلية على مدار سنوات حظر أي حركة فلسطينية في الداخل، تعبّر عن توجه وكينونة فلسطينية ووطنية كالحركة الإسلامية الشمالية". 

وأكّد للميادين نت أنّ "هبة الكرامة كانت صدمة للمؤسسات الأمنية والأجهزة الإسرائيلية، بحيث إنّها تخشى أن يتجدد التحرك في سياق العدوان على قطاع غزة"، مضيفاً أنّ "إسرائيل تحاول تشكيل حالة من الخضوع والذل بين الفلسطينين".

وفي ذات الشأن، قابلت الميادين نت المحامي موفق أبو سليمان من مدينة شفا عمرو في الداخل المحتل، الذي بدوره قال إنّ "أي شخص يعرب عن تضامنه عبر منصات التواصل الاجتماعي أو المظاهرات، يجري اعتقاله".

وأضاف أنّ "إسرائيل اليوم تستند على قانون مكافحة الإرهاب عند إصدار الأحكام المرتفعة بحق الأسرى الفلسطينين بالداخل المحتل"، لافتاً إلى أنّ "أبرز لوائح الاتهام استندت إلى تهمة التحريض".

من الجدير ذكره أنّ "قانون مكافحة الإرهاب" الذي أصدر عام 2016، يُحاكم عليه كل مَنْ أعلن أو أصدر موقف يتماثل مع تنظيم تصفه "إسرائيل" بـ "الارهاب".

وبحسب دليل حقوقي صادر عن المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية "عدالة"، فيما يتعلق بالقانون، فإنّ بعض المخالفات تعتبر الأرضية الرئيسية للاعتقال على خلفية التعبير على شبكة الانترنت، وتعتبر بعض العبارات محظورة كالتعبير عن الدعم أو الموافقة على أنشطة قامت بها منظمات أُعلنت في "إسرائيل" أنها "ارهابية".

ويضيف الدليل أنّ "دعم أمور معروفة وفق قانون مكافحة الإرهاب كأنشطة إرهابية أو تُشجع على أنشطة كهذه، أو عرض رموز أو أناشيد تتبع لمنظمة أُعلن عنها كـ إرهابية يُعدّ مخالفة". 

وتابع المحامي موفق أبو سليمان، أنّ" القمع الذي تمارسه إسرائيل هو امتداد لهبة الكرامة"، مضيفاً: "نحن مقبلون على مرحلة جديدة ومختلفة بكافة المفاهيم والأشكال".

وبشأن الانتهاكات الأخرى التي يتعرض لها الفلسطينين في الداخل المحتل، كالطرد أو فصل طلبة الداخل من الجامعات الإسرائيلية، بيّن أبو سليمان أنّ "ما يقارب 300 طالب تم استدعائهم للجنة استماع بحجة نشرهم وفاعليتهم على مواقع التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أنّ "تشابه إدارة الجامعات الإسرائيلية المحكمة الإسرائيلية في جوهرها، ولكن باختلاف التفاصيل".

سياسة تكميم الأفواه

منذ بداية الحرب على قطاع غزة، تصاعدت نسبة الاعتقالات في فلسطين المحتلة، وتحديداً في أراضي 48 المحتلة. ولم تستطع المؤسسات رصد جميع حالات الاعتقالات والانتهاكات، فيما رصد مركز عدالة 22 حالة اعتقال من بينها 12 حالة على خلفية مظاهرة في مدينة أم الفحم في التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

 وقد طالت هذه الاعتقالات، الناشط محمد جبارين، من مدينة أم الفحم، الذي اعتقل بالتاريخ المذكور، خلال تواجده في مظاهرة دعا إليها النشطاء في بلدة أم الفحم.

محمد جبارين (31 عاماً) هو أب لطفل عمره 10 أشهر، عمل كمدرس في المدرسة الأهلية في أم الفحم لمدة عامين، قبل أن يُبعد عن التعليم بأمر من وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، في إثر تشيكل الحراك الفحماوي.

ونشط جبارين في المركز الجاهيري لمدينة أم الفحم، وعرف بحضوره المؤثر على الصعيد الاجتماعي بين أوساط الشبان والتنظيمات والفصائل الفلسطينية، فيما قاد مجموعات شبابية تطوعية لخدمة وتعزيز العمل التطوعي ومحاربة الجريمة في الداخل المحتل ضمن الحراك الفحماوي الموحد. 

