ارتفاع في الأسعار وغياب للرؤية السياسية.. تونسيون خلف طوابير العيش

تشهد تونس نقصاً في المواد الغذائية الأساسية وانعدام أخرى من الأسواق، الأمر الذي يشكل عبئاً على المواطنين. وترجع جهات رسمية السبب إلى صراع لوبيات الاحتكار داخل الدولة.

  • ارتفاع في الأسعار وغياب للرؤية السياسية.. تونسيون خلف طوابير العيش  (getty images)
    ارتفاع في الأسعار وغياب للرؤية السياسية.. تونسيون خلف طوابير العيش (getty images)

تفاقمت أزمة نقص المواد الغذائية الأساسية في تونس وانعدام أخرى من الأسواق، لتضيف مزيداً من الأعباء المعيشية على المواطن. فمنذ فترة تعاني تونس ندرة هذه المواد، وأبرزها الطحين والدقيق والزيوت والأرز، ما دفع المحلات التجارية الكبرى إلى تحديد الكميات إن توفرت. 

وبالتوازي مع اختفاء هذه المواد من السّوق، يتعمّد بعض التُجّار الرّفع العشوائي لأسعار بعض السلع على غرار ارتفاع سعر البيض. 

وفي ظل هذه الظروف، سيطر القلق على العائلات التونسية، وألقت الأزمة الاقتصادية في تونس بثقلها على كافة المجالات، فمنذ الثلث الأخير لسنة 2021، تعيش البلاد تضخماً مالياً. وفي شهر شباط/فبراير قال البنك المركزي التونسي، إن الضغوط التضخمية على مستوى أهم مكونات الأسعار تعتبر مرتفعة.

وأضاف أنّ التضخم في العالم  في تصاعد وهو نتيجة طبيعية لتواصل الاضطرابات على صعيد سلاسل التزويد وتوقع  كذلك حفاظ  أسعار الطاقة على مستويات مرتفعة في 2022. 

وتضمّن بلاغه شرحاً مفاده أنه بعد مرحلة من التوسع المالي والنقدي التي تأثرت جراء تداعيات الأزمة الصحية (كورونا) على النشاط الاقتصادي، دخلت عدة بنوك مركزية في العالم في دورة تشديد للسياسة النقدية من خلال اللجوء إلى زيادة نسب الفائدة الرئيسية، بهدف كبح توقعات التضخم والتمكن من تعديل منحى الأسعار في اتجاه النسب المستهدفة على المدى المتوسط.

ونظراً إلى ترابط المشاكل الاقتصادية والسياسية، فإنّ البعض يرجع مشكلة هذه الأزمة الخانقة إلى صراعات ما بعد 25 تموز/يوليو 2021 (تاريخ تعليق عمل البرلمان والدستور التونسي) وإلى صراع لوبيات الاحتكار داخل الدولة.

وعلى مستوى محلي، يذكر مرصد رقابة إنّ الدعم الحكومي للمواد الأساسية عرف زيادة بنسبة تفوق 25% سنوياً سنتي 2011 و2012، ثم تواصل طيلة الفترة من 2014 إلى 2020 بمعدل نسب ضعيفة، قبل أن يعود للارتفاع بشكل سريع في 2021 (22% مقارنة بـ2020)، وبشكل قياسي في ميزانية 2022 (71% مقارنة بـ2021).

ويعود ارتفاع دعم المواد الأساسية ونقصها، إلى ضعف حوكمة السوق المحلية فضلاً عن غياب أي رؤية لإصلاح مسالك التوزيع والتصدي للمحتكرين والمضاربين.

في المقابل، فقد تضمن قانون المالية لسنة 2022 العزم على اتخاذ تدابير جديدة لترشيد دعم المواد الأساسية والتحكم فيه، وتشديد المراقبة على تلك المسالك للحد من ظاهرة التهريب، لكن هذه التوصيات ظلت حبراً على ورق. 

بدورها نشرت صفحة رئاسة الجمهورية خطاباً للرئيس قيس سعيد في مقر وزارة الداخلية في اجتماع بوزير الداخلية توفيق شرف الدين ومجموعة من القيادات الأمنية في الوزارة، يقول فيه إن مقاومة المضاربة والاحتكار ستكون حرباً من دون هوادة، ووصف المحتكرين بـ"المجرمين"، فيما أضاف أنه سيوقع مرسوماً في سبيل التصدي لهم.

