مدارس لبنان تفتقد مستلزمات أساسية في صفوفها ومختبراتها

يعود الشح في المستلزمات المدرسية في لبنان إلى الحجز على أموال صناديق المدارس في المصارف، وعدم صرف الأموال المطلوبة، فضلاً عن التأخّر في دفع مستحقات صناديق المدارس وصناديق مجلس الأهل من قبل وزارة التربية والتعليم العالي.

  • مدارس لبنان تفتقد مستلزمات أساسية في صفوفها ومختبراتها
    مدارس لبنان تفتقد مستلزمات أساسية في صفوفها ومختبراتها

في مختبر من مختبرات مدرسة في طرابلس (شمالي لبنان)، تحاول معلمة الكيمياء كاتيا شرح الدرس لطلابها "بالموجود" في ظل ندرة الأدوات والمواد الكيميائية الضرورية لإجراء التجارب التي كانت سابقاً جزءاً مهماً لانطلاقة الدرس الصفي أو تطبيقه.

تقول كاتيا، إن تلميذاً من تلامذتها كاد يكسر ذات مرة، أنبوبة اختبار زجاجية في المختبر من غير قصد، ما حدا مسؤول المختبر إلى الاستنفار والتشديد على الطلاب بالانتباه أكثر، ذلك أن سعر الواحدة منها يصل الى مئتي دولار وأكثر.

تقول كاتيا بأسف: "بات من شبه المستحيل شراء بعض المواد المخبرية للمدرسة بسبب غلائها وضعف ميزانية المدرسة التي لا تكاد تغطي النفقات الضرورية لسير العملية التعليمية"، إذ إنها أجبرت في كثير من الأحيان على شرح الدرس بلا إجراء أي من التجارب التي تساعد الطالب على فهم الدرس واستيعاب المعلومة.

ما يجري في هذه المدرسة قد يكون مطابقاً لما يجري في كثير من المدارس الرسمية والخاصة على حد سواء في لبنان، فجلها اليوم يعاني عدم القدرة على تأمين الخدمات والمستلزمات الأساسيّة التي تضمن سير عملها، ولا سيّما الكهرباء والماء والتدفئة والقرطاسية وغيرها كثير من المستلزمات بعد ارتفاع تكلفتها . واقع صعب دفع المدارس إلى التقنين وترشيد الإنفاق وإلغاء بعض الحصص الأدائية في عدد منها.

المدارس الرسمية عاجزة والبدائل غير مجدية

منذ فترة وجيزة، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطلاب في مدرسة رسمية يفترشون الأرض لعدم وجود مقاعد تكفيهم. صورة، تبدو وكأنها التقطت في الزمن الغابر لكنها تعكس معاناة جيل من طلاب لبنان يبدو أن ماضي آبائه بات أفضل من حاضره .

 فالمقاعد في المدارس الرسمية من المستلزمات الضرورية الكثيرة التي تعاني المدارس الرسمية بعد الأزمة الاقتصادية نقصها. تكشف مديرة مدرسة رسمية في منطقة البقاع (فضلت عدم الكشف عن اسمها) أن هناك سنوياً تأخيراً في توفير الكتاب المدرسي بذريعة عدم وجود التمويل، مشيرة الى أنه وعلى الرغم من العمل على حلول موقتة في المدارس كالإعارة والتبديل بين الطلاب ما زالت المشكلة قائمة.

ولفتت المديرة في حديثها إلى الميادين نت، إلى أن وزارة التربية أطلقت ما يسمّى "الكتاب المدرسي الإلكتروني" من دون أخذ الواقع التربوي للمدارس والتلاميذ على كامل الأراضي اللبنانية بالاعتبار، فهو يحتاج في تطبيقه إلى كهرباء، وهواتف ذكية وكمبيوترات محمولة للمعلمين والطلاب، مشيرة إلى أن "معظم ما ذكر ليس متوافراً بحدّه الأدنى في المدارس الرسمية".

وفضلاً عن اللكتاب ثمة نقص في أبسط المستلزمات الضرورية في التعليم، تقول مديرة أخرى في التعليم الرسمي  (فضلت عدم الكشف عن اسمها): "لم نعد نستطيع أن نوفر المحابر لآلات التصوير، إذ إن تكلفة شرائها أصبحت بالدولار الطازج، كذلك الأمر بالنسبة إلى أوراق الطباعة، اذ إن تكلفة الصندوق الواحد تساوي ثلاثين دولاراً. وتتابع: "في هذه الحال لا نستطيع شراء ثلاثة صناديق من الورق للمدرسة، إذ ستكلفنا تسعين دولاراً وهذا المبلغ يتخطى السقف المحدد من وزارة التربية والتعليم للفاتورة، وهو ثلاثة ملايين ليرة فقط".

يذهب بعض مديري المدراس الرسمية إلى تحميل الدولة مسؤولية الواقع المتردي لجهة النقص الحاد في مستلزماتها، ويقول إن المدارس "تغرق في الشتاء بالبرد والعتمة فلا كهرباء، ولا تدفئة، بسبب شح المحروقات وعدم القدرة على شرائها."

