التسليح الصاروخي الإيراني يدخل المرحلة الأسرع من الصوت

يبدو التركيز الإيراني، خلال الأعوام الأخيرة، منصبّاً بصورة رئيسة على تطوير قدرات طهران الصاروخية. وهذا يرتبط بعدة أسباب، يتمثل أبرزها بالتطورات المتلاحقة التي طرأت على المشهدين الجيواستراتيجي والعسكري في المنطقة.

  • الصاروخ الإيراني
    الصاروخ الإيراني "فاتح".

من المعروف أن إيران تمتلك اكبر ترسانة صواريخ في الشرق الأوسط، تضم آلاف الصواريخ الباليستية، إلى جانب الصواريخ الجوالة وأنواع أخرى من الصواريخ، طورتها اعتماداً على الأنظمة الروسية والصينية والكورية الشمالية والبحوث المحلية. وخضعت أغلبية أنواع الصواريخ الباليستية الإيرانية لعمليات تحديث مكثف خلال الأعوام الأخيرة، عبر تزويدها بحزم توجيه متطورة، بمساعدة نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية، وإدخال تقنيات حديثة للتهديف، مثل تقنيات مركبات إعادة الدخول والرؤوس الحربية المستقلة المتعددة.

في هذا السياق، استمرت عمليات اختبار الصواريخ الباليستية الإيرانية بصورة حثيثة وعلى نحو شبه دوري خلال الفترات الماضية، وهي ظاهرة شبه ثابتة في منظومة الردع العسكري الإيرانية منذ مطلع القرن الحالي، لكن كان الإعلان، في السادس من حزيران/يونيو الماضي، بشأن أول صاروخ باليستي "فرط صوتي" في الترسانة الإيرانية، بمثابة نقلة نوعية تدخل بها طهران نادياً "محدوداً جداً" من الدول التي تمتلك هذه التقنية، وهو ما يفتح أبواباً جديدة أمام القدرات الصاروخية الإيرانية.

الصاروخ الجديد تمت تسميته "فتاح"، وكان لافتاً في تصميمه اشتقاقه من التصاميم الخاصة بعائلة الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، "فاتح"، مع تغيير المحرك والرأس الحربي الخاص به. بحسب البيانات الإيرانية، تبلغ السرعة القصوى لهذا الصاروخ، العامل عبر الوقود الصلب، بين 13 و15 ماخاً، ويبلغ وزنه الإجمالي نحو أربعة أطنان ونصف طن، ويبلغ طوله ما يقرب من 12 متراً.

مواصفات نوعية لصاروخ "فتاح" فرط الصوتي

من النقاط المهمة في هذا الصاروخ، تزويده برأس حربي، تم تضمينه ضمن مركبة إعادة دخول قابلة للمناورة (MaRV)، تصل زنتها الإجمالية إلى 1 طن، وهي تقنية أقل حداثة من تقنية المركبات الانزلاقية فرط الصوتية (HGV)، لكنها تشابهها في آلية العمل، بحيث يتم انفصال مركبة إعادة الدخول عن هيكل الصاروخ في الطبقات الجوية العليا، ثم تقوم المركبة بالمناورة في أثناء اقترابها إلى الهدف بسرعات عالية، ومن زاوية حادة، الأمر الذي يقلل نطاق الكشف الراداري، ووقت رد الفعل للدفاعات الجوية المعادية.

الرأس الحربي الخاص بهذا الصاروخ، والذي، كما سبق ذكره، يتكون من مركبة إعادة دخول قابلة للمناورة، يمتلك زعانف التوجيه ومحركاً يعمل عبر الوقود الصلب، مزوَّداً بفوّهة مرنة، يسمح بتوجيه المركبة والمناورة بها في الطبقات الجوية العليا، وزيادة مدة تحليقها بسرعة الصوت بعد انفصالها عن جسم الصاروخ على ارتفاع 300 كيلومتر فوق سطح الأرض، ثم تتولى جنيحات التوجيه تحديد اتجاه المركبة النهائي بعد دخولها في مدى 100 كيلومتر من الهدف، بسرعة تصل إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت.

إذاً، مما سبق، يمكن فهم أهمية تطوير طهران هذا الصاروخ، ليس فقط بسبب دخولها به عصر الصواريخ فرط الصوتية، لكن أيضاً لأن نجاحها في دمج مركبات إعادة الدخول في عدة أنواع من الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، يجعل الخطوة التالية بالنسبة إلى إيران هي تطوير المركبات الانزلاقية فرط الصوتية (HGV)، وهي التقنية الأحدث فيما يتعلق بالرؤوس الحربية الخاصة بالصواريخ الباليستية المتطورة، وتتمتع بنسبة دقة أعلى، وقدرة على التحليق على ارتفاعات منخفضة فترات أطول، الأمر الذي يتيح لها تدمير أهداف بحرية عالية القيمة، مثل حاملات الطائرات مثلاً.

