المفاضلة بين الجرحى.. الحرب الإسرائيلية في غزة تُجبر الأطباء على الحِنْث بقسَم المهنة

تفتقر مستشفيات قطاع غزة إلى أدنى الإمكانات، وتعوِّق الأعداد الهائلة من الجرحى تقديم الخدمات اللازمة إلى المصابين، الأمر الذي يؤدي إلى استشهاد عدد من الجرحى في ظل عدم قدرة الأطباء على تقديم الخدمة الطبية إليهم.

  • المفاضلة بين الجرحى.. الحرب الإسرائيلية في غزة تجبر الأطباء على الحنث بقسم المهنة
    المفاضلة بين الجرحى.. الحرب الإسرائيلية في غزة تجبر الأطباء على الحنث بقسَم المهنة

"قدمي مهدَّدة بالبتر في حال لم أحصل على العلاج اللازم. أجريتُ عملية جراحية من دون أيّ مخدّر طبي، وفي ظروف سيئة للغاية، وكدت أفقد حياتي". كلمات مؤلمة عبّر بها الفلسطيني، أحمد أبو نار، عن معاناته بشأن تلقي العلاج بعد إصابته بقصف إسرائيلي على مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة.

"أبو نار" واحد من عشرات آلاف الجرحى، الذين أُصيبوا بحرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ولم يحصل على العلاج اللازم، بسبب نقص المعدّات والمستلزمات الطبية، وخصوصاً مع إغلاق الاحتلال كل المعابر، وإدخاله كميات مقننة إلى القطاع، عبر معبر رفح البري.

عشرات الآلاف من المصابين في غزة يعانون الأمرّين في ظل عدم توافر الحد الأدنى من المعدات والمستلزمات الطبية، علاوة على عدم وجود مكان ملائم في المستشفيات، التي توقفت أغلبيتها عن الخدمة، في مقابل امتلاء ما تبقّى يعمل منها بالجرحى.

وأدت حرب الاحتلال الإسرائيلي إلى إصابة أكثر من 57 ألفاً و614 فلسطينياً حتى اللحظة، سافر منهم للعلاج في الخارج، عبر معبر رفح، 645 جريحاً فقط، ويحتاج 6 آلاف إلى السفر لإنقاذ حياتهم، وفق تأكيد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

ويفيد "أبو نار" الميادين نت بأنه أصيب قبل نحو شهر في قصف إسرائيلي بجروح متفاوتة في مختلف أنحاء جسده، مبيناً أن الإصابة البليغة كانت في قدمه اليسرى، التي يهددها عدم وجود الإمكانات الطبية بالبتر، في أي لحظة.

وأجرى "أبو نار" عمليات جراحية بمخدّر موضعي في بعض الأحيان، ومن دون أيّ تخدير في أحيان أخرى، من أجل إنقاذ حياته والحيلولة دون بتر قدمه، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، في ظل نقص الإمكانات الطبية، وتكدُّس غرف العمليات بالمصابين.

"حاولتُ مراراً السفر مع الأطباء والعلاج في الخارج، وتنقلت في أكثر من مركز طبي في وسط القطاع وجنوبيه من أجل تلقي العلاج. وعلى الرغم من حصولي على "إقادة" طبية بالعلاج في الخارج، فإن الموافقة الإسرائيلية والموافقة المصرية لم تصلا حتى الآن"، كما يؤكد "أبو نار".

وبالتزامن مع سعيه جاهداً للانتقال إلى الخارج، تبذل الطواقم الطبية جهداً مضنياً مع الشاب الفلسطيني من أجل إيقاف المضاعفات الخطيرة على حالته الصحية، وخصوصاً مع إصابته بالتهابات صدرية حادة بسبب دخان الصواريخ الإسرائيلية المحرَّمة دولياً.

معاناة العلاج في الخارج

من على سرير العلاج، يروي أحمد خليل تفاصيل معاناته بسبب نقص العلاج وحاجته إلى عملية جراحية عقب إصابته بقصف صاروخي لمنزل نزح إليه في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، مؤكداً تعرضه لإصابة بليغة وقطع في الحبل الشوكي.

ومنذ ثلاثة أشهر يتلقى خليل، وفق ما يقول للميادين نت، وعوداً بنقله إلى خارج غزة من أجل تلقي العلاج، وخصوصاً أنه يحتاج إلى عمليات جراحية معقَّدة وعاجلة من أجل إنقاذ حياته، ولا يستطيع تحريك أي من أطرافه بسبب الإصابة.

"منذ بداية الحرب الإسرائيلية وأنا أحاول تلقي العلاج خارج القطاع، وخصوصاً مع عدم توافر أيّ إمكانات لعلاج حالتي الصحية، واكتفاء الأطباء بالمسكنات والمضادات الحيوية، لكنني لم أحصل بعدُ على هذه الفرصة"، يقول خليل.

وتفتقر مستشفيات قطاع غزة إلى أدنى الإمكانات، وتعوِّق الأعداد الهائلة من الجرحى تقديم الخدمات اللازمة إلى المصابين، الأمر الذي يؤدي إلى استشهاد عدد من الجرحى في ظل عدم قدرة الأطباء على تقديم الخدمة الطبية إليهم.

تدمير المراكز الصحية

الأزمة الصحية تفاقمت في القطاع، على إثر إخراج الاحتلال 30 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، وتدميره 150 مؤسسة صحية و121 سيارة إسعاف، وخصوصاً في مدينة غزة وشماليها، وفق الإحصاءات الفلسطينية.

وبسبب ذلك، اضطر الأطباء في غزة إلى "الحنث بقسَم المهنة" والمفاضلة بين الجرحى، والتعامل مع الحالات الخطيرة والمتوسطة، والتي يمكن إنقاذها، الأمر الذي أدى إلى استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين، وفق ما يؤكد الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة.

ويفيد القدرة الميادين نت بأنّ "الطواقم الطبية باتت مجبرة على المفاضلة بين الجرحى، بينما تجبر أيضاً على تقديم الرعاية الطبية الأولية فقط إلى بعض الحالات".

"المساعدات الطبية التي تصل إلى القطاع، منذ العدوان الإسرائيلي، مقيّدة، والاحتلال الإسرائيلي يستخدم هذه المساعدات سلاحاً لتصفية الجرحى، وهذا الأمر خطير في ظل الوضع الصعب للقطاع"، وفق القدرة.

ويؤكد المسؤول الفلسطيني أنّ "الطواقم الطبية ليس لديها أي خيار، وتتعامل وفق ما هو متاح لديها، وخصوصاً مع خروج عشرات المراكز الطبية عن الخدمة، قائلاً: "تأخر دخول المساعدات، وتقنينها يؤثر في آلاف الجرحى والمصابين، ويؤخر علاجهم في مستشفيات القطاع".

وتشهد المستشفيات، التي بقيت قيد العمل، اكتظاظاً بالجرحى والنازحين، الأمر الذي يشكل ضغطاً عليها، كما أن نسبة الإشغال السريري في المستشفيات بلغت 300%، والجرحى يفترشون الأرض، والطواقم الطبية تُجري تدخلاتها في أرضيات المستشفيات، مستعينةً بما يتوافر من إمكانات محدودة.

ولم تلقَ مطالبات المنظمات الأهلية والطبية الفلسطينية للمؤسسات الدولية بإنقاذ الوضع الطبي المتهالك في غزة آذاناً مصغية، بينما تكتفي مجموعة من الجمعيات الإغاثية بإنشاء مستشفيات ميدانية مخصَّصة لخدمات الرعاية الأولية، ولا يمكن أن تساهم في تخفيف أعباء الجرحى.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.