أهالي جنوبي لبنان يعيدون إحياء أعمالهم ومهنهم في قرى النزوح

بسبب اضطرارهم إلى الخروج من بلداتهم، التي تتعرض لقصف واستهداف مباشِرَين من قوات الاحتلال، يحاول أهالي جنوبي لبنان اليوم إعادة إحياء حياتهم ومصالحهم ومهنهم في القرى التي نزحوا إليها، كأداة صمود ومقاومة.

  • أهالي جنوب لبنان يعيدون إحياء أعمالهم ومهنهم في قرى النزوح
    أهالي جنوبي لبنان يُعيدون إحياء أعمالهم ومهنهم في قرى النزوح (أرشيف)

لطالما خطّ أهالي جنوبي لبنان معالم الصمود، وخصوصاً في العدوان الإسرائيلي الحالي، وما تسبب من استهدافات لقراهم وأبنائهم، وأجبرهم على النزوح إلى بلدات آمنة. وكنوع من أنواع المقاومة الأهلية، عمدوا، بعد مدة، إلى تسيير أمورهم في قرى النزوح، واختاروا أن ينطلقوا من جديد في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، من أجل تحصيل قُوت يومهم.

بعد مضي شهرين على الحرب، وجد حسين نفسه مضطراً إلى العمل بعد أن ترك مطعمه في عيتا الشعب، فما كان منه إلا أن باع سيارته، واشترى بثمنها معدّات مطعم جديد، افتتحه في إحدى قرى قضاء صيدا. يقول إنّه لا يمكنه الانتظار أكثر، وخصوصاً أن الصيف، بالنسبة إليه، هو الموسم الأعلى ربحاً. وبناءً عليه، يريد أن يستغل الوقت إلى حين عودته إلى بلدته.

أما أبو علي، من بلدة الخيام، فكان يمتلك في بلدته معرضاً لبيع الدراجات النارية، وظلّ صامداً أولَ أشهر الحرب، لكنّه اضطر إلى النزوح بعد اشتداد القصف على المدينة، وتعرّض للإصابة بجروح في إحدى الغارات، فنقل جميع مقتنيات معرضه إلى منطقة مرجعيون الملاصقة. يُصرّ أبو علي على البقاء والعمل، لأنه يرى فيهما نوعاً من المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن عمله في هذه المنطقة مهم، لأنه يمنحه القدرة على الاستمرار والصمود.

لا تتباين حال الحاجة وفيقة، التي نزحت عن بلدتها جبال البطم إلى بلدة صديقين المجاورة، إذ إنها لم تنتظر العودة وانتهاء الحرب، بل عمدت الى شراء عدة فرن الصاج، حيث تخبز بصورة يومية لزبائنها الذين يتوافدون من أجل شراء الخبز منها. تقول الحاجة وفيقة إن الله فتح عليها، وإن الناس في المحيط يشجعونها ويشترون الخبز منها. أما بشأن قدرتها على الصمود، فتقول: "لقد تعوّدنا على ذلك، وهذه ليست المرة الأولى التي نتهجر فيها، أنا ما زلت في الجنوب، وهذا أهمّ ما في الأمر". 

وكان لمدينة صور حصة كبيرة في استقبال النازحين. ونُقل عدد من تجار بنت جبيل إليها، وخصوصاً تجارة الألبسة، بحيث يسهل نقل البضائع إلى محال يتم استئجارها في المدينة وأطرافها، ونشطت أيضاً "بسطات" الخضار والفواكه لبعض النازحين، الذين لم يستطيعوا استئجار محالّ لأن أثمانها مرتفعة، ففضلوا استخدام آلياتهم بسطاتٍ بديلةً من المحال، ساعين لتأمين مصادر رزق تعوّض تلك التي كانوا يمتهنوها في بلداتهم وقراهم قبل النزوح. 

في ظروف تتفاوت بين عائلة وأخرى، يُسطّر الجنوبيون معالم انتصار جديدة. لقد استطاعت البيئة الحاضنة أن تلتف على نفسها، وتشكل شبكة أمان اجتماعي، واستطاع المهجرون الجنوبيون أن يكسروا حالة الجمود، من خلال عزمهم وعملهم. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنهم ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي تتوقف فيه الحرب، كي يعودوا إلى بلداتهم وقراهم.