صاروخ "خيبر" الباليستي بعيد المدى

سبق إعلان صاروخ "فتاح" تنفيذ وزارة الدفاع الإيرانية تجربة، أواخر أيار/مايو الماضي، على الصاروخ الباليستي بعيد المدى "خيبر"، الذي يُعرف أيضاً باسم "خورمشهر - 4"، نظراً إلى أنه يُعَدّ الجيل الرابع من سلسلة صواريخ "خرمشهر" الباليستية، والتي بدأ تطويرها عام 2016. يبلغ مدى هذا الصاروخ، العامل عبر الوقود السائل، 2000 كيلومتر، ويُعَدّ رأسه الحربي من أثقل الرؤوس الحربية للصواريخ الإيرانية، بحيث تبلغ زنته نحو 1500 كيلوغرام.

من السمات المميزة لهذا الصاروخ استخدامه نوعاً حديثاً من أنواع وقود الصواريخ، يُسمى "الوقود الدافع المفرط" (Hypergolic propellant)، والذي يتميز بإمكان تخزينه كسائل في درجة حرارة الغرفة، وهو ما يسمح بملء هذا النوع من الصواريخ بصورة مستدامة، بحيث تبقى جاهزة للانطلاق عدة أعوام، بحيث لا تحتاج عملية الإطلاق إلى نظام لإشعال المحرك، بل يكفي فتح صمامات الوقود أو إغلاقها من أجل إتمام عملية تشغيل المحرك والإطلاق، وهو ما سمح بتقليل الوقت اللازم لنشر الصاروخ الواحد من هذا النوع وإطلاقه لـ12 دقيقة فقط.

تجدر الإشارة إلى أنه من أصل 1500 كغم، هي وزن الرأس الحربي لهذا الصاروخ، هناك نحو 1000 كغم من المتفجرات و500 كغم تتعلق بالمحرك والتوجيه والمعدات وما إلى ذلك. ويمكن تزويد هذا الصاروخ بعدة انواع من الرؤوس الحربية، سواء كان رأساً تقليدياً أحادياً، او عدة رؤوس حربية مصغرة، أو حتى مركبة إعادة دخول قابلة للمناورة (MaRV).

يتزود هذا الصاروخ بمحرك متقدم من نوع "Arvand"، يوفر للصاروخ سرعة تصل إلى 16 ماخاً خارج الغلاف الجوي، في حين تكون سرعة الصاروخ القصوى داخل الغلاف الجوي نحو نصف هذه السرعة. وتشير المصادر الإيرانية إلى ان هامش الخطأ المحتمل لهذا الصاروخ، يتراوح بين 10 و30 متراً، وأن هذا الصاروخ يمتلك قدرات مقاومة للتشويش، نظراً إلى أن نظام التوجيه والتحكم فيه يعمل خارج الغلاف الجوي - في حالة استخدام مركبات إعادة الدخول -. وبالتالي، يتم تحديد الهدف قبل دخول المركبة في الغلاف الجوي.

يمكن القول أن كِلا النوعين، السالف ذكرهما، هو من ثمار التطور الكبير الذي طرأ على التقنيات الصاروخية الفضائية الخاصة بإيران، والتي بدأت طهران مسارها فيها عام 2008، بحيث أطلقت مركبات فضائية متعددة المراحل، عبر الصاروخ الفضائي "سفير"، وهو مثّل الخطوة الأولى في مسار تطوير صواريخ باليستية طويلة المدى.

ويُعَدّ صاروخ "سيمورغ" أحد أهم تطبيقات هذه الاستراتيجية، بحيث يتكون من مرحلتين، ويعمل عبر الوقود السائل، وتم تصميمه لحمل الأقمار الصناعية إلى المدار، وتم إعلانه للمرة الأولى عام 2016، ويصل مداه الرأسي إلى 500 كيلومتر. خلال الأعوام التالية، أضافت طهران إلى هذه الصواريخ صواريخ أخرى، بينها الصاروخ الفضائي "ذو الجناح"، والبالغ مداه الرأسي 500 كيلومتر، والصاروخ "سرير"، البالغ مداه الرأسي 1000 كيلومتر، والصاروخان "سروش - 1" و"سروش - 2".

