ما هو أبعد من نتنياهو - غالانت.. كيف تعكس الخلافات أزمات "إسرائيل"؟

خلافات بين المسؤولين الإسرائيليين في المواقف داخل "كابينت" الحرب على غزة، ترافقها خلافات مع الإدارة الأميركية لمرحلة "ما بعد الحرب" يجعل من "إسرائيل" في نفق أزمة داخلية سياسية تؤثر على "مستقبلها".

  • الأزمة الداخلية والخلاف مع واشنطن.. كيف تؤثر في مستقبل
    الأزمة الداخلية والخلاف مع واشنطن.. كيف تؤثر في مستقبل "إسرائيل"

هدّد وزير "أمن" الاحتلال، يوآف غالانت، بإحضار لواء "غولاني" لفضّ نزاعاته مع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في مكتبه. "غولاني" هو نفسه اللواء الذي يعاني من الخسائر في الاشتباكات مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة منذ نحو 3 أشهر. وليست غزة ببعيدة عن كونها السبب الرئيسي في تعميق الخلافات الداخلية الإسرائيلية. 

تقرير في موقع "والاه" الإسرائيلي، أشار إلى أن "أحد رجال غالانت كان يشغّل مسجلاً صغيراً" وثّق تهديد غالانت، بما خرج عن سيطرة الرقابة العسكرية التي لا تسمح لمثل هذه الخلافات في مبنى "الكرياه" أن تصير مادّة إعلامية متداولة تكشف عن حجم الأزمة الإسرائيلية. 

تأثير الإخفاق في غزة.. نتنياهو وغالانت يصطدمان

الإخفاق في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب على غزة بعد أكثر من 100 يوم، أنشأ خلافات في الرؤية بين أعضاء "الكابينت" ونتنياهو. إذ إن غالانت ومعه العضوان في مجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت، يعتقدون أنه على نتنياهو تقديم مخطط سياسي للمساعدة في تحقيق أهداف الحرب، بينما يمتنع نتنياهو عن اتخاذ هذا القرار مبرراً ذلك بحجج مختلفة، وفق ما نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية. 

الخلافات بين نتنياهو وغالانت لم تنحصر بشأن الرؤية لإدارة الحرب، بل وصلت إلى حدّ اتخاذ القرارت على نحو منفرد في ما يخصّ صفقة الأدوية مع غزّة. اتهمت الأخبار المتداولة في الإعلام الإسرائيلي نتنياهو، بإقصاء غالانت وغيره من المسؤولين خلال إبرام الصفقة بوساطة قطرية. 

وذكر الإعلام أن غالانت عرف بالصفقة "مثل أي شخص من خلال التقارير الإعلامية"، إلا أن نتنياهو ادعى، في مؤتمر مع الصحافيين الإسرائيليين أنه لم يغيّبه في هذه المسألة. 

هيئة البث الإسرائيلية، تحدثت عن مواجهات في إحدى الجلسات الحكومية، خلال إحاطة أمنية، أدّت إلى تبادل للصراخ بين الوزراء. وفي جلسة منفصلة "للكابينت"، نقلت الهيئة أن غالانت انسحب منها، لأنه في الوقت الذي مُنع فيه مدير مكتبه من حضورها، حضرها 5 من مساعدي نتنياهو.  

وفي تعليقه على هذه الخلافات الداخلية، على الرغم  من أن الحرب لا تزال مستمرة، قال الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، عومر شيلح، إنّ أحداً فيهم "لا ينظر إلى الأمام، أو يفكر بما يجلب المصلحة"، مضيفاً أنّ شبح 7 أكتوبر يلاحقهم، وكل "واحد فيهم يدير حملات إعلامية قبيحة عبر الفضائيات مفادها أنه يعمل بشكل جيد لكن الآخرين مخطئون".

خلافات داخلية.. هل من دور لواشنطن؟ 

لفهمٍ أعمق للخلافات الحالية بين نتنياهو وغالانت، لابدّ من التذكير بفترة ما قبل 7 أكتوبر، أي مرحلة الحراك الداخلي الإسرائيلي ضد التعديلات القضائية، التي حاول الائتلاف الحكومي إقرارها، وكان غالانت، وهو أحد أعضاء حزب "الليكود" أحد المعارضين لها. 

هدّد غالانت بالتصويت ضد هذه التعديلات في "الكنيست"، وعقب ذلك أراد نتنياهو إقالته من منصبه الوزاري، قبل أن يتراجع تحت ضغطين لا ينفصل أحدهما عن الآخر: ضغط التظاهرات لأحزاب المعارضة الإسرائيلية، وضغط الولايات المتحدة. 

