أرباح بالملايين من تجارة المخدرات.. ما لا تعرفه عن مافيات العالم السفلي في أوروبا

"من يتكلَّم يُقتَل"، شعار مافيا "موكرو" التي تأسست منذ ثلاثة عقود، والتي تنتنشر في دول اتحاد البنلوكس، وتعتبر الأخطر بعد "منظمة درانغيتا" الإيطالية. ولم تقتصر يد القتل لهذه المافيا على نظرائهم في أوساط الجريمة، بل امتدّت إلى كل من حاول فضح فظاعاتهم.

  • أرباح بالملايين من تجارة المخدرات.. ما لا تعرفه عن مافيات العالم السفلي في أوروبا
    أرباح بالملايين من تجارة المخدرات.. ما لا تعرفه عن مافيات العالم السفلي في أوروبا

في مؤتمر صحافي عقدته وكالة إنفاذ القانون الأوروبية "يوروبول"، ومركز المراقبة الأوروبي للمخدرات والإدمان عليها "EMCDDA" مؤخراً، تمّ الكشف عن مستويات غير مسبوقة من أعمال العنف التي يقوم بها أباطرة المخدرات [1] في أوروبا. 

وذكرت الوكالتان أنّ أرباح هذه السوق وصلت إلى مستوى تاريخي، وقدّرت بنحو 30 مليون يورو سنويّاً. وأصبحت جرائم المجموعات المنظمة تشكّل تهديداً مباشراً لسلطة الدّول. وفي تقرير [2] لـ"يوروبول"، حددت العمليات الإجرامية التي تنفذها هذه الشبكات، وكيفية الاختباء خلف الهياكل القانونية. 

"اقتُل كي لا تُقتل"

يعود تاريخ تجارة المخدرات في العالم إلى أكثر من مئة عام، وتركت آثارها في جميع القارات. وفي العقد الأول من القرن الحالي، شهدت أوروبا تطوراً ملحوظاً في انتشار واستهلاك المخدرات. فبحسب المرصد الأوروبي، 3.5 مليون أوروبي تعاطى الكوكايين لمرة واحدة على الأقل عام 2021. وهذا الرقم يفوق بأربعة أضعاف الرقم المسجل قبل 20 عاماً. وفي برلين مثلاً، وبحسب إحصائيات هذا العام، يُستهلك 4 كيلو ونص من الكوكايين يومياً، حيث تجده في كل وقت وكل مكان. 

تنتشر مافيا المخدرات "موكرو"[3] في دول اتحاد البنلوكس[4]، وخاصّة هولندا. فقد وصفت صحيفة "غارديان" البريطانية هولندا بأنها "تتحول إلى دولة مخدرات من الجيل الجديد". 

"من يتكلَّم يُقتَل"، شعار مافيا "موكرو" التي تأسست منذ ثلاثة عقود، وتعتبر الأخطر بعد "منظمة درانغيتا" الإيطالية. ولم تقتصر يد القتل لهذه المافيا على نظرائهم في أوساط الجريمة، بل امتدّت إلى كل من حاول فضح فظاعاتهم. فقد تمّ توثيق تورطها بمقتل الصحافي الهولندي المتخصص في تغطية الجرائم بيتر دي فريس في حزيران/يونيو عام 2021، كما حاولت اختطاف وزير العدل البلجيكي في العام الماضي. وامتدت الاغتيالات لتشمل كل التراب الأوروبي، كما نفذت عمليات قتل في المغرب هزت الرأي العام فيه. 

العقل المدبر لهذه المافيا الهولندية هو رضوان التاغي، المغربي الأصل، وقد أصدر القضاء الهولندي في شباط/ فبراير الماضي الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد القبض عليه في دبي عام 2019. فدبي ظلت لوقت طويل مقر زعماء العصابات ووجهة أعمالهم التجارية. وبرغم ذلك، استمر في قيادة من داخل السجن بحسب النيابة. 

في هولندا، عاصمة الكوكايين، يصل 8 ملايين ونصف حاوية سنوياً إلى مرفأ روتردام وهو أكبر مرفأ في أوروبا. كما أن أكثر من 100,000 سفينة ترسو في ميناء أنتويب يومياً. تمت مصادرة 40 طن من أصل 1300 طن وصل عام 2022 إلى ميناء روتردام وانتوريب وهامبورغ. وضبطت شرطة هامبرغ في ألمانيا مؤخّراً، 16 طنّاً من الكوكايين آتية من البارغواي ومعبأة في علب معجون، وتعدّ أكبر ضبطيّة في أوروبا حتى الآن. 

عبيد الصفقات.. جرائم منظّمة وضحايا قاصرين 

الكثير من الأبرياء وقعوا في مرمى حروب المخدرات في أوروبا. فمرسيليا، المدينة الواقعة جنوب فرنسا، تعاني من تصاعد صراعات العصابات الدموية. شهدت صيف عام 2021 جريمة قتل مروعة أودت بحياة 15 شخصاً، مما جعلها الحادثة الأكثر دموية في تاريخ المدينة. وفي ميناء أنتويرب شمال بلجيكا، في العاشر من كانون الثاني/يناير، قُتلت فتاة لم تتجاوز عامها الحادي عشر في إطلاق نار مرتبط بالمخدرات. 

