قرار نتنياهو بشأن الأقصى.. ما الذي يمكن أن يؤدي إليه فلسطينياً وإقليمياً؟

مع اقتراب شهر رمضان المبارك من المرجّح أن تُقدم حكومة نتنياهو على تقييد دخول أهالي الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية إلى المسجد الأقصى، فهل يُشعل الاحتلال بقيادة نتنياهو شرارة حربٍ أوسع؟

  • الأقصى المبارك
    هل يُشعل الاحتلال بقيادة نتنياهو شرارة حربٍ أوسع؟

مع اقتراب شهر رمضان المبارك واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة من 7 أكتوبر في العام 2023، وافق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على مقترحِ وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، تقييد دخول أهالي الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك في توقيتٍ رأى خبراء بأنّه يمثّل إشكاليةً حساسةً بالنسبة إلى "إسرائيل".

وتأتي موافقة نتنياهو بعد مطالبة بن غفير يوم الجمعة الماضي، بحظرٍ كامل لدخول الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الحرم القدسي تماماً خلال شهر رمضان بينما يُسمح لأهالي الأراضي المحتلة عام 1948 بالدخول ابتداءً من سن الـ70 عاماً، مع العلم أنّ حكومة نتنياهو لم تتخذ قراراً بهذا الشأن حتى الآن.

هذه الموافقة جاءت خلافاً لتوصية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إذ لم يلق طلب بن غفير قبولاً لدى كلٍ من "الجيش" وجهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك"، خوفاً من تأجيج المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الأمر الذي يؤدي إلى إشعال ساحات مواجهة أخرى في القدس المحتلة والضفة الغربية، وإمكانية تطور الأوضاع لتشمل ساحات إضافية. 

وقد اقترح "الجيش" و"الشاباك" السماح للفلسطينيين في عمر الـ45 فما فوق بدخول المسجد الأقصى، في حين اقترحت الشرطة السماح فقط لمن تتجاوز أعمارهم 60 عاماً بالدخول، وكذلك اقترحت نشر قوّة دائمة في ساحات المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، بهدف التعامل الفوري مع ما وصفتها بـ"حملات التحريض"، أو رفع أعلام حركة "حماس".

"قرار سيُشعل الساحات"

ورداً على قرار التقييد الإسرائيلي، وتوقيته المتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزّة، قال المؤرخ الفلسطيني البروفيسور، محمود يزبك، في تصريحاتٍ خاصّة للميادين نت إنّ قرار تقييد دخول الفلسطينيين إلى الأقصى خلال شهر رمضان، والذي قد تتخذه الحكومة الإسرائيلية، "سيولّد بالضرورة ردّات فعل شعبية شديدة قد تؤدي إلى إشعال المنطقة من جديد وبقوّة أكبر مما حدث خلال الأشهر الماضية".

وأضاف أنّ الحكومات الإسرائيلية حاولت خلال السنوات الماضية اتخّاذ مثل هذا القرار بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، وفي العادة كانت تتراجع عن هذا القرار أو تليّن في موقفها بسبب توصيات الاستخبارات الأمنية الإسرائيلية والتقديرات المرتبطة بخطورة الموقف، ولكن لم يحدث أنّها قررت مثل هذا القرار تجاه الفلسطينيين المقدسيين أو فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948.

وأشار يزبك إلى أنّه حين اقتحم  أرئيل شارون المسجد الأقصى عام 2000 انتفض فلسطينيو الـ 1948 انتفاضتهم المشهورة والتي عرفت باسم "هبة الأقصى" وامتدت على طول البلاد، مشدداً على أنّ "قرار الحكومة الإسرائيلية إنّ تمّ تطبيقه سيؤدي حتماً لاتخاذ خطواتٍ إسرائيلية لاحقة لتقسيم الأقصى مكانياً وزمانياً كما تسعى لذلك الأحزاب اليهودية اليمينية المتطرفة، وهذا القرار سيؤدي بالضرورة إلى هبّة فلسطينية ما سيُشعل أحداثاً لا نعرف عُقباها، علماً أنّ القرار سيؤكد وحدة الساحات الفلسطينية في ردّها وقد تنضم إليها الساحات العربية والإسلامية خارج فلسطين.