تطورات لافتة في الصواريخ الجوالة الإيرانية

التطورات الملحوظة في التسليح الصاروخي الإيراني شملت أيضاً الصواريخ الجوالة، بحيث أعلنت طهران، أواخر شهر تموز/يوليو الماضي، دخول أحدث نسخة عن سلسلة صواريخ "أبي مهدي"، في الخدمة في القوات البحرية النظامية والقوات البحرية التابعة للحرس الثوري. وهذه النسخة عبارة عن صاروخ بحري جوال، يتميز باحتوائه على باحثَين راداريين، أحدهما نشِط والآخر غير نشِط. وبذلك، يمتلك القدرة على رصد أهدافه بصورة صامتة، من دون إصدار ذبذبات رادارية نشطة. كما تقول السلطات الإيرانية إن نظام القيادة والتحكم في هذا الصاروخ يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحديد مسار التحليق وارتفاعه، وهي التقنية التي تُستخدم للمرة الأولى في الصواريخ الإيرانية الجوالة.

يتجاوز مدى هذا الصاروخ 1000 كيلومتر. ويشير بعض التقارير إلى إمكان وصوله إلى سرعة تفوق سرعة الصوت. وكشفت وزارة الدفاع الإيرانية النقاب عنه للمرة الأولى، في آب/أغسطس 2020، ويمكن إطلاقه من على متن الغواصات أو القطع البحرية، ويتزود بمحرك نفاث من نوع "طلوع"، وهو المحرك نفسه الذي تستخدمه مجموعة من الطائرات الإيرانية المسيّرة، مثل طائرات "كرار"، إلى جانب استخدامه معززاً صاروخياً يعمل عبر الوقود الصلب، يسمح بإطلاق الصاروخ بسرعة كبيرة في بداية تحليقه. من حيث الشكل، يُعَدّ هذا الصاروخ نسخة متطورة عن الصواريخ الجوالة التي تمتلكها البحرية الإيرانية حالياً، ويتراوح مداها بين 15 كيلومتراً و350 كيلومتراً، ومنها صواريخ "كوثر" و"ظافر" و"قدير" و"رعد" و"نصير".

في المجمل، يبدو التركيز الإيراني، خلال الأعوام الأخيرة، منصبّاً بصورة رئيسة على تطوير قدرات طهران الصاروخية. وهذا يرتبط بعدة أسباب، يتمثل أبرزها بالتطورات المتلاحقة التي طرأت على المشهدين الجيواستراتيجي والعسكري، في مرحلة ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، وصولاً إلى الغزو الأميركي للعراق وانتشار القوات الأميركية في عدة قواعد في الخليج. يُضاف إلى ذلك تزايد أهمية القدرات الصاروخية والمسيّرة بالنسبة إل القوات المسلحة الإيرانية، في ظل تعذّر تكوين قوة جوية متفوقة تستطيع مواكبة ما هو متاح لدى الجانب الآخر.

هذه الاستراتيجية ربما تفسر أيضاً تزايد وتيرة إنتاج الطائرات من دون طيار وتطويرها في إيران، ودخولها في فئة الطائرات من دون طيار ذات المدى الطويل، والتي تمتلك القدرة على العمل ضمن ارتفاعات شاهقة. من أمثلة هذه الطائرات، طائرة "كمان - 22"، التي تم الإعلان بشأنها في نيسان/أبريل الماضي، والتي تم الكشف عنها خلال احتفال هذا العام بـ"يوم الجيش". يبلغ المدى الأقصى لهذه الطائرة ثلاثة آلاف كيلومتر، وتستطيع حمل ذخائر قتالية تبلغ زنتها 300 كيلوغرام، وترافق ظهورها مع كشف الحرس الثوري عن امتلاكه قاعدة تحت أرضية لإطلاق طائرات هجومية من دون طيار، يبلغ مدى كل منها 2000 كلم.

في ذلك التوقيت لم يكن معلوماً نوع هذه الطائرات، لكن تم الإعلان، خلال الأيام القليلة الماضية، بشأن النسخة الأحدث عن عائلة الطائرات الإيرانية من دون طيار الأشهر، "مهاجر"، وهي "مهاجر 10"، والتي تستطيع التحليق بصورة مستمرة مدة تصل إلى يوم كامل، على ارتفاعات تصل إلى 7 كيلومترات، ولمدى عملياتي يبلغ 2000 كيلومتر، وتستطيع حمل حمولة قتالية تصل زنتها إلى 300 كيلوغرام.