منها الخشاف والبط والرقاق.. أطعمة رمضانية في مصر من عصر الفراعنة

يتمسك المصريون بعاداتهم الغذائية التي تمتد في جذورها إلى أكثر من 7 آلاف عام، ومن المائدة الرمضانية المصرية المعتادة الكلاسيكية، يمكن أن تجد البط والإوز المشوي مع الأرز المطبوخ، كذلك طبق الفتة والفطائر المحشوة إلى جوار طبق صغير من الخشاف.

  • منها الخشاف والبط والرقاق.. أطعمة رمضانية من عصر الفراعنة
    منها الخشاف والبط والرقاق.. أطعمة رمضانية من عصر الفراعنة

لدى المصريين عادات وطقوس في الاحتفال بالمناسبات السعيدة، ولا مناسبة أفضل من شهر رمضان تجمع الكثيرين حول مائدة طعام تضمّ العائلة وأحياناً الجيران أو الأقارب، يتناولون الطعام سوياً ويحتفلون بكل ما لذّ وطاب.

ولأنّ المصريين متمسّكون بعاداتهم الغذائية التي تمتد في جذورها إلى أكثر من 7 آلاف عام، فكان من الطبيعي أن يمتد الاستمتاع ببعض الأكلات والمشروبات من عصور قديمة حتى في رمضان.

البط والفتة والبلح

من المائدة الرمضانية المصرية المعتادة الكلاسيكية، يمكن أن تجد البط والإوز المشوي مع الأرز المطبوخ، كذلك طبق الفتة والفطائر المحشوة إلى جوار طبق صغير من الخشاف (مجموعة من الفواكه المجففة مغموسة في اللبن أو الماء المُحلى بالسكر)، كمفتتح للطعام يتكوّن أساساً من البلح الذي أنقذ مصر من المجاعة عدة مرات.

حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية قال لـلميادين نت إن المصري القديم كان يستهلك البلح بكثرة، وكذلك الفواكه المجفّفة مثل التين والبرقوق والعنب والذي صنع منه الزبيب، كما أن هناك أكلات أخرى نستهلكها في رمضان لكننا توارثناها من عهد المصريين القدماء، مثل الفطائر المحشوة والبط والإوز المطبوخين والحمام المحشو، سواء بالأرز أو الفريك وغيرها من الحشوات.

وأكد أن "بعض الأكلات التي نتناولها في رمضان كمصريين هي في الأساس كانت تعود إلى أكثر من 3 آلاف عام، وتناقلنا طريقة صنعها وظل المصريون يستهلكونها حتى مع قدوم الفتح الإسلامي الذي لم يغيّر من عادات المصريين الغذائية، مثل تناول الفتة المكوّنة من الأرز المطبوخ وطبقة من الخبز الذي يسمّى "عيش" وهي كلمة فرعونية في الأساس. وحظي بمكانة مقدّسة لدى المصريين القدماء حتى أنه كان يُدفن في المقابر لإيمانهم أنه حينما يعود الميت إلى الحياة يجد طعاماً يتناوله، بحسب الاعتقادات القديمة، كما كان يضاف اللحم والصلصة إلى الفتة".

الكثير من الأكلات تم اكتشافها داخل مقابر العديد من الفراعنة، يؤكد عبد البصير ذلك، ومنها الجبن القريش الذي لا يزال يستهلك حتى اليوم في وجبات السحور والإفطار على الموائد المصرية، كما تم اكتشاف عيّنات من هذا الجبن في سقارة في متحف أمنحتب، ووجد العلماء بطاً وإوزاً وحماماً محنّطة داخل المقابر كمقبرة توت عنخ آمون.

وتابع أن طبق الفول، هو الطبق الرئيسي على مائدة السحور لدى المصريين حالياً، ولا يستغني عنه أي مصري، هو أيضاً متوارث من عهد المصريين القدماء والذين أبدعوا في طرق مختلفة لصنعه.

وأضاف أن الشخصية المصرية هي شخصية حضارية قوية مؤثرّة وليست متأثّرة، بمعنى أنها تؤثّر في الناس وقليلاً ما تتأثّر بهم. "فطبيعي أن نتوارث عادات الأجداد ونحافظ عليها وتظل معنا مهما تغيّر الزمن والأحداث والحكّام".

أما الدجاج فبحسب حلقات وثائقية لزاهي حواس باسم "الطعام في عصر الفراعنة" فقال إن الملك تحتمس الثالث جلبه من فلسطين وسوريا وأدخله مصر وتعلّم المصريون طريقة طبخه ولم يستغنوا عنه منذ ذلك اليوم.

لكن أكلات رمضانية مثل الكنافة والقطائف هي من عصر الفاطميين الذي كان يعتبر عصر الازدهار في المطبخ المصري.