وبرأي رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية، هشام يعقوب فإنّ القرار الإسرائيلي يُعدّ استمراراً لسياسات التقييد والإغلاق والمنع التي انتهجتها السلطات الإسرائيلية بحقّ المسجد الأقصى والمصلين فيه منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وتابع يعقوب في تصريحاتٍ خاصّة للميادين نت أنّ "أخطر ما في هذه القرارات أنّها تأتي في سياق محاولات الكيان تثبيت التقييد والإغلاق في المسجد الأقصى ليكونا سياسة دائمة، في محاولةٍ لفرض واقعٍ جديد على المسجد الأقصى عبر قطع المدد البشري الإسلامي عنه، وإفراغه من المكوِّن البشري الإسلامي، والاستفراد به لتشريع أبوابه أمام اقتحامات المستوطنين وطقوسهم اليهودية داخله.

وأردف أنّه سيكون للقرارات الإسرائيلية تبعاتٌ خطيرة، ففي كل المرّات التي كان يتجرَّأ فيها الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى، كان الفلسطينيون بالمرصاد بالهبَّات والانتفاضات والثورات، فالتاريخ والحاضر يقولان ذلك، منذ ثورة البراق عام 1929 حتى "طوفان الأقصى" الذي لا يزال مستمرّاً دفاعاً عن حُرمة المسجد الأقصى، ورفضاً لاعتداءات جنود الاحتلال ومستوطنيه ومسؤوليه على المسجد الأقصى.

وتعليقاً على تفصيل القرار الإسرائيلي الذي يستهدف الأقصى ومُصليه شدد يعقوب على أنّ هامش الخلاف بين "الجيش" و"الشاباك" و"الشرطة" وبن غفير في مسألة تقييد دخول المصلين إلى الأقصى أو منعهم في رمضان ضيِّق، فكلُّهم يُجمعون على فكرة التقييد، ولكنَّ الخلاف في تفاصيل أعمار الفلسطينيين الذين سيشملهم التقييد والمنع.

هل يقود نتنياهو المنطقة إلى "حرب دينية"؟

وعن موافقة نتنياهو على مطالب بن غفير تقييد دخول الفلسطينيين إلى الأقصى خلال شهر رمضان، قال المؤرخ الفلسطيني البروفيسور محمود يزبك إنّه "حينما اقترح بن غفير منع معظم المسلمين (حسب أعمارهم) من الصلاة في الأقصى خلال شهر رمضان٬ والذي سيصبح لاحقاً منعاً دائماً٬ كما تفعل إسرائيل دائماً٬ سيكون ردّ فعل المسلمين عنيفاً حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية من تجريدهم من حقّهم الديني الطبيعي في أقدس مقدساتهم".

ولم يغفل يزبك عن نقطة مهمة وهي أنّ أمر المنع من الممكن أن يزيح الصراع عن مساره القومي٬ الوطني والسياسي ويحّوله إلى صراعٍ ديني بين المسلمين واليهود على أقدس المقدّسات الإسلامية. وهذا الصراع الديني لن يبق كالصراع السياسي منحصراً في المنطقة والإقليم بل بالضرورة سينضم إليه المسلمون المؤمنون بحقّهم الديني في كل أنحاء المعمورة.

بدره، أكّد رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية، هشام يعقوب أنّ نتنياهو خاضع بالكامل لكتلة الصهيونية الدينية المتطرفة في حكومته، لأنَّ الخلاف مع هذه الكتلة قد يقودها إلى فسخ عقد الاتئلاف مع حزبه الليكود، وسقوط حزبه وحكومته. وهذا لا يعني أن نتنياهو أقلّ تطرفاً من هذه الكتلة، بل هو ركن من أركان اليمين الصهيوني المتطرف.