وأضاف في اجتماع أن عمليات الاحتكار هي بفعل فاعل، وتهدف إلى ضرب السلم والأمن الاجتماعيين. 

لكن بالرغم من تهديد الرئيس التونسي بتتبع المضاربين والمحتكرين أمنياً وقضائياً، إلا أن الخطوة لم تلق أي نتائج إيجابية، وظلت السلع مفقودة وتأزم الوضع أكثر في شهر رمضان.

"سحر"، أم لطفلين في العقد الثالث من العمر، كغيرها من الأمهات والعائلات محدودة الدخل تجد صعوبة في توفير المواد الأساسية، تقول للميادين نت إنها تجد مشقة في توفير البيض، وأن الطحين والدقيق لم يدخل منزلها منذ ستة أشهر حتى صار الوضع معتاداً، وترى أنّ "وعود الحكومة كلها كاذبة".

ومنذ أشهر تصاعدت وتيرة الخوف في تونس من أخبار تروج بخصوص عزم الحكومة رفع الدعم عن المواد الأساسية، واعتماد أسعار لن تقدر الفئات الفقيرة على مجابهتها.

تعود هذه النوايا الحكومية إلى أن موازنة الدولة لم تعد تتحمل دعم هذه المواد، إذ بلغت القيمة الإجمالية لتكلفة دعم المواد الأساسية التي دفعتها المجموعة الوطنية خلال الفترة من  سنة 2010 إلى عام 2022، 22 مليار دينار.

وتشهد المحلات التجارية والمخابز طوابير من المواطنين ترافقها عدد من الشجارات اليومية. مشهد يشبه أوقات المجاعات والحروب، وحتى قوارير الغاز التي يستعملها التونسيون في الطبخ والتدفئة مفقودة أيضاً.

 وفي حديث مع أصحاب المحلات التجارية، يقول "بدر الدين" صاحب محل بيع مواد غذائية في وسط العاصمة تونس للميادين نت، إنه اضطر إلى إغلاق محله في شهر رمضان لانعدام السلع الأساسية وانتشار ظاهرة الاحتكار من دون رادع أو رقيب.

ويضيف أنّ "للمواطن دوراً في هذه الأزمة، فهو يبتاع كميات تفوق حاجاته ويقوم بتخزينها، وأحياناً ببيعها بضعف ثمنها".

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.6 في المئة، بسبب ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 23.3 في المئة، وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21.8 في المئة، وأسعار البيض بنسبة 15.5 في المئة.

وزادت مشكلة التضخم النقدي في الأشهر الأخيرة لتصل نسبة التضخم في تونس 7,2%، فيما سجلت نسبة نمو ب 1,6% مارس 2022، وفق معهد الإحصاء.

فيما صرحت وزيرة التجارة فضيلة الرابحي أن الاضطراب في التزود بالمواد الأساسية يرجع إلى ارتفاع الطلب وتكلفة الدعم.

وأشارت أيضاً إلى أن الاحتكار وارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية في العالم هي أبرز أسباب نقص المواد الاستهلاكية الأساسية في تونس.

وأصدرت وزارة التجارة وتنمية الصادرات يوم 23 من الشهر الماضي على صفحتها على فيسبوك، بلاغاً أوردت فيه تسخير  168 فريق مراقبة، بينهم 110 فريق مراقبة مشتركة وتفصيلاً لعدد المخالفات المسجلة والسلع المحجوزة في إطار محاربة الاحتكار.

وذكر منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دراسة بعنوان "ميزانية 2022 رهينة صندوق النقد الدولي"، أنه في تونس تغيب المرجعية الاقتصادية الإطارية، فيما تعتمد الدولة فرضيات غير واقعية مع الحفاظ على الإجراءات التقليدية نفسها.

في المقابل، ترتفع نسب التضخم والفقر وعجز الميزان التجاري والدين الخارجي والبطالة التي بلغت %18,4  في سيناريو قد يطابق السيناريو اللبناني نحو إعلان إفلاس الدولة.