المخدرات وفوضى السلاح.. ارتفاع معدل الجريمة في مناطق سيطرة "قسد"

سجّلت محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، عدّة حالات مواجهات واشتباكات عشائرية، نتيجة الثأر لجرائم ارتكبت قبل سنوات طويلة تصل إلى أكثر من 25 عاماً، باستثمار كثافة السلاح الموجود في المنطقة.

  • المخدرات وفوضى السلاح.. ارتفاع معدل الجريمة في مناطق سيطرة
    المخدّرات وفوضى السلاح.. ارتفاع معدل الجريمة في مناطق سيطرة "قسد"

شهد معدل الجريمة في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، شمال وشرق سوريا، ارتفاعاً غير مسبوق هذا العام، مع تسجيل جرائم غريبة وصلت إلى حد قتل أخ لأخيه في مدينة الحسكة، وهو يعدّ تطوّراً اجتماعياً غير مسبوق تشهده سوريا، ضمن الآثار الاجتماعية والنفسية للحرب المستمرة على البلاد، والتي قسّمتها إلى عدة مناطق سيطرة، بينها مناطق سيطرة "قسد"، والتي تشكّل نحو ربع مساحة سوريا. 

جرائم الثأر تعود

ولا تكاد تكون جريمة قتل الأخ لأخيه فقط هي الأبرز، فقد سجّل مخيم "حزيمة" في ريف الرقة جريمة قتل مع إصابة آخر، الشهر الماضي، نتيجة خلاف على سقاية الأرض الزراعية، والذي تطوّر إلى مشاجرة، خلّفت قتلى ومصابين، سبقها بيومين، مقتل شخص وإصابة آخر بانفجار قنبلة يدوية في حي النشوة الغربية في مدينة الحسكة، بعد مشاجرة في حفلة عرس. وبالإضافة إلى جرائم القتل ارتفع عدد ضحايا الخلافات والاقتتالات العشائرية والاجتماعية بشكل لافت، مع العودة إلى عادة الثأر العشائرية التي تراجعت بشكل كبير في سنوات ما قبل الحرب، بسبب وجود ضوابط وعقوبات عشائرية واجتماعية رادعة. 

وسجّلت محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، عدّة حالات مواجهات واشتباكات عشائرية، نتيجة الثأر لجرائم ارتكبت قبل سنوات طويلة تصل إلى أكثر من 25 عاماً، مستثمرين كثافة السلاح الموجود في المنطقة. ووفق إحصاءات لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" المعارض، سجّلت مناطق سيطرة "قسد" منذ بداية العام الجاري 62 جريمة قتل، قُتِلَ فيها 64 شخصاً هم 50 رجلاً و7 أطفال و9 سيدات، توزّعت على 21 جريمة في الحسكة بينهم طفلان و4 سيدات، و24 في دير الزور بينهم طفلان و3 سيدات و17 في الرقة، بينهم 3 أطفال وسيدتان، و3 رجال في منبج، ورجل في عين العرب، عدا عن جرائم الاقتتال العشائري. 

فوارق واضحة

وعلى اعتبار أن نهر الفرات يفصل مناطق سيطرة "قسد" عن مناطق سيطرة الحكومة السورية، في عدة محافظات، كالرقة ودير الزور بالإضافة إلى ريف حلب الشمالي والشرقي، وكذلك وجود مناطق متداخلة في محافظة الحسكة، نتيجة سيطرة الحكومة السورية على مربّعين أمنيين في الحسكة والقامشلي، بالإضافة إلى نحو 100 قرية وبلدة بين ريفي الحسكة والقامشلي، فإن المقارنة بين الطرفين تؤشر على فوارق كبيرة.

وتعدّ الجريمة حدثاً نادراً في مناطق السيطرة الحكومية في أرياف الرقة والحسكة ودير الزور، مقابل ارتفاعها الكبير في مناطق سيطرة "قسد"، لفوارق ترتبط بالأنظمة والقوانين، والحرص الحكومي على ضبط الأمن في كلّ المناطق التي حرّرها من "داعش". كما أن انتشار أنواع جديدة من المخدّرات بين صفوف الشباب وحتى السيدات في عدد من مناطق سيطرة "قسد"، بينها أسماء لأنواع باتت معروفة شعبياً باسم "أتش بوز" و"الخطاط"، تعدّ واحدة من أهم الأسباب لارتفاع معدل الجريمة، وفق مصادر أهلية واجتماعية متعددة. 

الأسباب

وفي الحديث عن أسباب هذه الظاهرة، يؤكّد باحث في الشؤون الاجتماعية في محافظة الحسكة، (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، في حديث لـلميادين نت، أنّ "غياب سلطة الدولة السورية، وعدم قدرة الجهات المسيطرة على الأرض ضبط الأمن في مناطق شمال شرق سوريا، يعدّان العامل الأبرز للفوضى الأمنية التي تعيشها المنطقة"، مشيراً إلى أن "انتشار السلاح غير المرخّص بشكل كبير في أيدي المراهقين واليافعين يعدّ من العوامل الإضافية لانتشار معدل الجريمة".

ويكشف أنّ "التشتّت الذي تعيشه العشائر، ومحاولة إفقاد مكانة الشيخ والوجيه الاجتماعي، نتيجة تنصيب شيوخ جدد وتهميش الشيوخ والوجهاء الفعليّين، أدى إلى تراجع الضابط العشائري والاجتماعي لدى الفئة الأكبر من الشباب واليافعين"، مضيفاً أن "من الأسباب أيضاً، تسرّب أعداد كبيرة من الطلاب من التعليم الحكومي، نتيجة إصرار الإدارة الذاتية على منع تدريس المناهج الحكومية، وفرض مناهجها غير المقبولة لدى شرائح اجتماعية واسعة، مما أدى إلى انتشار الجهل والبطالة، والتي تعدّ عاملاً خطيراً أيضاً في ظهور الجريمة".

ويرى أن "من الدوافع والأسباب لارتكاب الجرائم، انتشار تجارة المخدرات وبيعها وارتفاع أعداد متعاطيها بشكل لافت، من دون وجود ضوابط قانونية حازمة"، مشيراً إلى أن "أهم عامل لضبط الجرائم والحدّ منها، وضع عقوبات محلية صارمة على بيع وتعاطي أنواع المخدرات كافة". ويبيّن أن "مقارنة بسيطة بين مناطق سيطرة الدولة السورية وسيطرة قسد، تجعلنا نلحظ تفاوتاً كبيراً في معدل الجريمة، الذي برغم سنين الحرب الطويلة، بقي ضمن المعدلات الطبيعية"، معتبراً أن "هذا مؤشر اجتماعي مهم على أن لا بديل عن الدولة التي أثبتت قدرتها على ضبط الأمن والحد من مختلف الجرائم حتى في أصعب الأيام التي مرّت على البلاد، في  ذروة هجمات الجماعات الإرهابية المسلحة".