غينيا الاستوائية: ماذا بعد فوز الرئيس تيودورو أوبيانغ بفترة رئاسية سادسة؟

ما ميّز الانتخابات العامة الأخيرة في غينيا الاستوائية مشاركة شخصين من مرشحي المعارضة في التنافس على الرئاسة.

  • غينيا الاستوائية: ماذا بعد فوز الرئيس تيودورو أوبيانغ بفترة رئاسية سادسة؟
    غينيا الاستوائية: ماذا بعد فوز الرئيس تيودورو أوبيانغ بفترة رئاسية سادسة؟

في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، أجرت غينيا الاستوائية انتخاباتها العامة لانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان إلى جانب الانتخابات المحلية. وأعلن مسؤولو الانتخابات فوز الرئيس تيودورو أوبيانغ نغيما مباسوغو بولاية رئاسية سادسة، إذ حصل على 94.9% من الأصوات، بنسبة إقبال على التصويت بلغت 98%.

وأظهرت النتائج أن "الحزب الديمقراطي لغينيا الاستوائية" (PDGE) الحاكم -الذي أسسه الرئيس تيودورو في 11 تشرين الأول/أكتوبر 1987 -فاز بجميع المقاعد في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.

وقد سجّل نحو 413 ألف شخص للتصويت في هذه الانتخابات الأخيرة في غينيا الاستوائية التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة. وتقع الدولة في الساحل الغربي لأفريقيا وتتكوّن من جزأين: الجزء الأول واقع في البر الرئيسي لمنطقة وسط أفريقيا ومحصور بين الكاميرون والغابون، والجزء الآخر هو جزيرة "بيوكو" في خليج غينيا حيث توجد "مالابو"، عاصمة البلاد.

وما ميّز هذه الانتخابات مشاركة شخصين من مرشحي المعارضة في التنافس على رئاسة غينيا الاستوائية؛ إذ شارك بوينافينتورا مونسوي أسومو الذي خاض الانتخابات الخمسة السابقة من دون نجاح أو تقدّم ملموس، كما ترشح أندريس إسونو أوندو في مشاركته الأولى. وحصل هذان المترشحان المعارضان على نحو 12،600 صوت موزّعة على الشكل الآتي: 2900 صوت لـ بوينافينتورا مونسوي أسومو، و9700 صوت لـ أندريس إسونو أوندو.

فترة رئاسية جديدة بعد 43 عاماً من الحكم

كانت غينيا الاستوائية مستعمرات إسبانية سابقة، وآخر المستعمرات الإسبانية التي طالبت بالاستقلال في عام 1968. ولم يحكم البلاد منذ الاستقلال سوى رئيسين فقط وهما: الرئيس الحالي "تيودورو" وعمه "فرانسيسكو ماسياس نغيما".

وكان الرئيس تيودورو من مواليد بلدة "أكواكان" بمنطقة "مونغومو" في غينيا الاستوائية (المعروفة قبل الاستقلال بغينيا الإسبانية) في 5 حزيران/يونيو عام 1942. وتنحدر أسرته من عشيرة "إيسانغوي" (Esangui) التابعة لقبيلة "فانغ"، ويعود أصل والديه إلى دولة الغابون التي يعيش أفراد قبيلة "فانغ" على حدودها مع الكاميرون وينتقلون بشكل روتيني من غينيا الاستوائية إلى هناك والدول المجاورة لزيارة الأسرة أو المشاركة في الاحتفالات التقليدية، وذلك لكون الحدود الحالية لجميع هذه البلدان الثلاثة (الغابون والكاميرون وغينيا الاستوائية) نتيجة التقسيم الكولونيالي الذي لم يأخذ بالاعتبار الانتشار الجغرافي للمجموعات العرقية. وكغيرها من الدول الأفريقية، تعقّد هذه الحالة الحدودية مفهوم الدولة القومية في غينيا الاستوائية وجيرانها.

وبدأ تيودورو دراسته في عام 1950 والتحق في عام 1958 بمدرسة مجموعة "Cardenal Cisneros" في بلدة "إيبيبين" شمال شرقي غينيا الاستوائية، كما حصل على شهادة في إدارة الأعمال من كلية "إنريكي إنفو أوكنفي" الوطنية (المعروفة سابقاً باسم Centro Laboral La Salle) في مدينة "باتا" الساحلية على البر الرئيسي لغينيا الاستوائية. وكان تيودورو ضابطاً عسكرياً سابقاً، والتحق بكل من الحرس الاستعماري الإسباني والأكاديمية العسكرية العامة في سرقسطة بإسبانيا حيث حصل على رتبة ملازم. ومن المناصب التي شغلها قائد الحرس الوطني وحاكم محافظة "بيوكو" ورئيس سجن "بلاك بيتش". وفي آب/أغسطس 1979، قاد تيودورو انقلاباً عسكرياً دموياً أطاح عمه الرئيس السابق فرانسيسكو الذي شهد حكمه سقوط آلاف القتلى ونزوحاً جماعياً من غينيا الاستوائية. وجاء الانقلاب بعدما أمر فرانسيسكو بقتل عدد من أفراد العائلة.

