انتحار وتهديدات بـ"الفضيحة".. قصص مأساوية لمصريات تعرضن للابتزاز الإلكتروني

خلال استطلاع أجراه الميادين نت ألقى الضوء على ما يواجهه عدد كبير من الفتيات من قيود بعد تعرضهن للابتزاز الإلكتروني تمنعهنّ من التحدث في قضايا الشرف والاعتداءات التي يواجهنها، وغالباً ما يكون دافعها كسب المال أو الاستغلال الجنسي.

  • انتحار وتهديدات بـ
    انتحار وتهديدات بـ"الفضيحة".. قصص مأساوية لمصريات تعرضن للابتزاز الإلكتروني

لم يتصوّر أحد من المصريين، أنّ بشاعة واقعة انتحار الطالبة بسنت خالد شلبي، التي هزت الرأي العام في 2022 بسبب الابتزاز الإلكتروني، أن تتكرر هذه الأيام مع الطالبة نيرة الزغبي، بكلية الطب البيطري بجامعة العريش، شمالي مصر، بعد حصول المتّهمين بالقضية الأولى على أحكام رادعة. 

فضّلت نيرة ابنة التاسعة عشر ربيعاً، من مدينة المنصورة، أن تموت عوضاً من مواجهة الأسرة والمجتمع، وذلك بعد تعرضها للتهديد من قبل زمليتها في الصف الدراسي، بنشر صور عارية التقطتها لها خلسة في حمام السكن الجامعي، أمام زملائها بالكلية. أما بسنت (17 عاماً)، فتعرضت لابتزاز جنسي من شابين اخترقا هاتفها المحمول وقاما بفبركة صورها.  

قضية انتحار الزغبي لا يزال صداها يتردد في مواقع التواصل في مصر تحت هاشتاغ "حق طالبة العريش"، برغم أنها لم تكن سوى واحدة من مئات الفتيات والنساء اللواتي يتعرضن للابتزاز يومياً، بعد تحوّل تلك الظاهرة من جريمة فردية إلى جماعات منظمة، تبتز الجنسين بهدف الجنس أو الكسب المادي.

قصص مأساوية لم تنشر

قصة "فتاة العريش"، كشفت عن قصص غير معروفة من جرائم الابتزاز التي تتعرض لها المصريات، وذلك خلال استطلاع أجراه الميادين نت ألقى الضوء على ما يواجهه عدد كبير من الفتيات من قيود تمنعهنّ من التحدث في قضايا الشرف والاعتداءات التي يتعرضن لها، التي يكون دافعها كسب المال أو الاستغلال الجنسي.

الكثير من هؤلاء الفتيات فضّلن التحدث بأحرفهن الأولى من أسمائهن، خشية كشف أمرهن أمام المجتمع وعائلاتهن، لأنها وقائع من وجهة نظرهن تتصل بالسمعة والشرف، لافتات إلى أنهن يخفن من تعرضهن للإيذاء البدني والنفسي في حال أفصحن عن تفاصيل ما تعرضن له.

وتقول "ن. ش" (19 عاماً)، الطالبة بكلية الآداب في جامعة القاهرة، للميادين نت إن تجربتها المريرة كانت عبر منصة "إنستغرام"، حين قام أحد الشبان بفبركة صور غير لائقة لها، وهددها بإرسالها إلى أسرتها أو نشرها إن لم يحصل على 20 ألف جنيه (400 دولار أميركي).

تملّك "ن.ش" الفزع والخوف خشية الفضيحة، "فخضعتُ للابتزاز خشية من أهلي، هي صور مفبركة، لكن خوفي بعد تركيب وجهي على جسد فتاة عارية، أصابني بالذهول، فدفعت له مقابل الصمت".

أما الفتاة العشرينية "ع.ح "، الطالبة في إحدى الجامعات الخاصة، فعاشت الكارثة نفسها، حين أقنعها أحد زملائها بالكلية بالزواج بعد التخرج، فتطورت العلاقة بينهما، وأرسلت له بعض صورها الخاصة، لكن المفاجأة التي هزّت كيانها، كانت بعد عدة أشهر حين بدأ بابتزازها، ثم طلب منها المال، مقابل عدم نشر الصور.

فضّلت "ح"  إنهاء العلاقة والابتعاد، كما تقول لـلميادين نت، لكنه استمر في ابتزازها ووضعها تحت ضغط نفسي شديد، مهدداً إياها بإرسال الصور إلى والديها، فلجأت إلى إحدى صديقاتها لمساعدتها، وتم إنهاء المشكلة، لكنها اليوم لا تثق في أي شاب يحاول التقرب منها أو مصادقتها.

مشاعر الرعب تلك تعرضت لها طالبة ثالثة في المرحلة الثانوية العامة  تدعى "م. م"، حين حاولت إصلاح هاتفها في أحد مراكز الصيانة بمنطقة شعبية، فاضطرت إلى تركه، لكن بعد يومين وقبل استلامه، تلقت اتصالاً من مجهول، بوجود صور غير لائقة لها بحوزته.

وتضيف لـلميادين نت: "لم أتصور يوماً أن يرسل صاحب مركز الصيانة صوري لأحد الأشخاص ليهددني، ولأنني أعيش في منطقة شعبية، والجميع في شارعنا يعرف بعضه البعض، اضطررت إلى دفع مبلغ ألفين جنيه، لمسح صوري وانتهت المشكلة من دون علم أسرتي".