ويضيف هؤلاء في حديثهم إلى الميادين نت إن هذا الشح يعود إلى الحجز على أموال صناديق المدارس في المصارف، وعدم صرف الأموال المطلوبة، فضلاً عن التأخّر في دفع مستحقات صناديق المدارس وصناديق مجلس الأهل من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، وعدم رفع سقوف الإنفاق في ظل الإنهيار المالي ما يعرقل شراء المستلزمات الضرورية.

شح المستلزمات يطاول المدارس الخاصة أيضاً

رياح الأزمة لم تستثنِ المدارس الخاصة وعرّضتها لنقص في مستلزماتها، ما شكل تحدياً لدى أصحاب القرار فيها للتعامل مع الوضع المستجد . يؤكد منسق مديرية التربية والتعليم في جمعية المبرات الخيرية فايز جلول أن هناك فعلياً أزمة في تغطية كل النفقات، ذلك أن الجمعية لم تتقاضَ أقساطها بالدولار على حد قوله.

يشكو جلول للميادين نت العبء المالي الكبير على المؤسسات التعليمية في الجمعية، ويتحدث مثلاً عن الكومبيوترات التي تحتاج إلى صيانة دائمة وتحديث للبرامج، ويذكر أيضاً تكلفة صيانة اللوح الإلكتروني التفاعلي التي ارتفعت جداً بعد الأزمة. 

ويوضح أنهم اعتمدوا في المؤسسات التعليمية التابعة للجمعية، سياسية ترشيد الإنفاق لتوفير المال من أجل تمويل النشاطات التعليمية: "استعضنا بالتكنولوجيا كبديل عن الورق في التبليغات الإدارية، وفي سائر البيانات الداخلية، وتلك الموجّهة إلى الأهل".

أما المدارس التي تتقاضى جزءاً من أقساطها بالدولار، فتؤكد إداراتها والمعنيون فيها أن ذلك ليس كافياً لتغطية كل النفقات وشراء المستلزمات التي أصبحت كلها بالدولار الطازج، مشيرين إلى أن هناك أولويات في شراء المستلزمات. الناظر في ثانوية مار الياس في طرابلس، زياد عطية يؤكد وجود نقص في بعض المواد الأدائية كحصة الفنون والنشاطات اليدوية للصغار، بسبب غلاء مستلزماتها، لافتاً إلى أن الكتب بات سعرها مرتفعاً جداً "لذا نلجأ إلى تصويرها، ولكن فقط بالأسود والأبيض لأن التصوير الملوّن بات صعباً بسبب تكلفته الباهظة"، يقول عطية.

في السياق عينه، تشدّد ندى، وهي معلمة إحدى المواد العلمية في مدرسة تابعة لمطرانية الأرمن في عنجر، على وجود نقص كبير في الأقلام التي يستخدمها المعلمون في الصفوف، مشيرة أيضاً الى أنها بدأت تستبدل التجارب التي يجب أن يطبّقها الطلاب في المختبر بفيديوهات مصورة تعرض على الشاشة. تقول ندى: "هذا الواقع أثّر كثيراً في التعليم، ذلك أن الطالب كان معتمداً على فهم الدرس من خلال التجربة التي تطبق أمامه".

سياسة ترشيد الإنفاق.. وجه إيجابي للأزمة!

أزمة قلة المستلزمات في المدارس الخاصة والرسمية، على حد سواء، تنطوي على جانب إيجابي يلحظه التربويون. إذ إن هذه الأزمة ستجعل المدارس والأهل والمتعلمين على قدر أكبر من المسؤولية، وبالتالي سيعمدون إلى شراء الأدوات والمستلزمات الأساسية التي سيستخدموها في العملية التعليمية على ما تؤكّد الخبيرة التربوية، الأستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية غادة جوني.

وتوضح جوني في حديثها إلى الميادين نت، أن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تعيد النظر في التعامل مع المستلزمات، فعلى المستوى البيئي، فإن الاختصار حيث يلزم بالمستلزمات والأدوات مفيد جداً من حيث الأوراق أو التلوين وغيرها، لافتة إلى أن استخدام كثير منها غير مبرر.

وتلفت إلى "أننا أصبحنا أمام ترشيد للإنفاق ففي المدارس، لكنّ ذلك مشروط بألا نصل إلى مكان ينعدم فيه تكافؤ الفرص أو يحول فقدان بعض المستلزمات، من دون أن يختبر الطلاب ما يجب أن يختبروه بأنفسهم في المدارس".

وترى جوني أن التعلم الناشط لا يحتاج إلى تكلفة عالية ومستلزمات عالية التكلفة، إنما يحتاج إلى تبني لهذه المقاربة على أنها المقاربة الأكثر فعالية في إكساب المتعلمين الأهداف المتوخاة من النظام التعليمي وتضيف قائلة: "يمكن أن يبدع المتعلم في التعلم الناشط من خلال مستلزمات يسيرة". 

وأكدت أنه خلال فترة أزمة كورونا أنتج لبنان عدداً من البرامج التي تلبي حاجات الطفل النمائية، وبالتالي يمكن الاستفادة منها وتعميمها في المدارس. وهي منشورة على صفحة وزارة التربية أو صفحات المركز التربوي وبعض المنظمات الدولية الناشطة في لبنان.