وقد أُعدِم فرانسيسكو بعد محاكمته، وشهدت غينيا الاستوائية بعد تولي تيودورو زمام الحكم إصلاحات مختلفة، وإن كان احتفظ هو نفسه بالسيطرة المطلقة على الدولة ومفاصلها، إذ كان المرشح الوحيد المسموح له بالترشح للرئاسة، وانتُخِب في البداية لمدة 7 سنوات. وأعيد انتخابه رئيساً للبلاد في الأعوام 1989 و1996 و2002 و2009 و2016 و2022 بما لا يقل عن 93% من الأصوات.

بين عامي 2011 و2012، شغل منصب الرئيس التاسع للاتحاد الأفريقي. وبهذا، يعدّ تيودورو رئيس الدولة الأطول حكماً في العالم، إذ قضى 43 عاماً في المنصب، وثاني أطول زعيم وطني غير ملكي يخدم في منصبه على التوالي في العالم (بعد الكاميروني "بول بيا" الذي حكم كرئيس للوزراء ويحكم الآن كرئيس للجمهورية).

وبالرغم مما يلاحق نظام الرئيس تيودورو من اتهامات؛ فإن التطورات السياسية والاقتصادية في البلاد في السنوات الأخيرة تؤشر على ما يمكن توقعه في السنوات القادمة بعد فوزه بالفترة الرئاسية الجديدة لمدة 7 سنوات.

توقعات الفترة الرئاسية الجديدة

يُتوقّع من الرئيس تيودورو في الفترة الجديدة مواصلة سياسة حكومته وسيطرته السياسية شبه الكاملة بالنظر إلى حقيقة أن "الحزب الديمقراطي لغينيا الاستوائية" الحاكم قد انتخبه زعيماً له إلى الأبد، ما منح أعضاء الحزب وحلفاءه فرصة التغلغل في فروع الحكومة ووكالاتها، خاصة أنه لا يوجد في البلاد سوى حزبين معارضين شرعيين. ويصعب حدوث تطور سياسي كبير، إذ ليس للهيئة التشريعية دور ذو مغزى؛ لأن الحزب الحاكم وعشيرة الرئيس تيودورو هم الذين يديرون البلاد، وغالباً ما تمحو المراسيم الرئاسية أي تشريعات برلمانية.

وتعدّ أنظمة الجيش أيضاً ضعيفة وتحت سيطرة الرئيس الذي يصدر جميع القرارات الرئيسية على مستوى مجلس الوزراء الذي يهيمن عليه أفراد عائلته.

وقد تجد غينيا الاستوائية في الفترة القادمة تطبيقاً لخطة تنوّع اقتصاد البلاد الذي أعلنها الرئيس تيودورو في عام 2010 وتعزيز القطاعات غير الهيدروكربونية وفتح مناخ الأعمال، وهي خطة تبدو مهمة في ظل عدم استقرار أسعار النفط الذي تنتجه غينيا الاستوائية وتعتمد عليه بعد اكتشاف النفط البحري في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، والذي أدى إلى تحويل الدولة الصغيرة إلى ثالث أغنى دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من حيث دخل الفرد في عام 2021. وتنعكس هذه الثروة النفطية نسبياً على البنية التحتية والخدمات العامة في البلاد.

كما نجح غابرييل مباغا أوبيانغ ليما، نجل الرئيس تيودورو ووزير المناجم والصناعة والطاقة، في تعزيز جهود إنشاء مركز ضخم للغاز مع التركيز على توفير البنية التحتية للغاز. وأصبحت غينيا الاستوائية مورداً رئيسياً للنفط إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى الصين وإسبانيا اللتين تستوردان النفط وسلعاً أخرى من البلاد.

وإذا كانت المعارضة والمنظمات المدنية في غينيا الاستوائية تقول إن الثروة النفطية مركزة في أيدي عدد قليل من العائلات الحاكمة فقط، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والتضخم؛ فإن إعادة انتخاب الرئيس تيودورو قد تعني أيضاً تزايد الاعتماد على مكاسب من ارتفاع أسعار النفط؛ لأن اقتصاد البلاد يستفيد من ارتفاع إنتاج الهيدروكربونات وأسعاره في عام 2022، حيث ارتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنحو 2% (على أساس سنوي) في النصف الأول من عام 2022. وتتمتع البلاد أيضاً بدعم شركات النفط العالمية التي تعدّ فاعلاً مهماً يميل إلى دعم نظام تيودورو.