وذكر أنّه منذ بداية تشكيل حكومة نتنياهو الحالية بالتوافق مع غلاة المتطرفين الصهاينة كسموتريتش وإيتمار بن غفير، كان المسجد الأقصى في قلب الاستهداف، فقد وضعت "منظمات الهيكل" المتطرفة قائمة من المطالب على طاولة حليفها بن غفير وزير الأمن القومي؛ لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى لمصلحتها، وبالفعل تعهَّد بن غفير لتحقيق أقصى ما يُمكن من مطالب لأنَّها بالأصل مطالبه التي يؤمن بها وفق عقيدة التطرف التي ينتمي إليها، وفق يعقوب.

كما لفت إلى أنّه "ثمَّة مسألة مهمَّة في هذا السياق، وهي أنَّ نتنياهو معنيٌّ بتوسيع دائرة الاشتباك مع الفلسطينيين بهدف إشعار جمهور المستوطنين أنَّ هناك تحدياتٍ خطيرة محدقة بالكيان، أملاً في أن يتغاضى المستوطنون عن فشله وفساده ومحاسبته".

وأشار يعقوب إلى أنّ إصرار المسؤولين الصهاينة على استهداف المسجد الأقصى بدعمٍ من "منظمات الهيكل" المتطرفة سيؤدي إلى انفجار كبير، ويبدو أن قيادة التطرف الإسرائيلي لم تتعلم من معركة "طوفان الأقصى" في العام 2023، ومعركة سيف القدس في العام 2021، وهبة باب العمود في العام 2021، وهبة باب الرحمة في العام 2019، وهبة باب الأسباط في العام 2017، وانتفاضة الأقصى في العام 2000، وهبة النفق في العام 1996، وغير ذلك من الهبّات والانتفاضات التي كان المسجد الأقصى شرارتها.

وأكّد أنّ "هذا المسجد له خصوصية ومكانة رفيعة لدى المسلمين، ولا يمكن السماح بتهويده وتدنيسه والاعتداء عليه. وإذا كان الاحتلال يراهن على ضعف المسلمين، أو يظن أنَّ بقوته الباطشة يمكنه قمع الفلسطينيين وفرض ما يريد من اعتداءات في المسجد الأقصى فهو واهمٌ؛ وعليه أن ينتظر ردّة الفعل".

وخلال السنوات الماضية، حوّل الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى المبارك إلى ساحةٍ مُشتعلة ولا سيما في شهر رمضان إذ دارت في ساحاته مواجهات عنيفة، بسبب تزامن اقتحامات عيد الفصح اليهودي معه (شهر رمضان)، في وقتٍ كان يحاول فيه مصلون الاعتكاف داخل المسجد، بينما تُصرّ "شرطة" الاحتلال على اقتصار الاعتكاف على العشر الأواخر من الشهر الفضيل.

وتعمل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض عقوبات على الفلسطينيين قبيل شهر رمضان إذا تبعد الناشطين المقدسيين عنه، وتمنع كثيرين من الوصول إليه عبر تعزيز وجودها عند أبوابه وفي الأزقة التي تؤدي إليه، ومع بداية الشهر الفضيل تعيق إدخال الإفطارات وتعرقل وصول الحافلات القادمة من أراضي عام 1948 أو من الضفة الغربية وتمنع تجمّع الفلسطينيين لا سيما عند باب العمود،الأمر الذي يؤدي إلى مواجهات يومية خلال الشهر المبارك.

يُشار إلى أنّ كادر الميادين نت تواصل مع شخصياتٍ عدّة في موقع المسؤولية داخل المسجد الأقصى المبارك، وقدّمت الشخصيات اعتذارها عن التصريح بسبب منع الاحتلال التواصل مع القنوات الإعلامية، ولا سيما قناة الميادين.

اقرأ أيضاً: سلطات الاحتلال تتوقع سيناريو "صعباً" في رمضان: أمن السلطة سيوجه الأسلحة ضدنا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.