وللحديث أكثر عن تجربة محمد وعائلته، قابلت الميادين نت والدة الأسير محمد جبارين، أم البراء، التي بدورها قالت إنّ "محمد اعتُقل بعد إنهاء مظاهرة سلمية ضد الحرب على قطاع غزة وقتل النساء والأطفال الأبرياء".

وأشارت إلى أنّ "هدف المظاهرة إيصال رسالة إلى المسؤولين والسياسيين بإيقاف الحرب، تأكيدًا على وحدة الشعب الفلسطيني رغم محاولات الاحتلال سلخنا عن أبناء جلدتنا".

كما أكّدت أنّ "القمع الذي تمارسه إسرائيل هو سياسة لتكميم الأفواه ومنع أي تحرك تضامني مع أهلنا في قطاع غزة".

وفيما يتعلق بوضع محمد الذي يقبع حالياً في سجن "ريمون" الصحراوي، قالت والدته إنّه "بعد شهرين من تواجده في سجن مجدو، نُقل لاحقاً إلى التحقيق في سجن الرملة بعد أن أدلى بشهادته بشأن الظروف التي يعيشها برفقة الأسرى أمام المحكمة". 

وأضافت أنّ "العائلة لم تعرف أي معلومة عن ابنها إلاّ بعد 3 أسابيع من اعتقاله، على الرغم من محاولة المحامين من معرفة مكان احتجازه لإجراء زيارة قانونية والنقاش حول قضيته".

كذلك، لفتت إلى أنّ "المحامين استطاعوا معرفة مكانه بعد أن أُجريت له محكمة عبر تقنية الفيديو ليظهر أسفل المكالمة أنّها صادرة من سجن ريمون".

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال باعتقال محمد جبارين، وإنّما تعرضت عائلته بعد ما يقارب شهر من اعتقال نجلها إلى عملية إطلاق نار استهدفت المنزل وسيارة والده الطاهر، فيما أُطلق نار في اتجاه منزل الأسير السابق أحمد خليفة الذي اعتُقل في ذات اليوم الذي اعتقل فيه جبارين.

أمّا فيما يتعلق بالالتفاف الشعبي حول أهالي أسرى الداخل المحتل في ظل فرض التقيدات من جانب المؤسسات الصهيونية على الأسرى وعائلاتهم، فقالت أمّ البراء، إنّ "بعض العائلات لم يتلقوا الدعم الاجتماعي، فيما تحاول بشكل مستمر توجيه الصحافة نحو هذه العائلات لتسليط الضوء على قصص أبنائهم".

كما وجّهت رسالة إلى عائلات الأسرى الفلسطينين، قائلةً: "كل التحية والفخار لكل أسير فلسطيني.. أولادنا وقفوا في وجه سياسة تكميم الأفواه وقالوا لا لقتل النساء والأطفال وكفى للتدمير والحرب".

يُذكر أنّ الأسرى منذ السابع من أكتوبر يعانون من سياسة العزل التي تفرضها إدارة مصلحة السجون، حيث مُنعت الزيارات العائلية أو حتى إمكانية ادخال الأموال للأسرى عبر مقصف السجن.

وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، فإنّ إدارة مصلحة السجون تتعمد اتّباع سياسة التجويع واستمرار تقليص نسبة وصول الماء إلى الأسرى والأسيرات وحرمانهم من أبسط حقوقهم، كتوفير أدوات النظافة الشخصية للحلاقة أو الاستحمام، فيما تفاقمت سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى الفلسطيني، وارتقى 7 شهداء منذ السابع من أكتوبر.

يُمارس الاحتلال سياسات ممنهجة لإفراغ الفلسطينين من أرضهم ونزع هويتهم وأسرلة الوعي الوطني والجمعي، خاصةً تجاه مَنْ ظلّوا في أراضيّهم بعد النكبة ونكسة حزيران. إلاّ أنّ أحداث السابع من أكتوبر مثّلت صدمة للعقيدة الأمنية الإسرائيلية  إذ حطّمت المقاومة الفلسطينية معادلة التفوق التقني والعسكري، وأثبتت أنّ المضطهد قادر على مواجهة جلاده بالكفاح المسلح.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.