أوروبا أكبر مهرّب للنفايات غير القانونية في العالم... و"آسيان" الوجهة المفضّلة

يعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر مصدر للنفايات البلاستيكية في العالم، إذ تبلغ صادراته أكثر من 40% من التجارة المعروفة.

  • أوروبا أكبر مهرّب للنفايات غير القانونية في العالم... وآسيان الوجهة المفضّل
    أوروبا أكبر مهرّب للنفايات غير القانونية في العالم... وآسيان الوجهة المفضّل

إذا بحثنا عن حقيقة الحروب والأزمات والفتن، نجد الغرب سببها الرئيسي أو المحرّض والداعم لها. وحين نتوقف عند أسباب تغير المناخ وتلوث البيئة، نكتشف أن دوله هي المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وحتى عندما نغوص في خلفيات أزمات النفايات القائمة في بعض الدول الآسيوية، تخبرنا الأرقام والدراسات والمنظمات الأممية أن المنظومة الأوروبية تقوم بتهريب نفاياتها إلى منطقة جنوب شرق آسيا، إذ تتولاها كيانات ومجموعات منظمة ومتخصصة بهذه التجارة المخالفة (بأغلبها) للقوانين والمعاهدات الدولية، وخصوصاً البيئية منها. 

"آسيان" مكب للنفايات الأوروبية

في السنوات الأخيرة، شهدت تجارة النفايات العالمية تحولاً كبيراً بسبب سلسلة من التدابير التي اتخذتها الصين عام 2018، وفي مقدمتها الحدّ من تدفق النفايات غير المرغوب فيها إلى البلاد.

تبعاً لذلك، أدى التأثير المضاعف لحظر استيراد النفايات الذي فرضته الصين إلى إعادة فتح خطوط جديدة لتهريب النفايات العالمية، لا سيما تجاه منطقة آسيان التي تواجه بلدانها، بما في ذلك ماليزيا وفيتنام وتايلاند، وإندونيسيا خصوصاً، تدفقاً غير مسبوق لشحنات غير قانونية من النفايات يتم استيرادها بكميات كبيرة من الدول الأوروبية الصناعية.

ويعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر مصدر للنفايات البلاستيكية في العالم، إذ تبلغ صادراته أكثر من 40% من التجارة المعروفة، وفقاً لتقرير صدر هذا الشهر عن Unwaste (وهو مشروع للأمم المتحدة يهدف إلى مكافحة تهريب النفايات بين الاتحاد الأوروبي وجنوب شرق آسيا).

بدورها، أقرّت المفوضية الأوروبية أنَّ هناك ما بين 15 - 30% من شحنات النفايات المصدّرة من الاتحاد الأوروبي غير قانونية. ومع ذلك، تستفيد دوله من الأموال الطائلة غير المشروعة التي تعود عليها من تجارة النفايات، والتي تقدر بمليارات اليورو سنوياً.

استقبلت دول "آسيان" 17% من واردات النفايات البلاستيكية في العالم من 2017 إلى 2021، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة للعام 2023، مع أنها موطن لأقل من 9% من سكان العالم. ومن عام 2016 إلى عام 2018 وحده، شهدت المنطقة نمواً في واردات النفايات البلاستيكية بنسبة 171%، لتصل إلى 2.26 مليون طن، استناداً إلى موجز صادر عن منظمة "غرينبيس" عام 2019.

عائدات "آسيان" من تجارة النفايات

يعدّ تصدير القمامة إلى جنوب شرق آسيا بمنزلة منجم ذهب للعاملين بهذه التجارة المحظورة، من المافيات والعصابات العابرة للحدود، وفرصة بالنسبة إلى الدول الأوروبية للتخلص النفايات، وخصوصاً البلاستيكية منها، التي تشكل عبئاً كبيراً عليها، عدا عن كون هذه التجارة شرياناً مالياً مهماً يدر على الطرفين أرباحاً طائلة.

من هنا، واستناداً إلى تقرير للأمم المتحدة، استوردت دول آسيان مجتمعة أكثر من 100 مليون طن من النفايات المعدنية والورقية والبلاستيكية بقيمة تقارب 50 مليار دولار (47 مليار يورو) بين عامي 2017 و2021، والأرقام نقلاً عن تقرير لإذاعة "صوت ألمانيا" أو "دويتشه فيله" في نيسان/أبريل الفائت.

وبحسب المفوضية الأوروبية، تبلغ الإيرادات الناتجة من الجزء المنظم من الأعمال الشرعية لتجارة النفايات في منطقة الاتحاد الأوروبي وحدها 9.5 مليار يورو سنوياً. ويتكون جزء كبير من هذا الرقم من الرسوم التي تدفعها البلديات لشركات خاصة لإعادة التدوير في البلدان الأخرى.

أسباب ازدهار تجارة النفايات في آسيان؟

لا يزال يُنظر إلى الإتجار بالنفايات على أنه نشاط إجرامي مربح للغاية في جنوب شرق آسيا. لذلك، أكدت سيرينا فافارين، عالمة الجريمة في جامعة "كاتوليكا ديل ساكرو كوري" الإيطالية، أنَّ المتاجرين بالنفايات يستخدمون أساليب وسلاسل توريد متطورة للتهرب من الضوابط وشحن النفايات إلى بلدان آسيان، حيث اللوائح الرقابية هناك أقل صرامة، فضلاً عن أن أسعار التخلص من النفايات بطريقة غير قانونية متدنّية بشكل ملحوظ مقارنة مع البلدان الأخرى.

زد على ذلك، أنه في العديد من دول جنوب شرق آسيا لا تندرج لوائح الإتجار بالنفايات ضمن محظورات القانون الجنائي، بل المدني والإداري.