في هذا السياق، تحدث استشاري ومنسق عام في مجال إدمان المخدرات برنارد بيرتران الذي يعيش بالقرب من مارسيليا، للميادين نت، مؤكداً أنّ شبكات المافيا تستغل الوضع الاجتماعي لسكان المنطقة وأن المراقبين[5] "يتم اختيارهم من القاصرين الفقراء لأنهم يكتفون بالقليل من النقود بالإضافة إلى كونهم أقل عرضة للمخاطر الجنائية". حيث تشير الإحصائيات لعام 2022 أن 25% من سكان مارسيليا يعيشون تحت خط الفقر. 

وفي تشرين الأول/ أوكتوبر الماضي، جرت محاكمة أربعة شبان في مارسيليا، بتهمة إعدام مراهق جاء إلى المدينة لبيع بضعة غرامات من المخدرات من دون إذن من زعماء الشبكة. وبحسب صحيفة "لو موند" الفرنسية، أدين ستة آخرون لاستعبادهم قاصرين، يعملون مجاناً، بالإضافة إلى عزلهم واغتصاب أحدهم. وأكدت تعرّض آخرين للضرب والخنق والطعن بالسكين. حيث كانوا "يسيرون على أصابعهم بدراجة نارية لكسرها".

تنشط تجارة الكوكايين في مارسيليا حدّ أن هناك ما يعرف بـ"كوكايين أوبر". وتشير الإحصائيات إلى أن قيمة تهريب المخدرات في مارسيليا تبلغ 350 مليون يورو سنوياً، ففي الأشهر الأولى من العام 2021، صادرت الشرطة أكثر من 5 ملايين يورو من الأصول الإجرامية المرتبطة بتهريب المخدرات في المدينة. 

ويذكر أنه في كانون الثاني/ يناير 2023، كشفت الشرطة الأوروبية التطبيق الالكتروني المشفر للتواصل بين هذه العصابات، الذي أوصلها إلى جرائم تصفية حسابات تعذيب في هولندا وصربيا، وأتاحت قراءة الرسائل تحديد موقع "منزل رعب" قرب العاصمة الصربية بلغراد، كان يتم فيه تقطيع أوصال الضحايا قبل أن توضع بقاياهم في مفرمة للحم. 

وبحسب أندي كراغ، مدير دائرة المباحث الوطنية الهولندية، وُجد في جنوب هولندا في صيف 2020، أسلحة ومخابئ تحت الأرض وغرفة معدة للتعذيب. وقال القاضي: "عندما نقرأ الرسائل الموجودة في ملف الادعاء، نجد أنفسنا في عالم لا قيمة فيه لحياة الإنسان".

قمع السلطة ومعدلات الجريمة.. ارتفاع متزامن 

يؤكد الاستشاري والمنسق عام في مجال إدمان المخدرات برنارد بيرتران أنه بعد 50 عاماً من القمع وتطبيق قانون عام 1970 [6]، "نشهد زيادة غير مسبوقة في استهلاك المخدرات وجرائم التصفية المرتبطة بالاتجار بها. ومن الأمثلة على ذلك، تم قتل شرطي في مدينة أفينيون مؤخراً". 

وبلغ الجهرُ بالجريمة وتحدي القانون في مارسيليا، حدّ أنه في آب/أغسطس عام 2021، جرى إطلاق نار واختطاف رجل في الشارع أمام أعين الناس، ثم أسره وإحراقه حياً. وبحسب الإحصائيات الأخيرة لعام 2023، قضى 48 ضحية خلال عام تقريباً في جرائم تهريب المخدرات. وهذا يزيد بمقدار 17 مرة عمّا كان عليه في عامي 2021 و2022، وهما عامي الرقم القياسي السابق.

من جهة أخرى، يضيف بيرتران، أن "مارسيليا ليست حاضنة لمنظمات إجرامية كبيرة كما يُروّج من قبل السلطات، بل تضمّ عصابات صغيرة تلجأ إلى القتل بسبب خلافات تافهة، وزعماؤها الكبار غالباً ما يكونون في الخارج. ونتيجة لذلك، تحدث حالات تصفية حسابات لاستعادة سيطرتهم على أنشطة تجارية محددة". 

في فرنسا، تُشن حرب على المستهلكين للمخدرات، بحجة أنه "إذا لم يكن هناك مستهلكين لن يكون هناك تهريب"، بحسب بيرتران. ويؤكد نقلاً عن محامٍ في مونبلييه أن فرنسا تشدّد قانون القمع لهذه الفئة كل 8 أشهر، بسبب ضعف النتائج. "فلماذا لا نشكك في صحة القانون نفسه ونضع السياسة المتّبعة في دائرة المساءلة؟"، يتساءل المتكلمان. 

يشار إلى أن محاكمة مافيا "موكرو" أصبحت ممكنة بفضل اختراق المحققين لوسائل تواصلها PGP، وتمت فك شيفرة هذه الوسيلة التي كان هذا العالم السفلي يستخدمها. كما اخترقت برمجية encrochat. ووجهت هذه الاكتشافات ضربة للمافيا، لكنها لم تردعها، وبقيت تصادر الجمارك أطناناً من هذا المسحوق.

 
[1] Main Reports | Europol (europa.eu)
[2] Un rapport d'Europol identifie les réseaux criminels les plus menaçants dans l'UE (europa.eu)
[3] يُطلق عليها اسم "موكرو مافيا" بفعل الأصول المغربية للكثير من أعضائها.
[4] هو اتحاد سياسي-اقتصادي تأسس عام 1944 يجمع بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ.
[5] يسمّون في المدينة "الشوف" وهي كلمة عامية عربية تعني انظر.
[6] عرف بقانون مازو، وأعلن ما يشبه الحرب على المخدرات، فالمتعاطي البسيط مثلاً هو جانح ويعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سنة.