الإدارة الأميركية الديمقراطية الحالية، كانت أيضاً من معارضي هذه التعديلات، التي تصبّ في مصلحة اليمين في الكيان، وقد عملت على منع إقالة غالانت.

وفي هذا السياق، كشف موقع "والاه" الإسرائيلي، أنّ الرئيس جو بايدن نقل رسالة شخصية وسرية إلى نتنياهو، في اليوم التالي من إقالة غالانت، يطالب فيها بوقف التعديلات القضائية.

الخلاف الممتد منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية مطلع العام 2022 مع واشنطن، لا يزال يتجسّد في الحرب الحالية، على الرغم من الدعم الأميركي العسكري والدعم في الأمم المتحدة، و"القناة 12" الإسرائيلية، تحدثت عن تصاعد التوتر بين بايدن ونتنياهو. 

صحف غربية عديدة، أظهرت تباين المواقف بشأن هذه الحرب بين "تل أبيب" وواشنطن لما يسمى "مرحلة ما بعد الحرب". وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أنّ نتنياهو سيعرقل خطة إدارة بايدن لما بعد الحرب.

وأشار المحلل الإسرائيلي إلى أنّ بايدن "مسّ نتنياهو داخل الجمهور الإسرائيلي الداخلي"، بعد أن توجّه إلى المستوطنين برسالة مفادها أنّ هذا ليس رئيس الحكومة "الذي يجب أن يقودكم"، فهو لا يغير حكومته حين يجب، ولا يحدد رؤية للمستقبل"، مؤكداً أن بايدن بذلك "قام بأكثر شيء مؤلم لنتنياهو".

ما هو أبعد من الخلاف 

دخلت "إسرائيل" في نفق الأزمة السياسية منذ العام 2015، مع إعادة انتخابات "الكنيست" لعدّة مرات، ثمّ فشل حكومة التناوب بين نفتالي بنيت (يميني) ويائير لابيد (يساري). وبعد الانتخابات الأخيرة، كان الحديث في الكيان عن "حكومة توافقية" ينتاوب فيها نتنياهو وأحد زعماء المعارضة الحالية، بيني غانتس.

كشفت خلافات "كابينت" الحرب، أن نتنياهو وغانتس ليسا متوافقين في جملةٍ من القرارات والاستراتيجيات. فعلى غرار الخلاف مع غالانت، دخل نتنياهو أيضاً في صراعات مع غانتس في ظل الحرب. 

التباين في الآراء، بشأن صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة، يشكل جوهر الخلاف بينهما. يرى نتيناهو أن "الضغط العسكري في غزة" سيؤدي إلى عودة الأسرى الإسرائيليين، في المقابل، يعارضه غانتس،الذي دعا إلى "دراسة صيغ جديدة يمكن أن تشجع حماس على الخطوة".

هذه النزاعات الداخلية، يُضاف إليها إخفاق المسؤولين العسكريين في الميدان داخل قطاع غزة وعلى الجبهات الأخرى، لا سيما لبنان، تفقد ثقة الجمهور الإسرائيلي في قيادته، لا في مرحلة الحرب وما بعدها فقط، إنما يشكك هذا الأداء في قدرتهم على الحفاظ على "مستقبل" هذا الكيان. 

سواء كانت الخلافات بين نتنياهو وغالانت، أو بين نتنياهو وغانتس، فإن ما يكشفه مسار هذه الخلافات، أنها لا تتعلّق بأسماء، بل تعبّر عن صراعات عميقة في "إسرائيل"، تأتي نتيجة الاختلافات الجوهرية في الانتماءات السياسية والتركيبية الداخلية لكل مكوّن من هذا الكيان، وهي مكونات لا يمكن لها أن تنصهر، وأن تبني كياناً متجانساً، بالإضافة إلى كونها أمام تحديات خارجية مصيرية.

وإذا كان المفهوم العام، أنّ المخاطر الخارجية توحّد العناصر الداخلية في أي كيان أو دولة طبيعية لمواجهتها، فإن هذه القاعدة لا تنطبق في "إسرائيل"، ليس فقط لأنها في تشكيلها تنحرف عن السياق الطبيعي، بل أيضاً بسبب انهيار "العقيدة الأساسية" التي تضمن بقاء "إسرائيل"، وهي أن "الجيش" هو الذي يوحّد ويوجّه.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.