وفي حال انتهك التجار والدول المصدّرة للنفايات القوانين المدنية والإدارية بشكل علني ومستمر، فإن العقوبات غالباً ما تكون ضئيلة، ما يسمح للعمليات غير القانونية بالازدهار والانتشار، والكلام هنا على ذمة ممثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في بانكوك لجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، كريمي بور، الذي لخّص ما يحدث هناك بأنه "نشاط إجرامي مربح للغاية ومنخفض المخاطر ويخضع للمراقبة".

يذكر أن الإنتربول يدرج الإتجار بالنفايات البلاستيكية تحت مصطلح "جريمة التلوث". لهذا، جرى ربط هذه التجارة بالجريمة المنظمة.

المخاطر البيئية الناجمة عن تجارة النفايات

على مدى عقود، تم الترويج لإعادة تدوير البلاستيك المستخدم كحلول تجارية من جهة، ولإدارة النفايات في الدول المتطورة من جهة أخرى، وذلك كجزء من محاولة لخلق ما يسمى بالاقتصاد الدائري الذي يعتمد على إعادة استخدام المواد الناجمة عن التدوير، وبالتالي استغلالها من جديد في صناعات مختلفة. 

لكن الخبراء يشيرون الآن بشكل متزايد إلى أنه، على عكس المعدن، لا يمكن إعادة تدوير البلاستيك إلى أجل غير مسمى. ولهذا، تكون البلدان النامية المكان المفضل للدول والعصابات على حد سواء للتخلص من كميات كبيرة من النفايات البلاستيكية المستوردة لإعادة التدوير، وهذا بدوره يثقل كاهل البلدان المستوردة لها. ونتيجة لذلك، انتهى المطاف بملايين الأطنان من القمامة التي لا يمكن إدارتها في الدول النامية كآسيان غير القادرة حتى على إدارة نفاياتها.

علاوة على ذلك، أدت هذه المواد البلاستيكية المستوردة بشكل غير مشروع من أوروبا ودول أخرى من العالم إلى تصنيف منطقة جنوب شرق آسيا كأكبر ملوث للمحيطات بالنفايات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنظمة الأنهار في المنطقة، والسواحل الأرخبيلية الطويلة، وضعف اللوائح البيئية، والإدارة السيئة لمكافحة التهريب.

 لذا، هناك 6 من أكبر 10 مساهمين في التلوث البلاستيكي بالمحيطات في العالم كانوا في جنوب شرق آسيا عام 2021، وفقاً لدراسة تم الاستشهاد بها على نطاق واسع، وأجراها Lourens J.J. Meijer ــــ كان آنذاك رئيس قسم البيانات والرصد في منظمة تنظيف المحيطات في روتردام - ونشرتها الجمعية الأميركية لتقدم العلوم.

الأكثر أهمية ما أشار إليه تحليل "عالمنا في البيانات" (منشور علمي في الإنترنت يركز على المشكلات العالمية الكبيرة، مثل الفقر والمرض والجوع وتغير المناخ والحرب) لعام 2021 كانت قد أعدّته عالمة البيانات هانا ريتشي، وكشفت فيه عن أن 7 من أكبر 10 أنهار تنبعث منها النفايات البلاستيكية في العالم كانت في الفلبين. والأسوأ أن نهر باسيج ساهم وحده بنسبة 6.43% من مشكلة العالم، فيما حلّ نهر كلانج في ماليزيا بالمرتبة الثانية بنسبة 1.33%.

غياب الحلول لمشكلة النفايات في جنوب شرقي آسيا

تشير المعطيات والبيانات العالمية إلى أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تعاني من عدم قدرتها بالفعل على إدارة نفاياتها، إذ يعمل الغرباء (الدول الأوروبية بالمقام الأول) على تفاقم هذه المشكلة من خلال صادرات النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها غالباً، بما في ذلك النفايات البلاستيكية وغيرها من الأشكال غير الخاضعة للرقابة والمعروضة بطريقة رخيصة.

من الناحية النظرية، فإن الحجة التجارية بالنسبة إلى مستوردي النفايات البلاستيكية في جنوب شرقي آسيا هي أن البلاستيك الأجنبي يتمتع عموماً بجودة أعلى مقارنة بما هو متاح محلياً، وبالتالي أكثر ملاءمة لإعادة التدوير. ومع ذلك، فإن نسبة كبيرة من النفايات تبين أنها غير قابلة لإعادة التدوير، ولو مرة واحدة، لذلك ينتهي الأمر بإلقائها في مدافن النفايات المتسرّبة أو إحراقها دون النظر إلى الأخطار الصحية والبيئية الناجمة عن تصرفات كهذه.

الجدير بالذكر أن مشكلة النفايات التي يتم التخلص منها في جنوب شرق آسيا ليست جديدة؛ ففي عرض لمديرية الجمارك والضرائب الإندونيسية عام 2010 نشرت صوراً مروعة لثلاث حاويات شحن من ألمانيا مكدسة بالواقيات الذكرية المستعملة.

في المحصلة، مع عدم وجود قوانين كافية ضد الإتجار بالنفايات أو ميزانيات حكومية لتنظيف الفوضى الجارية في الممرات المائية، فإن مهمة إدارة جبال جنوب شرقي آسيا من البلاستيك التي تنتهي غالبيتها في الأنهار والمسطحات المائية تقع عادة على عاتق السكان المحليين الذين وجدوا أنفسهم ضحية مزدوجة لجشع التجار من ناحية، وخبث الأوروبيين الذين لطالما بنوا رفاهيتهم على حساب شقاء وتعاسة الدول الأخرى من ناحية ثانية.

 

علي دربج - أستاذ جامعي.