ويضاف إلى ما سبق أنه يتوقع تعزيز الوضع الأمني وتشديد القبضة لتفادي أي تطور ضد نظام تيودورو. وسيؤدي هذا إلى استمرار النظام في الاعتماد على القوات الأمنية من الدول الأفريقية الصديقة له والمرتزقة الأجانب كأفراد أمن؛ إذ شهدت غينيا الاستوائية في عام 2004 محاولة انقلاب هدفت إلى إحضار زعيم المعارضة المنفي سيفيرو موتو إلى السلطة، ولكنها فشلت بسبب اعتماد الرئيس تيودورو على وحدات من قوات الدفاع الزيمبابوية التي وفّرت الأمن للبلاد أيضاً في أثناء تنظيم كأس الأمم الأفريقية.

وفي تموز/ يوليو 2017، كشفت التقارير أن النظام يستخدم على مدار العشرين عاماً الماضية متخصصين روسيين وخبراء أوكرانيين كطيارين مقاتلين وقادة سفن.

ومن حيث التنافس الدولي؛ ستمثل إعادة انتخاب تيودورو دفعة لتقدم النفوذ والسياسات الصينية في أفريقيا، خاصة أن بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني تبني قاعدة في ميناء "باتا" بغينيا الاستوائية، والذي يعدّ موقعاً استراتيجياً لوقوعه على ساحل المحيط الأطلسي -أي مقابل الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية -وهذا التطور أثار قلق المسؤولين في واشنطن. 

وفي حين لا يمكن الجزم ما إذا كانت علاقة غينيا الاستوائية بأوروبا ستتحسن في الفترة القادمة، لأن ذلك سيعتمد على مدى استعداد أوروبا للتنازل عن "مبادئها" ودعم تيودورو وأجنداته، إلا أن علاقات البلاد بعدد من الدول الأوروبية تمر بمرحلة الفتور؛ ففي عام 2021، وصلت العلاقات الدبلوماسية بين غينيا الاستوائية وأوروبا أدنى مستوياتها وتمتلك 3 دول أوروبية فقط (إسبانيا وفرنسا والبرتغال) سفارة في مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، وهناك مؤشرات على أن هذه السفارات الأوروبية الثلاث لا تضمن استقرار العلاقات الدبلوماسية بينها وغينيا الاستوائية لانعدام الثقة بين الجانبين وتبادل الاتهامات. 

ومن جانب آخر، هناك مخاوف في غينيا الاستوائية من تخطيط الدول الغربية لانقلاب ضد نظام تيودورو، بينما تتهم الدول الغربية النظام بالاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان. إضافة إلى أن رئيس البلاد كان في عام 2021 متردداً في الاستجابة لطلب الاعتماد من سفير الاتحاد الأوروبي الجديد في بلاده، وفي أثناء الانتخابات الأخيرة (تشرين الثاني/نوفمبر 2022)، اتهمت غينيا الاستوائية كلاً من إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية بـ "التدخل" في الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد حضور دبلوماسيين من الدول الثلاث حدثاً انتخابياً نظمه أحد الحزبين المعارضين الشرعيين في البلاد.

هل حان وقت تنفيذ خطة توريث الحكم لنجله؟

لا شك في أن التقدم في العمر سيحدّ من قدرة الرئيس تيودورو البالغ 80 عاماً على إدارة غينيا الاستوائية. وهذا يعني أن الفترة الرئاسية الجديدة قد تشهد تحركات جديدة له نحو ما يشاع بشأن نيته توريث رئاسة البلاد لنجله المفضّل وخليفته المحتمل تيودورين نغويما أوبيانغ، الذي وُلِد في 25 حزيران/يونيو 1968 وتلقّى تعليمه الأولي في مدرسة فرنسية خاصة قبل التحاقه بجامعة أميركية. وعمل تيودورين مستشاراً للرئاسة في التسعينيات من القرن الماضي، ثم وزيراً للزراعة والغابات لمدة 15 عاماً تقريباً.

وأكدت تعيينات تيودورو لنجله تيودورين احتمال تنفيذ خطة التوريث؛ إذ في أيار/مايو 2012 عيّنه في عدد من المناصب الحكومية المرموقة، بما في ذلك النائب الثاني للرئيس المسؤول عن شؤون الدفاع والأمن، ثم النائب الأول للرئيس في حزيران/يونيو 2016.

ومع ذلك، تلاحق تيودورين سلسلةُ قضايا دولية لطّخت سمعته لأسلوب حياته الفارهة؛ إذ واجه إدانة جنائية في فرنسا بتهمة جمع ثروة من الخزانة العامة لغينيا الاستوائية عن طريق الاحتيال، وعقوبات في المملكة المتحدة وسجل فساد في الولايات المتحدة.