أشهر 5 حوادث في 3 سنوات

في هذا السياق، يقول المحامي محمد محمود، في المبادرة المصرية لحقوق الإنسان، لـلميادين نت، إن معظم ضحايا الابتزاز الإلكتروني من المراهقات، فالمبتز يمارس أشياء غير أخلاقية بعد حصوله على الصور والمعلومات ويستغل صغر سن الضحية أو عدم درايتها بالقوانين، مضيفاً أن "الابتزاز بالصور الشخصية أو المحادثات الخاصة أكثر المظاهر شيوعاً بتلك الجريمة".

وبالعودة إلى مأساة انتحار نيرة وبسنت، فلم تكن الحادثتان الشهيرتان وحيدتين في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ سبقهما انتحار طفلة تبلغ من العمر 15 عاماً تدعى هايدي شحته، بالصف الأول الثانوي، تخلصت من حياتها بالسم في كانون الثاني/يناير 2022، في إثر تهديدها بنشر صور غير لائقة لها، وسبقها بأيام إلقاء زوجة بنفسها من شرفة منزلها في محافظة الغربية، شمال مصر، بعد تهديدها من جانب الزوج بنشر علاقتهما الحميمية على مواقع التواصل لإجبارها على التوقيع على شيكات بالإكراه، مقابل التنازل عن قائمة منقولاتها حال طلاقها.

أما الواقعة الخامسة والتي أطلق عليها إعلامياً "فتاة الهرم" كانت في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حين انتحرت طالبة (21 عاماً) في معهد السياحة والفنادق، بعد ابتزازها من قبل لاعب نادٍ شهير، بنشر صورها العارية التي حصل عليها منها، ما دفع الفتاة إلى الانتحار خشية الفضيحة.

ولا توجد في مصر إحصاءات رسمية عن معدل جرائم الابتزاز الإلكتروني، لكن دراسة للجنة الاتصالات في البرلمان، كشفت أنه خلال شهرين في عام 2018 تم تقديم 1038 بلاغاً بجريمة إلكترونية، منها جرائم ابتزاز إلكتروني.

وتقول إيمان عبد الله، استشارية الطب النفسي والأسري، لـلميادين نت إن الابتزاز الإلكتروني جريمة في حق كل إنسان، والقوانين المصرية تحتاج إلى تعديلات لوضع أشد العقوبات حيال تلك الجريمة، خصوصاً في عصر الإنترنت وانتشار مواقع التواصل، مطالبة الضحايا بعدم الرضوخ لطلبات المبتزين أو الخوف من الأسرة واللجوء إلى شرطة الإنترنت.

خطوات حكومية لمكافحة الابتزاز

بالرغم من أن قانون مكافحة جرائم المعلومات 2018، لم يشر إلى الابتزاز الإلكتروني صراحة، بيد أن المادة 25 نصت على الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين من دون موافقته.

كما أن قانون العقوبات المصري، أكمل القانون السابق، بالنص على معاقبة من يهدد شخص بجريمة ضد النفس بالسجن مدة لا تتجاوز 3 سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوباً بطلب أموال، أما إذا كان مصحوباً بذلك فقد يُسجن 7 سنوات.

ومع تزايد تلك الظاهرة، خصصت الحكومة المصرية عدة أرقام وخطوط ساخنة يمكن تقديم البلاغات عبرها بسرية تامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المبتز، كما تقوم الشرطة المصرية وشرطة الإنترنت بتلقي تلك البلاغات للتعامل معها على الفور، كما دشنت عدة حملات توعية لمكافحة تلك الجريمة على وسائل التواصل الاجتماعي كافة لحماية المعلومات الشخصية للأفراد.

وتقول النائبة في البرلمان المصري وعضو لجنة حقوق الإنسان، أمل سلامة، إن الجريمة البشعة التى راحت ضحيتها الطالبة الجامعية نيرة الزغبي، تتطلب سرعة تغليظ عقوبة الابتزاز الإلكتروني.

سلامة، وخلال حديثها لـلميادين نت، تضيف: "خلال الجلسات البرلمانية قدمت طلبات رسمية بضرورة تغليظ العقوبة ضد من يبتز أي مواطن أو يخترق حياته الخاصة عبر مواقع الإنترنت، وتعديل المادتين 25 و26 لتصبح مدة الحبس لا تقل عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، وسيتم إدراج ذلك في التشريعات الجديدة".

أما رئيسة الاتحاد النوعي لنساء مصر هدى بدران، فقالت إن حوادث الابتزاز الإلكتروني المستمرة التي أودت بحياة الفتيات ومؤخراً نيرة الزغبي، خلقت حالة انزعاج واضطراب في المجتمع، مطالبة بتشديد العقوبات ضد تلك الجريمة لتكون رادعة.

بدران وفي حديثها إلى الميادين نت نصحت الفتيات تجنب الوقوع في فخ تلك الجريمة بعدم قبول طلب الصداقة من قبل أشخاص غير معروفين على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الرد والتجاوب على أي محادثة من مصادر مجهولة، فضلاً عن عدم مشاركة المعلومات الشخصية على تلك الوسائل، وحال وقوع الجريمة يجب التوجه إلى شرطة الإنترنت المنتشرة على مستوى البلاد وتحرير المحضر اللازم من دون خشية التقاليد والمجتمع.