الخروب والسخينة

بنى المصري القديم حضارة زراعية حول ضفاف نهر النيل منذ القدم، فزرع المصريون واشتهروا بعديد من النباتات خاصة البقوليات الخمس "الفول، العدس، الترمس، السمسم، الحمص"، وكما كان المصري القديم، لا يزال المصري الحديث مؤمناً بمقولة "الأرض عِرض، من فرّط في أرضه فرّط في عِرضه" دلالة على التمسّك بالزراعة وأهميتها لديه.

ليست كل الموائد سواء، فمائدة المصريين في شمال الدلتا والإسكندرية تختلف جزئياً عن مثيلتها في الصعيد. ومن بين الأكلات الرمضانية على المائدة الصعيدية السخينة وهي حلوى منتشرة في مدن الجنوب، خصيصاً سوهاج التي كانت عاصمة لمصر بعد توحيد مينا للقطرين، والسخينة هي عبارة عن حلوى تكون من الخبز "العيش" والحلبة المطحونة والعسل الأسود والسمن وهناك نسخ متعددة منها.

الكاتبة سميرة عبد القادر مؤسسة مبادرة "توثيق المطبخ المصري" ومؤلفة كتاب "الطبخ أصله مصري"، تقول إن هناك العديد من الأكلات والمشروبات التي يستهلكها المصريون حالياً في شهر رمضان، تعود إلى عصر القدماء المصريين، مثل مشروب العرق سوس والخروب والسوبيا والدوم والتمر الهندي، وأكلات مثل الملوخية والسخينة في الجنوب والبط والحمام.

وتضيف عبد القادر: "الخروب كان الإغريق يسمونه التين الفرعوني، والدوم كان لا بدّ أن يزرعه كل مصري داخل بيته. أما بالنسبة للأكلات فأشهرها الرقاق، والرقاق هو طبقات من الخبز المسطح المبلل فوق بعضها ومحشوة بحشوات مختلفة مثل اللحم، أو البط، أو الجبن، أو غيرها".

أما عن حساء السخينة وهو حساء مصري شهير منتشر في القرى المصرية وحاضر بشكل يومي على موائد الإفطار في شهر رمضان، خاصة على مائدة الملك فاروق، وانتقلت وصفة الحساء لفرنسا وسميت بشوربة البصل، وهو موجود في كتاب the Pharos kitchen للكاتبة ماجدة المهداوي وعمرو حسنين، وهناك نسخة تحلية من السخينة عبارة عن سمن وحلبة مطحونة وعسل أسود يوضع عليها قطع من الخبز الشمسي، وهو من أقدم أنواع الخبز المصري يعود تاريخه لأكثر من 3 آلاف عام، بحسب عبد القادر.

أما عن الخروب فهو مشروب عرفه قدماء المصريين منذ نحو أربعة آلاف عام، وقدّسوا ثماره، ونقشوا صوره على جدران معابدهم، ووُجِدَ في مقابر كاهون وهوارة قرون الخروب وبزوره، كما وُجِدَ في لوحة رسم خروبة ضمن قرابين مقدَّمة للموتى.

كما عُثر على عصا في تابوت أثبت الفحص الميكروسكوبي أنها مصنوعة من "الخرنوب"، وكان المصريون يتناولون مشروب الخروب، ويقدّمونه لضيوفهم بديلاً عن الشاي، بل كان يعني تقديم الشاي أن المضيف يكره ضيفه، ويتمنّى له صحة سيئة، ويرفض تقديم واجب الضيافة الأمثل له.

الدوم والسوبيا

أما عن الدوم فهو يُزرع في مصر منذ أقدم العصور، ويكثر وجوده في صعيد مصر والواحات البحرية وبلاد النوبة والسودان، وبحسب مبادرة "توثيق المطبخ المصري"، عُثر على ثمار الدوم في قبور البداري في عصر ما قبل الأسرات، وعُثر على أول صورة لنخيل الدوم في قبر "كا- ام- نعرت" من عصر الدولة القديمة، وعثر أيضاً على ثماره في قبور دير المدينة بطيبة، بينما وجدت جذوعه في أكوام من الطمي في تونا الجبل عام 1931 من العصر الروماني.

أما عن السوبيا فكان أول من صنعها المصريون القدماء، وكانت تصنع من الحبوب مثل القمح والشعير وبعدما عرف المصريين زراعة الأرز أصبحوا يصنعونها منه لكن مع اختلاف مدة التخمير.

في كتاب "كنز الفوائد لتنويع الموائد" هناك عشرات الطرق للمشروبات المصنوعة من الحبوب وهناك قسم منه يسمى "المشروبات الرمضانية"، منها مشروب يسمّى الفقاعات، وكان المصريون القدماء مشهورين به، ويتم تحضيره بطرق مختلفة منها استخدام الحبوب والخبز المنقوع، وهناك طرق مختلفة لصنع السوبيا باستخدام منكّهات عديدة منها النعناع والزعفران بدلاً من الفانيليا وجوز الهند.